قيمة السلام في الإسلام
إن في تعاليم الاسلام وعقائده تدريبا عمليا لكل مسلم على أن يتعامل بالإنسانية مع كل الناس، فالإسلام يدعو إلى ترويض النفس بأن تحول تلك التعاليم الاسلامية إلى تعاملات حية على أرض الواقع، وأن لا تبقى مجرد قوانين وشعارات.
ومن تلك المبادئ التي دعا إليها الاسلام السلام، والسلام حقيقة عبارة عن نوع من العبادات يتقرب بها العباد إلى الله تعالى، فالإسلام بمعناه العام يعني السلام، والسلام اسم من أسماء الله تبارك وتعالى، قال تعالى: “هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ”.
يسعى الإسلام دائما في تشريعه إلى أن يعيش الإنسان مطمئنا بسلام، لا يعكر صفوَ حياته أي اضطراب أو خلل، باعتباره دينَ الفطرة الذي توافق تشريعاته النفس البشرية السوية التي تميل إلى السلم، وتسعى إليه وتعمل على استمراره، حيث يرتكز جوهر الإسلام على حقيقة واضحة هي: أنه دين سلام، وليس دين استسلام، فهو يسلك سبيله إلى السلام مِن مركز القوة، وبدون القوة يكون الطريق إلى السلام طريقا إلى الاستسلام، الذي به تضيع الحقوق وتنتهك الحرمات!
ومن نتائج السلام انتشار الأمان والطمأنينة فيما بين الناس على اختلاف معتقداتهم وانتماءاتهم، واستئصال كل أشكال الاضطراب والخوف من نفوسهم، ومن دعوات الإسلام التعاون على فعل الخير والدعوة إليه، مبينا أن كل أساليب الاعتداء مرفوض جملة وتفصيلا، مشددا العقوبة على من يتعدى ويتجاوز حدوده، معتبرا أن هذا الاعتداء هو اعتداء على البشرية جمعاء.
وإذا تتبعنا حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وبعدها في مكة والمدينة، رأينا بوضوحٍ تلك النظرة المتكاملة الواقعية الذكية إلى السلام، والمتتبع لآيات القرآن الكريم يرى بوضوح تعميق تلك النظرة في نفوس المسلمين كجزء مِن عقيدة سمحة تدعو إلى السلام عن حب له وثقة به، ولا تدعو إليه عن خوف مِن الحرب وما تجره على المتحاربين من ويلات.
وتقوم قاعدة الإسلام على حماية الإنسان مِن الفزع والخوف، والقلق والاضطراب، والحرص على حمايته، والحفاظ على حقوقه المشروعة في الأمن والسكينة والسلام والاطمئنان؛ لذلك كان السلام ضرورة حية للفرد والمجتمع كي يستقر ويتماسك، ودليلا يقود الإنسان إلى العطاء الحضاري الذي يحافظ على مقومات الأمة مِن التحديات، والتي تتمثَّل في القيم الإسلامية والروحية.
وتتصل فكرة السلام في الإسلام اتصالا وثيقا بفكرتِه الكلية عن الكون والحياة والإنسان، هذه الفكرة التي ترجع إليها نظمه وقواعده جميعا، وتلتقي عندها تشريعاته وتوجيهاته، وتجتمع إليها شرائعه وشعائره.
إن خطوط المنهج القرآني في بناء الفرد والجماعة لا يتصل بأي معنى من معاني العدوان أو الإرهاب أو التشدد في العقيدة، بل هو في كل سطوره يفيض رحمة ولطفا وحبا وفضيلة واستقامة وعدلا وسلاما، ذلك الذي هو مطلب لجميع خلق الله.
ولقد ارتكز هدف الإسلام على تحقيق العدالة في الأرض قاطبة، وإقامة القسط بين البشر عامة، العدالة بكل أنواعها؛ العدالة الاجتماعية، والعدالة القانونية، والعدالة الدولية؛ مما يحقق السلام والأمان في المجتمع، وهذا هو قانون السلام في الإسلام.
إذًا يتضح لنا أن فلسفة السلام في الإسلام ترتكز على أن السلم هو القاعدة والمنظومة الرئيسة التي جعلها الله في الوجود، والحرب ضرورة لتحقيقِ خيرِ البشرية لا خيرِ أمة، ولا خير جنس أو فرد فقط، وإنما ضرورة لتحقيق المثل الإنسانية العليا التي جعلها الله غاية للحياة الدنيا، ضرورة لتأمين الناس مِن الضغط، وتأمينهم من الخوف أو الظلم، وتأمينهم من الضر ضرورة هامة لتحقيق العدل المطلق في الأرض فتصبح إذا كلمة الله هي العليا.
الإصلاح