مفكير يكتب بمناسبة اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف
إن أول تشريف للنبي عليه السلام بعد الاصطفاء، نزول الوحي بغار حراء، حيث كان المصطفى عليه السلام يقضي الليالي الطوال من كل سنة شهرا يتحنث ويتعبد، تكريمه والبشرية من بعده بالإرشاد إلى العلم والتعلم ” اقرأ بسم ربك الذي خلق” فأول ما نزل من الوحي توجيه رباني إلى الخليقة بحمل العلم وتعلمه والاجتهاد فيه. لأنه بالعلم ترقى الأمم وتتقدم، وبه تتعرف على الخالق سبحانه، ” باسم ربك الذي خلق” والله عز وجل هو معلم العلم والمرشد إلى الهدي والهدى، معلم الناس ما لم يسبق لهم أن تعلموه ، وما خفي عنهم مما لا تدركه عقولهم إلا بعد النظر والتأمل في كتاب الله المقروء والمنظور، وبما غرس من استعدادات فطرية، علم الإنسان ما لم يكن يعلم” وعلم آدم الأسماء كلها” علم هذا الإنسان المخلوق الضعيف المحتاج إلى العناية الإلهية، ورفعه الله بالعلم والتعلم، وبسط سبحانه أجنحة ملائكته لطالب العلم رضا بما يصنع، وكلما ازداد المرء علما إلا وتقرب من مولاه، وبالعلم يرث الناس علم الأولين، ويتعرفون على الحضارات والتراث الإنساني، وتبنى الحضارة، وترتقي الأمم ، وتتجاوز التحديات ببناء العمران والإنسان.
كما أن الكتاب هو المعلّم الأوّل للبشريّة الذي نكاد نعجز عن إحصاء فوائده ومناقبه لكثرتها. أهميته وفوائده الجمّة التي يصعب إجمالها وتلخيصها، ومنها أنها أداة لحفظ التاريخ حيث تُعدُّ الكتب كنزاً ثميناً بما تحويه من معلومات، لا سيما تلك المعلومات التي كان مصدرها الأوائل من العلماء والمؤرخين واللغويّين الذين لم نعاصرهم، إذ إنّ علومهم تلك هي أساس علومنا القائمة الآن، فلولا ما وضعوه في هذه الكتب من خلاصة علمهم وفهمهم وتجاربهم لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من ازدهار وتطوّر، ولما علمنا أحداث التاريخ القديمة.
والكتب أداة المعرفة والثقافة، بها يحصل القارئ بالقراءة على ما يجهله، فهو مصدر التعليم الأول لأيٍ كان، فلا أفضل من الكتاب لتعلم العلوم على اختلافها، فبالكتب تستطيع تعلّم كل شيءٍ عن مكان ما أو عن علوم الطبيعة، والبيولوجيا، واللغة، والعلاقات العامّة، والتاريخ، والأديان أو أيّ أمرٍ كان، كما أن الكتاب خير وسيلة لتنمية ثقافة الإنسان وزيادة وعيه بالأمور من حوله.
وبالكتب تغزّز القيم الجّيدة، وتُنبذ القيم السيّئة، وتحارب الشرور، ويُدعم الخير، فالكتب طريقة سهلة لنبذ الكذب، وتعنيف من يفكّر بالأذيّة، فالكتاب هو المعلّم الأوّل للأطفال والكبار. وبه نحيى حياة أخرى، ويتعرّف القارئ على تجارب الآخرين، فيتعلّم منها ما لم يتعرّض له في الحياة الواقعية، فهي بديل جيّد لتلقّي الدروس، وهي وسيلة يتّقي القارئ من خلالها التجارب الفاشلة، فهي تعلّمه حلّ المشاكل بنفسه عند المرور بها بعد ذلك.
إن كل غافل عن حقيقة اقرأ يحرم من نور يقذفه الله في قلوب عباده الذين تتلمذوا في مدرسة محمد عليه السلام التي فرضت على أسرى بدر أن يعلموا عشرة من أبناء المسلمين القراءة والكتابة إن هم أرادوا الحرية وفك قيد الأسر.
وتعتبر القراءة من أهم الأشياء في حياتنا ولابد من إتقانها. إن القراءة تشكل نسبة من 80-90من الثقافة التي يحصل عليها الإنسان . وأن تقدم الأمم و الشعوب مرهون بتقدمها الثقافي يعتمد على القراءة.
وإذا ما طرحنا سؤال ما سبب تأخر الشعوب العربية عن الشعوب الغربية في القراءة؟ يكون الجواب سريعا، بسبب قلة اهتمام الشعوب العربية بالقراءة . وتفيد الدراسات التي أوضحت أن الطفل الأمريكي يقرأ 13كتابا في السنة بينما لا تتجاوز قراءة الطفل العربي 15صفحة في السنة كذلك سرعة القراءة التي يبلغ معدلها في الدول العربية مابين150_170كلمة في الدقيقة. بينما تبلغ في الدول العربية الغربية حوالى250كلمةفيالدقيقة. أما الاستيعاب تتساوى الدول العربية مع الغربية حيث تتراوح ما بين 45_50%.
وبالنظر لإحصائيات 2012 م “رسمية” يتضح الضعف، حيث تتحدث عن كون نسبة القراءة بالمغرب لا تتجاوز 1.5 في المئة، وأن عدد المكتبات يقترب من مكتبة واحدة لكل 134 ألف نسمة. ويصنف المغرب –مثلا- في المرتبة 162 عالميا في لائحة القراءة والكتابة في آخر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وتشير المعطيات إلى أن عدد العناوين التي تخرج إلى السوق المغربية لا تتجاوز 3000 عنوان كأقصى تقدير سنويا، مع استثناء الكتب الإلزامية والمدرسية التي تلقى إقبالا معقولا. وفي غياب أرقام رسمية عن دور النشر ورواج الكتب؛ تشير التقديرات إلى أن عدد دور النشر المغربية يبلغ نحو 70 دارا للنشر بأهمية متفاوتة، حوالي عشرة منها متخصصة في نشر الكتاب الإبداعي، بينما تنشر الدور الأخرى الكتب من مجالات مختلفة أهمها المدرسية والمساعدة والمتخصصة، ويتراوح متوسط نشر الكتاب بين 1000 و250 نسخة في السنة، وقليلا ما تكون فيه طبعة ثانية وثالثة. المثير، أن الميزانية الموجهة لقطاع الثقافة لا تتجاوز 0.03 في المائة من الميزانية العامة، مما يعني أن وزارة الثقافة تبقى أهم الوزارات التي تعاني من محدودية التمويل، حيث لم تتجاوز ميزانية الوزارة برسم اعتمادات السنة الحالية 620 مليون درهم، تخصص منها 160 مليون و28 ألف درهم لإنجاز برامج تعود بالنفع المباشر على القراءة وتقريب المنتوج الثقافي للمواطن من خلال إحداث وتجهيز مراكز ثقافية وتوسيع شبكة القراءة العمومية ودعم النشر والكتاب وتنظيم المعارض.
كما أن إنتاج الكتب في العالم العربي هو % 1,1 من الإنتاج العالمي ،ينزل بالنسبة للكتب الأدبية والفنية 0’8 % من الإنتاج العالمي ،فعدد الكتب الأدبية والفنية سنة 1996 مثلا هو: 1945(وهو أقل مما أنتجته تركيا التي لا يتعدى سكانها ربع سكان العالم العربي)والحال أن نسبة العرب من سكان العالـم 5%.
إقرأ أيضا: العالم يحتفي بيوم الكتاب وحقوق المؤلف من “غوادالاخارا” عاصمة الكتاب لسنة 2022 |
وتتباين آراء المثقفين حول واقع القراءة في المغرب، حيث يعتبر البعض أن هناك عزوفا، في حين يقول آخرون أن المغرب يعاني من أزمة أمية تُضعف نسبة القراءة والاطلاع فيه، في وقت يُصنف فيه المغرب في مراتب متأخرة في مستوى الأمية ومستوى القراءة، ناهيك عن تدني جودة التعليم حسب مجموعة من التقارير الدولية.
إن أسباب تراجع الكتاب تعود إلى عدة عوامل أهمها “انعدام تربية أسرية للأجيال الناشئة تمرسهم على القراءة من الصغر” إلى جانب الاكتساح الرقمي، أو ما سمّاه جاذبية النت في جلب الشباب إليه، وشيوع الكتاب الإلكتروني عوضاً عن تصفح الكتاب الورقي، فضلاً عن ضعف القدرة الشرائية لشرائح عديدة من المجتمع المغربي.
ولا يمكن الحديث عن تدني القراءة في المغرب بحكم أنه لم يسبق في تاريخه أن كان مستوى القراءة مرتفعاً حتى يمكن مناقشة أسباب تدنيها، مؤكدا على أنه “لم يسبق للمنتوج الفكري أن خلق حواراً اجتماعياً أدخله في علاقة حميمة مع المتلقي، والدليل هو سوء التغذية الروحية التي يعاني منها المجتمع، والتي تؤدي إلى هزالة الجسد العاجز عن صد الضربات”.
وتتجلى أهمية وفائدة القراءة في :
1-وسيلة للعلم والثقافة .
2-تثري الذهن وتنشطه.
3- تربية على كثير من الفضائل منها الصبر
4- اكتساب خبرات واسعة.
5- القدرة العميقة على البحث والاستقصاء.
وإن من أهداف القراءة:
1-طلب العلم الشرعي .
2-الثقافة العامة.
3-البحث عن مسألة أو عن موضوع معين.
4-التسلية والترفيه.
5-الإجابة عن تساؤلات معينة.
6-التخصص في مجال معين.
ومن وظائف القراءة:
للقراءة وظائف وأهداف تنفع للقيام بالواجب، منها المجال المعرفي، لإشباع حاجاتك المعرفية،ومجال نفسي، للمساعدة على التكيف النفسي ومواجهة حالات الإحباط والانفعالات، ومجال اجتماعي، للمساعدة على التكيف الاجتماعي والتبادل الثقافي بين الشعوب.
لقد أصبحت اليوم، حاجة الدعاة والمفكرين والمثقفين إلى تعلم العلوم ضرورة ملحة في زمن هيمنة التكنولوجيا، والإعلاميات، وبدأ التواصل بين الناس بطرق متطورة. وبدأت القضايا تطرح على مستويات عدة، وعبر القارات مما يفرض على تجاوز الطرق التقليدية في التعلم وكسب المعرفة، ووجب ركوب موجة التكنولوجيا للتواصل مع الناس، والاستجابة إلى مطالبهم وحاجياتهم.
إننا أمام التحدي التكنولوجي، الذي من شأنه أن يؤثر على الكتاب الورقي ، وإن كانت عملية القراءة اصبحت متابعة للمواقع الموجودة على الشبكة العالمية والتي اصبحت تقدم اهم المنشورات والمطبوعات حتى إن عدداً كبيراً من المؤلفين بدأوا بإصدار مؤلفاتهم على شبكة الانترنت، ويكونون بذلك قد تجاوزوا صعوبات النشر والتوزيع بما فيها المشكلات المادية وبالتالي الصعوبات التي تواجه المؤلف. لكن في المقابل تراجع تداول الكتاب ومنسوب قراءته والاهتمام به. وبالرغم من ذلك ومهما تقدمت الوسائل المقروءة لا يمكن الاستغناء عن الكتاب، لأنه اسهل تداولاً من الوسائل الاخرى، فالإنسان يستطيع ان يحمله في سيارته وبيته ومكتبته وحتى وهو مستلق في سريره.
ولا شك في أن الكتاب الورقي يتجه نحو الاندثار، هذا في الحضارة الغربية المتقدمة، حيث التطور التكنولوجي بلغ مرحلة تنذر بتحويل كل الاشياء الجميلة إلى أدوات صغيرة يمكن نقلها بالجيب، لكن في العالم العربي حيث الأمية بلغت 70 مليون انسان والكهرباء لم تصل بعد الى العديد من المناطق المتخلفة، فإن الكتاب الورقي سيعيش طويلاً، صحيح ان شرائح واسعة في المدن العربية ذات التعليم العالي وذات الدخل المرتفع، بدأت تتحول نحو منجزات تكنولوجية، ولا سيما نحو الكتاب الالكتروني، لكن هذه الشريحة ما زالت هامشية جداً، اكد على ان الكتاب سيبقى سيد الموقف مهما حصل من تقدم تكنولوجي ومعرفي. وقال: بلا ريب فإن الكتاب الالكتروني بدأ يقضم دور الكتاب المطبوع بالتدريج، لكنه لن يتمكن من انهاء دوره والغاء حضوره في المستقبل البعيد. واضاف: صحيح ان ثمة اموراً تغيرت في حياتنا ولم يعد الكتاب يبهرنا كسابق عهده لظهور اجهزة الكمبيوتر وشبكات الانترنت التي سلبت من الكتاب بريقه ووهجه بعد أن أصبحنا مبهورين بهذين الجهازين اللذين وفرا كثيراً من العناء.
إن الكتاب سيبقى في الصدارة في ظل تسارع عصر المعلومات وتعدد أساليب المعرفة. وبالرغم من أننا بحاجة الى مواكبة العصر وما رافقه من تقدم تكنولوجي ومعرفي لكن يبقى الكتاب هو العنصر الأساسي في الحصول على المعلومات، وهو أفضل طريقة للتوثيق ولا يمكن للباحثين ولطلاب العلم وفئات متعددة من المجتمع الاستغناء عنه.
إن القراءة وتعلم العلم سبيل للخلاص من الآبائية والتقليد والنموذج والسلف والأشخاص ، على أساس أن تكون القراءة سريعة وعميقة.
إن غنى المجتمع لا يقاس، كما قال مالك بن نبي، بكمية ما يملك من ” أشياء” بل بمقدار ما فيه من أفكار. ولقد حان الوقت الذي ندعو فيه إلى النفير وتنبيه أنفسنا إلى خطورة ابتعادنا عن الحرف والقراءة، وأعضاء حركتنا المباركة يجب أن يكونوا هم أول من يحمل مشعل المعرفة والعلم، وتحبيب القراءة إلى الناشئة، وملء الأوقات بالنافع من العلوم المفيد للفرد والأمة.
وعلينا المساهمة في معالجة الأزمة الفكرية للأمة، وأن نجعلها محورا لنشاطنا، ومنطلقا لأهدافنا ونزود حركة الأمة بما تحتاجه من توعية فكرية، ونعمل على تشكيل القيادات الفكرية في الساحة الإسلامية. ولن يتأتى لنا ذلك إلا بتطوير أداء الأفراد وتأهيلهم والرفع من فاعليته ومشاركته وتكوينه.
عبد الرحيم مفكير – عضو مؤسسة بيت الثقافة