الدكتور بوغوتة يتحدث عن مفهوم نصرة الدين
ما أحوجنا في هذا الزمن إلى أن نزيد من الأسباب وتقويتها لنصرة الدين ونكون إن شاء الله من أنصار الله، ونحن نستحضر آيات من كتاب الله العزيز في قوله تعالى من سورة الصف :”يا أيها الذين امنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله”ّ، وهنا تكلم المفسرون وقالوا إن طلب النصرة هنا لم يكن في ظل حرب ضد الكفار أو غيرهم بل كانت النصرة نصرة إيمانية وذلك انطلاقا من السياق القرآني حيث يقول الله عز وجل “فأمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين امنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين”، وهذا درس عظيم ودرس جليل للمسلمين أجمعين في كل العصور عامة، وخاصة لكل من انتدب نفسه للدعوة إلى الله وأراد أن ينصر دين الله عز وجل فعليه بداية ومنطلقا أن يحقق العبودية لله وأن ينشغل قلبه بطاعة الله جل وعلا وأن يملأ حياته بالدعوة إلى الله وهنا نستحضر تلك المرحلة الذهبية والفريدة من مرحلة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه رضوان الله عليهم الذين نصروا دين الله، والذين بدلوا الغالي والنفيس لنصرة هذا الدين.
نعم إن الهداية منحة ربانية يهبها الله لمن يشاء ويقذفها في قلب من يشاء من عباده، فهؤلاء قوم قريش مع علمهم اليقيني بصدق محمد صلى الله عليه وسلم وبأمانته لم يؤمنوا برسالته بل أدبروا ودبروا، أدبروا عنه ودبروا المؤامرات لإخراجه أو سجنه أو قتله كما ورد في السيرة لكن طائفة مهمة من الأنصار رضي الله عنهم لما سمعوا القران أول مرة ولامست الآيات البينات قلوبهم أسلموا لله مع رسول الله بقلوبهم وجوارحهم وضربوا المثل الأعلى في البذل والعطاء والتضحية والفداء والفعالية والإنتاج، وأن معالم النصرة عند المهاجرين والأنصار في المدينة المنورة كثيرة لا يتسع المجال لذكرها جميعا ولكن سنقف عند بعضها.
فأما المعلم الأول من معالم هذه النصرة هو الحب وحسبك من الأمثلة أن يتمنى كل واحد من أولئك الرعيل الأول أن يفدي الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله وولده ولذلك سنقف عند موقفين اثنين
أما الموقف الأول فهو من غزوة أحد لما حمي الوطيس أرسل النبي صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت يلتمس له سعد بن الربيع رضي الله عنه فوجده في الرمق الأخير فقال له إن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لك كيف تجدك أي كيف أنت؟ فقال رضي الله عنه وعلى رسول الله السلام، قل له إني أجد ريح الجنة وقل لقومي الأنصار لا عذر عند الله إن خلص إلى نبيكم مكروه وفيكم عين تطرف، ما أجمل هذا الكلام وما أجمل أن نتمثله في حياتنا واقعا نعيشه لنصرة الدين ونصرة كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأن نستحضر هذه الوصية وصية ابن الربيع رضي الله عنه.
أما المعلم الثاني فهو اليقين فقد كان ملازما لهم أول لحظة، اليقين أولا بنصرة الله عز وجل لدينه، واليقين بأن الخاتمة وأن الأمر سيكون لهذا الدين ولما تيقنوا بهذا الأمر بايعوا الرسول صلى الله عليه وسلم وعلموا أن تضحياتهم وجهادهم ثمنه هو الجنة وكانوا على يقين بأن الله عز وجل سيزجل لهم العطاء في الدارين نصرة في الدنيا وعزة وكرامة وجنة ونعيم مقيم في الجنة إن شاء الله، وهنا على كل واحد منا انتدب نفسه للدعوة إلى الله أن يعلم علم اليقين أن الله عز وجل يثيبه على عمله إن كان خالصا لوجه الله سبحانه عز وجل في الدنيا والآخرة، ونقول أخي الكريم أختي الكريم كن لله يكن الله لك في حياتك وفي أخراك.
أما المعلم الثالث فهو البذل والعطاء، وإذا تكلمنا عن البذل والعطاء في حياة الصحابة رضوان الله عليهم فحدث، وإن الحديث لا ينتهي ويكفينا قول الله عز وجل :”والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاص ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون”، قد يقع الواحد منا في بعض الأحيان في مواقف أيهما يقدم، ينفق على الدعوة إلى الله سبحانه عز وجل فيكون من السباقين ومن الذين يستبق الخيرات أم يقدم أمورا أخرى فيجعلها من أولوياته فلا بد من ترتيب الأولويات هؤلاء فازوا بسعادة الدنيا والآخرة لأنهم رتبوا أولويات البذل والعطاء لأنهم علموا أن ما عند الله باق وعند الله خير وما في الدنيا إلى زوال فأنفقوا ما استطاعوا، ويكفينا في هذا المجال أن نستحضر آبا بكر رضي الله عنه لما قدم بداية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ينفق فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ذاك عمر ؟ فقال له هذا نصف مالي يا رسول الله، وبعد قليل يدخل أبو بكر على استحياء وهو يخفي شيئا فقال له رسول الله ما ذاك يا أبا بكر ؟ قال هذا كل مالي يا رسول الله قال له فماذا تركت لعيالك؟ قال تركت لهم الله ورسوله، فالله عز وجل هو خير الرازقين وخزائنه لا تنفذ سبحانه عز وجل فهو الحي الكريم.
كونوا أنصارا لله – للأستاذ عبد الله بوغوتة (فيديو) |
أما المعلم الآخر فهو التضحية ولها أمثلة عدة مفصلة في السيرة النبوية فرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وهو يطبق مبدأ الشورى والاستشارة مع أصحابه في هذا المنزل ويستشير الصحابة رضوان الله عليهم فيتكلم هذا الرجل الفطن سعد بن معاذ رضي الله عنه “فكأنك تريدني يا رسول” أي فكأنك تريدنا نحن الأنصار، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم نعم، فقال سعد “فقد أمنا بك فصدقناك إلى آخر المقال الذي قال فيه والله لن نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون بل نقول لك اذهب وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون فكذلك ينبغي أن يكون الداعية إلى الله ومن انتدب نفسه للدعوة إليه أن يكون في الصفوف الأولى لأن الوقت يقتضي هذا، فلا ينبغي لأحد منا أن يتخلف في هذا الوقت الذي تحتاج فيه الأمة من ينير لهم الطريق، ومن يبين لهم مراد الله عز وجل من كتابه، ومن يبين سماحة الإسلام وسعة الإسلام ورحمة هذا الدين، ومن يجمع الصفوف ويؤلف بين القلوب، وكانت النتيجة عادلة إن الله عز وجل أعزهم في الدنيا والآخرة.
لكن أقف عند هذا المعلم الأخير أن هذه النصرة الإيجابية ينبغي أن تكون منتجة أن تنتج أثرا في المجتمع ونقتصر على مثال واحد وهو أبو ذر الغفاري رضي الله عنه الذي كان من الأوائل الذين أسلموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوصاه تلك الوصية الخالدة القصيرة في ألفاظها البليغة في معانيها “اتق الله حيث ما كنت واتبع الحسنة السيئة تمحها وخالق الناس بخلق حسن”، فذهب أبو ذر رضي الله عنه ولم يمكث عقودا ولم يمكث زمنا طويلا ولم يذهب فحبس نفسه في بيته وقال علي نفسي وأحافظ على التزامي وديني وأحافظ على هذه الوصية التي وصاني بها رسول الله، بل أثمر إيمانه هذا وأنتج عجبا وكما تروي كتب السيرة أن ذات يوم من أيام المدينة يسمع هدير ويسمع صوت على مشارف المدينة فلما خرج الناس وجدوا قوما قد اقبلوا على المدينة إنهم قبيلتان قبيلة أسلم وغفار رضوان الله عليهم جميعا هاتين القبيلتين بفضل الله عز وجل وثمرة هذه الوصية إسلامهم، فقال رسول الله أما أسلم فسالمها الله وأما غفار فغفر الله لهم.
هكذا ينبغي أن نكون أنصارا لله أنصارا لدين الله أن نتصف بهذه الصفات بالحب وبالبذل والعطاء والتضحية وأن ننتج أثارا في مجتمعنا حتى يكون في مقام يرضاه الله سبحانه نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يجعلنا مفاتيح لكل خير ومغاليق لكل شر ويجعلنا من الراشدين والحمد لله رب العالمين.
سلسلة تبصرة / الدكتور عبد الله بوغوثة