استشارة: ما حكم إخراج زكاة الفطر قبل وقت الوجوب بمدة؟
سؤال: ما حكم إخراج زكاة الفطر قبل وقت الوجوب بمدة؟
الجواب:
اتفق الفقهاء على أن وقت وجوب زكاة الفطر هو نهاية رمضان، مع اختلاف طفيف هل يكون بغروب آخر يوم من رمضان أم طلوع الفجر من يوم العيد. لكنهم اختلفوا في إخراجها قبل وقت الوجوب على أقوال كثيرة ، فمنهم من منع التقديم ومنهم من جوز إخراجها من أول يوم من أيام رمضان، ومنهم من رأى الجواز ابتداء من النصف ومنهم من جوز ذلك قبل العيد بيومين أو ثلاث فقط. قال الإمام الشوكاني حول التعجيل قبل الفطر: ” وقد جوزه الشافعي من أول رمضان وجوزه الهادي والقاسم وأبو حنيفة وأبو العباس وأبو طالب ولو إلى عامين عن البدن الموجود، وقال الكرخي وأحمد بن حنبل : لا تقدم على وقت وجوبها إلا ما يغتفر كيوم أو يومين . وقال مالك والناصر والحسن بن زياد : لا يجوز التعجيل مطلقا كالصلاة قبل الوقت وأجاب عنهم في البحر بأن ردها إلى الزكاة أقرب “، وإذا كان رأي المالكية المشهور عنهم ألا تخرج قبل موعدها، فإن تتبع بعض نصوص مالك، ومراعاة للمصلحة المرسلة المعتبرة في المذهب المالكي يُرجح مشروعية الإخراج قبل موعدها ولو بأيام.
بَوَّبَ مالك: ” بَاب وَقْتِ إِرْسَالِ زَكَاةِ الْفِطْرِ” ، ويفهم من الترجمة أن الإنسان حين يفضل إرسالها لمن يتولى توزيعها سواء الإمام أو غيره ممن له معرفة بالمحتاجين والمساكين، فإنه يمكن إرسالها قبل وقت الوجوب. وروى مالك عن نَافِعٍ : ” أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ” . واستنبط منه فقهاء المالكية جواز تقديمها عن يوم العيد باليومين أو الثلاث. وإذا كانت تلك المدة كافية لزمان عبد الله بن عمر حيث قلة كثافة سكان المدينة وسهولة التواصل، فإنه لو قدرنا ظروفا كجائحة كورونا التي فرضت الحجر الصحي، فإن اليوم والثلاث لا يكفيان للجمع والتوزيع، وإن مصلحة إيصالها للمحتاجين قبل يوم العيد ليستفيدوا منها،يرجح القول بجواز التقديم بحسب ما يُمكن القائمين من جمعها وتوزيعها وقد يصل إلى أسبوع أو أكثر، لكن يُفضل تأخير تسلميها لمستحقيها إلى اقتراب العيد لتحصل الحكمة منها وهي إغناء الفقراء عن السؤال يوم العيد.
وعلق الباجي على فعل ابن عمر فقال: ” قَوْلُهُ كَانَ يَبْعَثُ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي تُجْمَعُ عِنْدَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَبْعَثُ بِهَا إِلَيْهِ لِتَكُونَ عِنْدَهُ إِلَى أَنْ يَجِبَ خُرُوجُهَا فَيُخْرِجُهَا عَنْهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ نَصَّبَ لَهَا الْإِمَامُ أَوْ مَنْ كَانَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ رَجُلًا يُرْسِلُ إِلَيْهِ بِهَا فَتَجْتَمِعُ عِنْدَهُ حَتَّى يَضَعَهَا فِي وَقْتِهَا” . ونقل ابن أبي زيد القيرواني في النوادر عن مالك أنه قال: ” وإذا كان الإمام عَدلاً، ولا يدخل زكاةَ الفطرِ عنده تضييعُ، فإرسالها إليه واجبٌ، وكذلك إنْ لها قومٌ تجمعُ إليهم ويفرّقونها” .
ومما يعزز القول بمشروعية إخراج زكاة الفطر قبل موعدها، ووضعها عند الجهات التي تتولى جمعها وتوزيعها ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” وَكَّلَنِي رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فأتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فأخَذْتُهُ، وقُلتُ: واللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قَالَ: إنِّي مُحْتَاجٌ، وعَلَيَّ عِيَالٌ ولِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عنْه، …..” وقد تكرر فعل السائل ثلاثة أيام، وهو ظاهر في جمع الزكاة قبل موعدها ووضعها عند من يقومون على توزيعها. ونقل ابن رشد نصا لمالك فيه قيام أحد عمال عمر بن عبد العزيز بجمع زكاة الفطر وتوزيعها على مستحقيها، قال فيه: “بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز كتب إليه يخبره أنه اجتمع عنده من زكاة الفطر شيء كثير، وأن ذلك لما رجوا من عدل أمير المؤمنين”، والشاهد من القصة – وإن وقع الخلاف كما ذكر ابن رشد هل هي زكاة مال أم زكاة فطر- مشروعية جمع زكاة الفطر عند القائمين على توزيعها، وهو ما تقوم المراكز الإسلامية في ديار الغرب، ويرجى تشجيع الجمعيات الاجتماعية على فعله بالتنسيق مع المؤسسات الرسمية في وطننا.
إن الأمثلة السابقة تفيد مشروعية قيام الدولة المسلمة بنصب من يتولون جمع زكاة الفطر خاصة وزكاة المال عامة، واختيار الثقات ممن يُشرفون على جمعها وتوزيعها على المستحقين لها. وإنه لو قدرنا عدد سكان المغرب من المسلمين ثلاثين مليون نسمة، يخرج منهم خمسة وعشرون مليون نسمة زكاة الفطر ممن يجدون فضلا عن قوت يومهم، فإن مقدار ما يجمع من الزكاة، لو كان الواجب هو خمسة عشرة درها سيصل إلى 275 ميون درهم، وهو مبلغ محترم يُسهم في تحقيق التكافل بين الناس.
ورأى الباجي أنه لا يُلزم الناس وضعها عند الإمام أو المؤسسات الرسمية، لكن من فعل وسلمها قبل وقتها للمكلفين بها فقد برئت ذمته منها، وهي ليست من الأموال الظاهرة التي يبحث عنها الإمام ويلزم بها من تجب عليه. قَالَ الباجي : ” وَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَدْلًا فَإِرْسَالُهَا إِلَيْهِ أَحَبُّ إلَيَّ ؛ وَذَلِكَ أَنَّ أَهْلَ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ إنَّمَا يَقْصِدُونَ الْإِمَامَ وَيَطْلُبُونَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ بَيْتُ الْمَالِ بِيَدَيْهِ فَإِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَدَفْعُ هَذِهِ الْحُقُوقِ إِلَيْهِ أَوْلَى لِيَضَعَهَا فِي نَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَعْتَرِيهِ مِنْ ضَرُورَاتِهِمْ وَمَوَاضِعِ حَاجَتِهِمْ” .
إن رأي المالكية في المشهور عنهم أفضلية تأخير إخراجها إلى يوم العيد لمن وليها بنفسه ولو يرسلها للجهات التي تقوم على جمعها. قال ابن أبي زيد القيرواني: ” ومَن وَلِيَ إخراجها بنفسه، ولا يعدلُ مَن يليها، فأحسنَ له أَنْ يخرجها قبل أَنْ يخرج على المُصلَّى يوم الفطر، ومَن أخرجها قبله بيسيرٍ، أجزأه عند المصريين من أصحاب مالكٍ لم يُجْزِئُهُ عند عبدِ الملكِ، إلا أنْ يبعث بها إلى مَن تُجتمع عنده” . لكن إعمال قواعد المصلحة والتيسير على الناس يرجح كما سبقت الإشارة جواز أن يخرجها المكلف عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم قبل وقت وجوبها، خاصة إن رأى صعوبة انتظار الوقت المفضل لإخراجها، ولو أرسلها للجهات المكلفة لكان أفضل في اتباع المذهب.
ومن جهة أخرى ونظرا لواقع الحجر الصحي، فإنه يمكن للمسافر العالق في بلد آخر أن يوكل من يخرجها عنه وعن أسرته إن رأى مصلحة أن تخرج هناك لوجود الفقراء، أو أن يخرجها هو عن نفسه وعمن تلزمه نفقتهم ويخبر أسرته بذلك. قال ابن رشد: ” وسئل عن الرجل يغيب عن أهله، أيؤدي زكاة الفطر بموضعه الذي هو به ؟ فقال أما عن نفسه، فأرى أن يؤدي عنها زكاة الفطر – ههنا، لأنه لا يدري أيؤدي عنه أم لا ؟ قيل له فيؤدي عن عياله ؟ قال تشتد عليه النفقة ، فأما أهله فأرى له أن يؤخرهم، فلعلهم أن يكونوا قد أدوا عن أنفسهم ؛ فأما هو فأرى أن يؤدي عن نفسه، لأنه لا يدري لعل أهله لا يؤدون عنه”، ومرد هذا التدقيق من ابن رشد انعدام إمكانية التواصل عن قرب في زمانهم، أما بالنسبة لنا اليوم فإن الإنسان يخرج الزكاة من منزله بوسائل الاتصال الحديثة ويخبر بها أهله وأقاربه.
والله أعلم وأحكم
الدكتور الحسين الموس