الصبر عند الابتلاء
قال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ﴾ [محمد: 31]، وقال : ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾.
فالصبر خُلق من أخلاق النفس الفاضلة، وقوة من قواها التي بها صلاحها، وقوام أمرها في العاجل والآجل. وهو أنواع:
الأول: صبر على ما أمر الله تعالى به من الطاعات مع ما قد يلحق العبد من مشقة بعض العبادات لتكرارها كالصلاة، أو لمشقة بذلها على النفس كالزكاة، أو لكلفة مباشرتها كالصيام، أو إيذاء الناس للشخص بسببها كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو لخطر على البدن أو النفس كالحج والجهاد في سبيل الله.
والثاني: صبر عما نهى الله عنه من المحرمات وأنواع المنكرات وظلم البريات، ونهي النفس عن الهوى والوقوع في الشبهات، كلُّ ذلك من جليل وعظيم العبادات وأسباب وراثة الجنات، قال تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات: 40، 41].
والثالث: الصبر على المصائب المؤلمة والحوادث الموجعة: من مرض أو جوع أو فقد قريب أو فوات حبيب أو خسارة مال، قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾.
الرابع: الصبر على الأهواء المضلة: بالإعراض عن الشبهات، والحذر من دعاة الضلالات، قال تعالى: ﴿ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾ [المائدة: 49] وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 73] وقال تعالى: ﴿ وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا ﴾ [النساء: 140] وقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 68].
والمسلم لا يطلب الابتلاء ولا المرض بل يتعوذ منه، كما تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من البرص والجنون والجذام وسيئ الأسقام، وعليه أن يبذل كافة الأسباب الشرعية والكونية والمادية التي تقيه بإذن الله من الإصابة بهذا الوباء أو ذاك، كما اجتهد عمر رضي الله عنه في عدم دخول الشام لما أصيبت، وكما اجتهد عمرو بن العاص رضي الله عنه في تفرقة الناس في الجبال.. لكنّ المؤمن إذا أصيب فعليه الرضا بقضاء الله وقدره فذلك يُعَدُّ رحمةً له وخيراً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، رواه مسلم.
فإذا حقق المؤمنون التقوى وصبروا، وتابوا، ولجؤوا، وتضرعوا إلى الله، وأكثروا من الاستغفار، وتفاءلوا، وتوكلوا على ربهم، وبذلوا الأسباب الشرعية مع المادية، رفع الله عنهم البلاء والوباء، بل جعله الله رحمةً لهم كما جعل الطاعون رحمة للصحابة رضي الله عنهم، أما إذا ركنوا للماديات وتعلقوا بأسباب البشر فقط، وكلهم الله لما تعلقوا به فـــ “مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْه”.
والرضا هو المنزلة التي تلي الصبر، وإنها لمنزلة عالية يَسعُد صاحبها، فإذا لم يَستطع الإنسان الصبر فلْيَتصبَّر؛ أي: ليتكلف الصبر وليحمِل نفسه على ذلك، وسيبلغه – إن شاء الله – لما رَوى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَن يتصبَّر، يُصبِّرْه الله).
الإصلاح