حسن الإفراني يكتب: خواطر من وحي العمل الاسلامي (1)

“الهدر” التنظيمي

تعاني التنظيمات الإسلامية – كغيرها من التنظيمات الأخرى- من إحدى المعضلات الكبيرة التي تتطلب تدخلا فوريا غير قابل للتأجيل، ويتعلق الأمر بما يمكن أن تنعت بظاهرة الهدر الدعوي الذي يحصل في صفوف أبنائها، ولدى مختلف الأعمار والفئات..

وسنخص هنا بهذه الالتفاتة المقتضبة فئة التلاميذ الحاصلين على شهادة البكالوريا، والذين ينتقلون مباشرة إلى المرحلة الجامعية أو إحدى المعاهد أو المدارس العليا أو مراكز التكوين.

إن هناك فعلا حلقة مفقودة بين مرحلتي التلمذة والطلابية، مما يؤدي إلى فقدان الكثير من الشباب، وهو ما نسميه هنا تجاوزا بالهدر التنظيمي، إنه تسرب يحدث في صفوف المنتمين والمتعاطفين والذي يؤدي ببطء أو بسرعة إلى الابتعاد عنه، ومن ثمة سهولة مغادرته، فقد يغادر الفرد التنظيم ويحافظ على على تدينه، وقد يغادر التنظيم ثم يمسي طعما سائغا وشخصا سائلا يفقد بوصلته.

وتتعدد أسباب حدوث الظاهرة المذكورة سلفا، فقد تكون ذاتية يكون الفرد بموجبها هو من يختار وضعه الجديد بفعل الصحبة الجديدة أو بفعل التحذيرات المجانبة للمعقول من لدن الأبوين أو الأقارب… ونقول بأنه لو لم تكن هناك قابلية للهدر لما استسلم له، باعتباره شخصا بالغا، وقد تكون موضوعية، يتحمل فيها التنظيم كامل المسؤولية، وغالبا ما تكون عملية التسليم الأولى هي مربط الفرس، فإن لم تحدث فتلك طامة كبرى، وإن تمت فإنها تتم في الغالب بطرق غير موفقة. ويمكن إجمال الأمر في صيغتين:

1 – يسلم الفرد عضوا كان أو متعاطفا لفرع منظمة التجديد الطلابي، وتكون هذه العملية ناجحة إذا ما كانت المنظمة قد فكرت قبل بداية التسجيل الجامعي في هاته العملية، وذلك بتكوين لجينة تتولى هذا الأمر، على أن تكون قد وفرت السكن الاجتماعي، وتلقت لائحة إسمية بأرقام هواتفهم للمعنيين، قصد التواصل القبلي معهم ومساعدتهم في عملية الاستقرار.

2 – يسلم الفرد للمكتب الإقليمي للحركة الذي توجد في نطاقه الجغرافي المؤسسة المستقبلة، ويشرف على هذه العملية مسؤول الشباب الجهوي، ويعد الارتباط بالمجلس التربوي الرابط الضروري والأساسي لكل ارتباط تنظيمي.

بكلمة فإن العملية إما أن تتم بالتنسيق مع المنظمة أو مع الفرع الإقليمي للحركة. ولأن البنى التنظيمية تبقى قاحلة ما لم تسقى بالروح الإنسانية، فإن الزيارات المنتظمة لهؤلاء الأفراد من لدن محتضنيهم في العمل التلمذي، وتنظيم ولو ملتقى سنوي لهم في مسقط رؤوسهم بمناسبة عطلة أو عيد، والاحتفاء بمتخرجيهم… كلها أعمال ضرورية للمحافظة على الارتباط التنظيمي.

وعلى أي فإنني لا يمكن أن أحسم في أجدى الصيغتين، وإن كنت أقترح الجمع بينهما، والجمع عند الأصليين أولى من الترجيح، على أساس أن تتولى المنظمة التكوين الفكري والنقابي، وتتولى الحركة التأطير التربوي والتنظيمي، ويبقى أهل مكة أدرى بشعابها.

فكل مكتب تنفيذي جهوي يناقش وضع كل موقع على حدة، ويتخذ طريقة العمل التي يراها مناسبة، إذ المواقع الجامعية تختلف، ومن ثمة يصعب تقديم نفس المقاس لأشخاص مختلفين من حيث البنية الجسدية. لكن عملية تتبع الأفراد يتعين أن يتولاها المكتبين الإقليميين للحركة، أقصد المرسل والمستقبل، ولم لا تكون بمثابة نقطة قارة في جدول أعمال اللقاءات الثلاث لكل المكاتب الإقليمية من كل موسم دعوي، إذ لا يكفي زرع الشجرة، فأنت إن لم تتعهدها بالماء والسماد والتشذيب والمبيدات والتسييج… ذبلت، وتحولت إلى حطب.

خلاصة القول أن هدر وتسرب الأفراد يعد جرحا مؤلما لما تفكر في الجهود البشرية والمالية المبذولة، وإن كان من نافلة القول أن أعمالنا كلها في سبيل الله، لا نريد من غيرنا جزاء ولا شكورا، لكننا نطمح إلى التجدد التنظيمي الذي هو شرط لكل عمل ينشد الاستمرار، لننال الأجر، الذي هو أعز ما يطلب.

ويبقى توظيف الأفراد في العمل بمنحهم مسؤولية ولو كانت هينة سواء في الإقليم المرسل أو المستقبل مدخلا أساسيا لتقوية الارتباط التنظيمي.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى