الأوروبيون والصين وتحولات الشرق الأوسط.. قراءات
يعرف الغرب أجمع والأوروبيون على وجه الخصوص حالة من القلق جراء التنامي المضطرد للدور الصيني في العالم كقوة اقتصادية وحليف استراتيجي للعديد من الدول حول العالم وخصوصا أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك بعد خفوت أو ربما تلاشي الدور الأمريكي عالميا.
ويقول الكاتب المصري، عمرو حمزاوي في مقال له بعنوان بعنوان “كيف يناقش الأوروبيون تحولات الشرق الأوسط؟”: “لأن التغيرات العالمية تتسارع من حولنا وساحات التنافس بين القوى الكبرى صارت تتسع لتشمل الاقتصاد والمال والعلم والتكنولوجيا والسلاح والدبلوماسية في ظل تراجع أمريكي وصعود صيني ومناوئة روسية وتردد أوروبي، لم يعد يوم يمر في مراكز البحث السياسي دون نقاشات جادة وسجالات مثيرة عن حقائق ما يدور”.
ويضيف أن الابتعاد التدريجي للولايات المتحدة عن “حلفائها التقليديين” في الخليج الذين، ولعقود طويلة، حصلوا على ضماناتهم الأمنية وسلاحهم وتكنولوجيا استخراج وتكرير النفط والغاز الطبيعي ووارداتهم الصناعية والتكنولوجية من الأمريكيين، دفع الدول العربية في الخليج إلى البحث عن شراكات، بل وتحالفات بديلة، مع قوى كبرى أخرى كالصين وروسيا. وأسفر ذلك بالتبعية عن الحد من أدوار الأوروبيين الذين اعتادوا الاستفادة من نفوذ القوة العظمى الأمريكية لتطوير علاقات واسعة مع بلدان المنطقة، في مقدمتها إمدادات الطاقة إلى أوروبا وصادرات السلاح منها.
ويوضح الكاتب أن تراجع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ضيق من مساحات حركة الأوروبيين، الذين اعتادوا أن ينشطوا دبلوماسيا وسياسيا حين تنشط حليفتهم أمريكا, فها هم يستسلمون اليوم في صمت لمحدودية الدور الأمريكي في صراعات الشرق الأوسط المشتعلة، ويختفون من مشاهد التفاوض والدبلوماسية بشأن إنهاء حرب غزة، واحتواء التوتر المتصاعد بين إسرائيل ولبنان والمخاطر الأمنية المتعاظمة في جنوب البحر الأحمر والقرن الإفريقي وفي السودان الذي يواجه وضعا إنسانيا كارثيا.
كما لم تسفر مساعيهم فيما يخص الحرب في اليمن والملف النووي الإيراني عن الشيء الكثير في ظل غياب الولايات المتحدة.
ويشير الكاتب نفسه إلى أن الوجه الآخر لعملة اللافاعلية الأمريكية والتراجع الأوروبي، يتجلى في أن الصين صارت الشريك التجاري الأول لبلدان مجلس التعاون الخليجي، وتشعبت علاقات الصين والخليج لتتجاوز إمدادات الطاقة والمنتجات الصناعية إلى التعاون في مجالات تكنولوجيا المعلومات، والاتصالات ومشروعات البنية التحتية والطاقة المتجددة وصادرات السلاح، الأمر الذي يشي بتنامي الدور الصيني فيما يخص السلاح والتعاون العسكري.
ويرى حمزاوي أن الأوروبيين أضحوا يتخوفون كثيرا من تنامي الدور الصيني في الشرق الأوسط، ويفهمونه كخصم مباشر من نفوذ الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي. وللفرنسيين، على سبيل المثال، خبرة سلبية ليست بالقديمة فيما يخص تداعيات حضور الصين في مناطق وأقاليم ذات أهمية استراتيجية. فقد ترتب على تنامي استثمارات وقروض وواردات وتكنولوجيا الصين في غرب إفريقيا إلى طرد فرنسا منها.
ويخلص الكالتب إلى أن الخطير في القراءة الصراعية لدور الصين في الشرق الأوسط من قبل الأوروبيين؛ هو أنهم لا يملكون من أوراق الاقتصاد والتجارة والسياسة والدبلوماسية ما قد يمكنهم من محاصرة العملاق الآسيوي. وأضاف أننا لسنا وحدنا في الشرق الأوسط الذين نناقش التغيرات العالمية المتسارعة من حولنا، فصناع القرار في المؤسسات المدنية والعسكرية، والدبلوماسيون والباحثون في مراكز صناعة الفكر والسياسة في أوروبا، يناقشونها بتفاصيل كثيرة ورؤى متنوعة.
“شقوق عميقة”
و في السياق نفسه، كتب خبير الشؤون الصينية، مايكل شيريدان مقال رأي في صحيفة الإندبندنت الإلكترونية بعنوان “لماذا يكره الرئيس الصيني شي روسيا ويخاف منها سرا – وربما يكون على وشك خيانة بوتين”.
يقول الكاتب لا يمكن للدب والتنين أن يكونا صديقين أبدا؛ هذا درس سمعه شي جين بينغ في سن مبكرة. ويوضح لماذا قد تتحول شراكة الزعيم الصيني “بلا حدود” مع فلاديمير بوتن إلى مسؤولية لا حدود لها – للكرملين.
ويضيف أن وثيقة أمريكية رفعت السرية عنها مؤخرا، كشفت أن الرجل الذي كان معلم شي ومدربه في وظيفته الأولى، في قلب المؤسسة العسكرية الصينية، كان مناهضاً بشدة لروسيا. وقد نصح موظفيه بألا يثقوا في موسكو أبدا.
والوثيقةب- حسب المقال- عبارة عن برقية من البيت الأبيض تفصل كيف أعطى معلم شي، رئيس الدفاع الصيني جينغ بياو، للأميركيين “أكمل رواية تلقيناها حتى الآن عن الانقسام الصيني السوفييتي”.
ويوضح الكالتب أنه على الرغم من تباهي كلا الزعيمين بتحالفهما الذي مضى عليه أكثر من عامين حتى الآن. ورغبة الرجلين في سقوط الديمقراطيات التي يقودها الغرب في الفوضى والاضطراب، إلا أن وراء كل ذلك التقدير المتبادل تكمن شقوق عميقة في التاريخ والعرق والقوة.
وتوضح الوثيقة، أن جينغ أوضح للرئيس الأمريكي جيمي كارتر خلال زيارة إلى البيت الأبيض في 1980، أن صديق الصين الوحيد في الكرملين كان ستالين. ولكن بعد وفاته، طالب السوفييت بالنفوذ على معظم شمال الصين ونشر قوات على الأراضي الصينية. والأسوأ من كل هذا، كما قال جينغ، هو أن الروس أرادوا إبقاء الصين كمستودع فقير ومتخلف للكتلة الاشتراكية، وأنه لا توجد حاجة إلى الصناعات لأن الاتحاد السوفييتي سيزودهم بأي آلات يحتاجون إليها. مضيفا أن بلاده “كانت ستظل دائما مجتمعا زراعيا وستظل إلى الأبد تابعة للاتحاد السوفييتي”.
لكن الصين لم تستمع لما أراده السوفييت ومضت في نهضتها الاقتصادية، وتابع شي، وريث الصين الاقتصادية والعسكرية العملاقة، المهمة عند توليه ووصلت الصين إلى ما وصلت إليه من قوة اقتصادية في عهده.
وعلى الرغم من التحالف الصيني الروسي، إلا ان الصين تعترف رسميا بأوكرانيا كدولة وحكومة زيلينسكي كحاكم شرعي لها. وبحسب الكاتب، فإن التناقض الصارخ لا يمكن أن يستمر لفترة طويلة. كما أن الرئيس شي، يضيف الكاتب، لا يمكن أن يهدر عقودا من الرخاء السلمي بالمقامرة على حرب بوتن.
عن موقع “بي بي سي”عربي