مريمة بوجمعة: تجريم الإثراء غير المشروع يعتبر سنام التعديلات التي تروم محاربة الفساد (حوار)
خلف نقاش مشروع القانون 10.16 الذي يقضي بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي جدلا واسعا خاصة بعدما ظل يراوح مكانه بمجلس النواب المغربي منذ سنة 2016، من خلال تأجيل مناقشته والمصادقة عليه من طرف لجنة التشريع وحقوق الإنسان رغم الإعلان عدة مرات عن أجل لتقديم تعديلات الفرق والمجموعات النيابية.
ومن بين أبرز نقاط الجدل في هذا المشروع هو مقتضيات تجريم الإثراء غير المشروع الذي يأتي في إطار محاربة الفساد، ولتسليط الضوء على هذا الموضوع المهم، طرح موقع “الإصلاح” عددا من الأسئلة على الأستاذة مريمة بوجمعة؛ النائبة البرلمانية عن فريق العدالة والتنمية وعضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، لمعرفة الإطار القانوني لهذا التجريم وأبرز مقتضياته والملاحظات المسجلة حوله.
أجرى الحوار لموقع الإصلاح: ي.ف.
بداية، أين وصل نقاش مشروع القانون الجنائي على مستوى المؤسسة التشريعية؟
لقد تم تقديم مشروع القانون الجنائي لاول مرة امام لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب بتاريخ 28\06\2016 لتنتهي اللجنة من دراسته بتاريخ 14\07\2016 إلا ان المسطرة التشريعية توقفت عند مرحلة التعديلات، ليعاود تقديمه في الولاية التشريعية الحالية بعدما اختارت الحكومة الحالية في نسختها الاولى عدم سحب هذا القانون ضمن عدد من مشاريع قوانين اخرى (38 نص)، وذلك بتاريخ 06\07\2017 وامتدت مناقشته العامة و التفصيلية حتى تاريخ 02\07\2019. وحددت له آجال لتقديم التعديلات قدمت بشأنها طلبات للتأجيل أربع مرات كان آخرها بتاريخ 10\01\2020، ليدخل بعدها مع وزير العدل في النسخة الثانية لهذه الحكومة لمرحلة اخرى من العرقلة و التسويف.
و بعد وضع كل الفرق لتعديلاتها ينتظر من السيد وزير العدل تحديد موعد لتقديم التعديلات و التصويت على مشروع القانون الجنائي بلجنة العدل و التشريع و حقوق الانسان.
ما هي أبرز التعديلات التي جاء به نقاش مشروع القانون الجنائي في صيغته الجديدة؟
يأتي مشروع القانون الجنائي 10.16 الذي تضمن اربع مواد مست بالتغيير و التتميم و النسخ 84 مادة من مجموع فصول القانون الجنائي 612، و يكتسي هذا المشروع اهميته من خلال ما تضمنه من تعديلات تروم ملائمة التشريع الجنائي مع مقتضيات دستور 2011 و توجهاته في السياسة الجنائية و كذا ملائمة هذا التشريع مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب و المرتبطة بمجالات حقوق الانسان و مناهضة التعذيب و الاختفاء القسري و مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للدول و منع الاتجار بالبشر و تهريب المهاجرين واتفاقيات أخرى تهم محاربة الفساد اضافة الى اعمال توصيات هيئة الانصاف و المصالحة و تفعيل خلاصات الميثاق الوطني حول اصلاح منظومة العدالة .و ان كانت كثير من مواد القانون الجنائي تلامس موضوع محاربة الفساد كالتوسع في تعريف الموظف العمومي و تجريم استفادة الغير بسوء نية من الجرائم المالية المتعلقة بالاختلاس و الغدر و الرشوة و استغلال النفوذ، فان تجريم الاثراء الغير المشروع يعتبر سنام التعديلات التي تروم محاربة الفساد.
على ذكر تجريم الإثراء غير المشروع، ما هو الإطار القانوني لتضمينه في مشروع القانون الجنائي؟
إدراج تجريم الإثراء غير المشروع ياتي في إطار اعمال اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد الموقغة بنيويورك سنة 2003، و اعمالا للمادة 4 من الاتفاقية العربية لمكافحة الفساد التي وقعت عليها المملكة المغربية بتاريخ 2010، و كذا تنزيلا لمقتضيات النص الدستوري التي تنص على ان القانون يعاقب على الشطط في استغلال مواقع النفوذ و ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.
إن المرجعية التي بصمت تجريم الاثراء الغير المشروع هي المرجعية الدستورية، حيث نص دستور 2011 في فصله الاول على انه من الأسس التي يقوم عليها النظام الدستوري للمملكة ربط المسؤلية بالمحاسبة ،و المرجعية الاتفاقية المتمثلة أساسا في مقتضيات المادة 20 من الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب ، و قد اختار المشرع المغربي تضمين مقتضيات هذا التجريم ضمن القانون الجنائي وفِي مادة وحيدة مدرجا إياها ضمن جرائم الفساد التي يرتكبها الموظفون ضد النظام العام و المتعلقة بالرشوة و استغلال النفوذ، عوض إفراد هذه الجريمة أي جريمة الإثراء غير المشروع او الكسب غير المشروع بقوانين خاصة من قبيل القانون المصري والقانون العراقي و القانون اللبناني و القانون الفلسطيني و القانون الأردني و مؤخرا القانون التونسي الذي تضمن كذلك التصريح بالمكاسب و المصالح و الكسب الغير المشروع.
ما هي أبرز المقتضيات التي تنص على تجريم الإثراء بلا سبب في مشروع القانون الجنائي؟
من خلال الفصل 256-8 من مشروع القانون الجنائي رقم 10.16 تم ربط الإثراء الغير المشروع بالمنظومة التشريعية والمسطرية لقوانين التصريح بالممتلكات ،و جعل معرفة الزيادة الكبيرة و غير المبررة في الذمة المالية للملزمين مرتبطة بما صرحوا به عبر مختلف محطات ولايتهم او مسارهم المهني ،ليصبح هذا التصريح حجة عليهم فيما أقروا به مما يجعل أية زيادة كبيرة ملحوظة تستوجب منهم تبرير مصدرها المشروع و المستحق . ان هذا الربط أي ربط تجريم الإثراء غير المشروع بمنظومة التصريح بالممتلكات يجعل الفئات الخاضعة للنص التجريمي للإثراء الغير المشروع محددة فقط في فئة الموظفين العموميين الملزمين بالتصريح بالممتلكات مع التوسع في تعريف الموظف العمومي في مشروع القانون ،كما اختار المشرع المغربي الوقوف عند حدود مراقبة ما في حيازة الملزم بالتصريح من عقارات و أموال منقولة و ما في حيازة ابناءه القاصرين دون ان تمتد الى رصد تطور ثروة الزوج (ة) ، و حدد المشروع النطاق الزمني لجريمة الإثراء غير المشروع بمجرد اكتساب الصفة أو تولي الوظيفة و أثناء ممارستها وحتى نهايتها .
كما ان المشروع لم يتضمن اي عقوبة سالبة للحرية لمرتكب جريمة الإثراء غير المشروع و اكتفى بغرامة تتراوح مابين مائة الف درهم الى مليون درهم و الحكم بمصادرة الأموال الغير المبررة والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية.
ما هي أبرز ملاحظاتكم على هذه المقتضيات؟
إن مقتضيات تجريم الإثراء الغير المشروع كما جاء به الفصل 256 .8 في مشروع القانون الجنائي يشكل الحد الأدنى الذي لا يمكن النزول عن سقفه وإلا أصبحنا أمام تجريم عاجز عن محاصرة مظاهر الإثراء غير المشروع، لذلك فإن التعديلات التي جاءت بها بعض الفرق البرلمانية، من قبيل عدم خضوع الملزمين بالتصريح بالممتلكات لمقتضيات هذا الفصل الا بعد انتهاء مهمتهم الانتدابية أو الإدارية و حصر مهمة إثارة الدعوى في المجلس الأعلى للحسابات دون باقي الوسائل القانونية لإثارة الدعوى العمومية، و تعديلات مماثلة لا يمكن إلا ان تضعف مقتضيات هذا الفصل و تفرغه من مضمونه و تشل هذه الآلية في محاربة الفساد و ناهبي المال العام، خاصة امام الكلفة الثقيلة للفساد الذي اصبح يكلف الاقتصاد الوطني حوالي 5% من الناتج الإجمالي المحلي أي مايعادل 5 مليارات دولار وهو مبلغ يساوي ما تبذله الدولة من اجل التعليم ،إضافة الى مساهمته في الانحراف بقواعد الممارسة الديمقراطية و في تقويض سيادة الحق و القانون و في تردي جودة العيش .