استشارة: تدبير الخلافات داخل الأسرة
سؤال:
في سائر الأيام تحدث في بيتنا خلافات بين الإخوة بشكل شبه يومي وهو ما يؤثر على علاقتنا سلبا ويسبب لي ولوالدهم التوتر والقلق والضيق، ونحن في هذا الشهر الكريم الذي هو شهر الطاعات كيف أوجه أبنائي لكي يتوقفوا عن تلك المشاحنات بينهم وأن يستغلوا هذا الشهر فيما يساعدهم على تخطي مشاكلهم بكل سهولة ليعود السلام والأمن للبيت؟
تجيب عنها الأستاذة نعيمة سيف الحق
بخصوص سؤال السيدة وخلافات أبنائها علينا نحن الكبار أن ندرك إيجابيات هاته الخلافات والمشاكسات بين الأبناء في بالبيت ونعتبرها أمر طبيعي جدا بين الإخوة، تساعدهم على تنمية مهاراتهم الاجتماعية والوجدانية إن أحسنا استثمارها، فهي فرصة لطرح مشاكلهم وتشجنهم وفي نهاية المطاف هي عملية تنمية مهارات وهنا يكون الفرق بين الأسرة التي يوجد فيها أطفال والتي فيها طفل وحيد.
وهذه المشاكسات أو الخلافات تُظهر للوالدين بالخصوص نقاط الخلافات التي تكون بين الأبناء والآراء المتباينة، وهذه برقيات علينا أن نتلقاها في إطار أن نساعدهم ليقربوا وجهات نظرهم ويتعلموا المهارات التواصلية.
كما أن هاته الخلافات هي ساحة تدريب مستمر على مهارات الحياة فيما بعد، فهؤلاء الأبناء يتشاجرون ويختلفون فيما بينهم، بعد أن يذهبوا للمدرسة سيختلفون مع زملاءهم، ومع الوقت وفي مسارهم الإنمائي سيجدون وضعيات التي يكون فيها خلافات وتباين آراء وأحيانا نزاعات وقد تكون صراعات، فبالتالي علينا أن نعتبرها ساحة تدريب ندربهم على مجموعة من القيم والمهارات وهي أساسية جدا.
بالنسبة للوالدين هي فرصة لاستنباط مستوى القيم في الأسرة. فإلى أي حد مثلا قيمة الاستماع والانصات إلى الآخر في مستوى نحن راضون عنه، فإن لم توجد فعلينا ان نشتغل عليها. الى أي حد قيمة احترام الغير واحترام ملكية الغير موجودة في الأسرة؟ إلى أي حد قيمة الاستئذان موجودة في الأسرة؟ إلى أي حد قيمة كتم الغيض والتسامح والتعاون وتدبير المشترك … إلى غير ذلك. فإذن هي مجموعة من القيم التي توضح لنا هل نحن فعلا لدينا أمور نثمها من هذا المستوى وأخرى علينا أن نجودها ونطورها في دورنا التربوي.
هي كذلك فرصة لرفع الوعي حول جودة العلاقات في الأسرة عموما وليس فقط في شجار الأبناء، لأن هذا الأخير ينم على جودة العلاقات في الأسرة، فإن غاب الاحترام بيننا فإن الأبناء لن يحترموا بعضهم، وإن لم يكن بيننا الاستماع فالأبناء لن يستمعوا لبعضهم البعض، وإن لم يوجد الحوار فإن أبنائها لن يتعلموا هذا النموذج، فهي فرصة أن نجلس مع بعض وبشكل فردي ونقول لا بد أن ننتبه لهاته الأمور لأنها هي التي سترفع من مستوى أداء الأبناء.
السيدة تكلمت عن منسوب القلق والتوتر والضيق شبه اليومي نتيجة هاته الشجارات وهذا الضيق ينتقل إلى العلاقة بينها وبين زوجها، وهذا مؤشر يحتاج التوقف عنده، فإذا اعتبرنا بأن شجارات الأبناء هي سبب الضيق والتوتر فهذه مسألة غاية في الأهمية، لا بد أن يجلس الزوجين ويناقشوا المسألة ولا يحملوا الأطفال كمشجب لكل الضيق والتوتر في الأسرة، فالتوتر مسبباته كثيرة وبعض المرات نبحث عن شماعة ونلصق كل شيء على الأبناء في الوقت التي هي كما قلت خلافات طبيعية جدا بين الأبناء على أن لا تنتقل إلى سلوكات من الممكن أن تتجاوز الحد المقبول ويمكن أن يؤذي بعضهم البعض كعنف او خصام طويل ومقاطعات إلى غير ذلك فهنا علينا أن ننتبه.
فوجب إعادة تأطير الوضعية ونركز على الأعراض وننسى الأسباب، فمن الممكن أن يكون عرض من الأعراض لوضعية غير مريحة في الأسرة، يمكن أن يكون مستوى العلاقات يحتاج إلى تطوير وأن يكون مستوى القيم يحتاج أيضا الى تطوير، لكي لا نحمل الأبناء كل المشاكل الأسرية خاصة إن كانوا أطفالا.
وأقترح جلسة هادئة بين الوالدين يناقشوا فيها المسألة ويقلبوها من جميع جوانبها بكل هدوء، باعتبارهما مسؤولين معا، وليعرفا أين المشكل، هل الشجار مشكلتهم وحدهم (الأبناء) أم مشكلتنا نحن؟ ثم علينا ان نعرف هل المشكلة في الخلاف أم في طريقة تعبيرهم عن الخلاف؟ أي نحدد أسبابها وأعراضها. فغالبا ما تكون الوالدين أو أحدهما طرفا في هاته المشاكل، حيث يؤثر على أبنائهم ضعف المهارات التواصلية بينهما، فالجو الذي تغيب فيه آداب الحوار هي نتيجة طبيعية وحتمية لمثل هذه الأوضاع لأنهم لم يتعلموا آداب الحوار أو لديهم ضعف في هذه الخصلة.
ومن الأسباب أيضا أن الكبار وأبنائهم لم يتعلموا منهجية حل المشكلات والخلافات، او يكون السبب طريقة لنظرتهم لأبنائهم خاصة إن كانوا أطفال فعلينا أن نرتفع بمستوى وعي المربي الموجه الحاضن المعلم والمؤدب، بدل وضع الشرطي المحقق ننتظر منهم ان يخطؤوا فنحقق معهم ونصدر أحكامنا عليهم، على أن تكون طبيعة العلاقة بين الوالدين خالية من التوتر وفيها حوار ورحمة ومودة وتساكن وسلام، فالتربية نحتاج أن نتعلمها ونتدرب عليها بالبحث والتعلم من خبرات سابقة وعن طريق التكوين .