غزوة بدر الكبرى درس لنصرة الأقصى
وقعت غزوة بدر الكبرى في يوم السابع عشر من رمضان من السنة الثانية للهجرة، تلك الغزوة التي كانت خطا فاصلا بين تاريخين، وبين حالين، ما قبل الغزوة وما بعدها؛ حيث كان حدثا غير مجرى التاريخ، وبه تغيرت حال المسلمين من الاستضعاف إلى التمكين، ومن مجرد جماعة معذبة مضطهدة إلى دولة يخشى بأسها، ومن ممارسة الدعوة مع التضييق بلا حماية إلى دعوة تحميها قوة؛ حيث اقترنت قوة البيان مع قوة السنان.
ففي هذه الأيام المباركات من شهر رمضان حيث نصوم في طقس معتدل، وفي أمن و أمان لا تتهددنا حرب ولا اعتِداء نتذكر في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة، حين كان المسلمون صائمين ولكنهم كانوا يقودون حربا ومعركة من أشد المعارك في ظروف استِثنائية بكل المقاييس، خرجوا غير مستعدين لحرب لأنهم كانوا يُريدون استرداد بعض المال الذي ضاع منهم من خلال اعتراض قافلة تجارية لأبي سفيان، خرجوا وهم قلة لا يتجاوزون 314 رجلا، خرجوا بعُدة قليلة، وإذا بهم يُفاجأون بجيش عرمرم، قِوامُه أكثر من ألف رجل عندهم الفُرسان وعندهم الزاد وعندهم الإمكانيات الضخمة، فوجدوا أنفسهم في ذلك اليوم، شديد الحر قليل الماء، وجها لوجه مع معركة فاصلة سيقودونها.
إنه أمر ليس بالهيّن، فقد وقع في فترات متقطعة من تاريخ الإسلام، وقع في معركة الفتح ووقع في معركة عين جالوت، ولعله في معركة الزلاقة أيضا عندنا في المغرب مع الغزاة الإسبان، وها هو يقع اليوم أيضا شيء قريب من هذا لإخواننا من المرابطين على بيت المقدس الذين يدافعون عن مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم، صائمين يخرجون لعمارة المسجد الأقصى وللصلاة فيه فيتعرضون لأبشع العدوان من طرف الصهاينة المعتدين، ولعلهم يخرجون مع العصر أو الظهر ويبقَون هناك إلى ما بعد صلاة التراويح، يظهرون للعالم الكثير من الصبر والتجلد وهو درس كبير بأن هذا الدين يدعو أهله لكي يكونوا أقوياء، ولكي يصبروا ويصابِروا ويعلموا بأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرى.
إن القدس أمانة في أعناقنا جميعا، وعلينا أن نهب لنصرة إخواننا بالدعاء، وهو ما نستطيعه جميعا وأن ندعمهم بالمال من خلال تبرع بيتِ مال القُدس بوطننا، لأن بيت مال القدس يحافظ على الأوقاف المقدسية، ويرمم ما تعرض للسقوط، لا بد لنا في هذا اليوم وهو يوم السابع عشر من رمضان أن نستشعر أحوال إخواننا وأن نحمد الله إذا كنا في أمن وعافية، لكن أن نلتفت إلى تضحيات إخواننا في فلسطين.
ولهذه المعركة الفاصلة التي سماها الله عز وجل بيوم الفرقان دروس كثيرة، فمن دروسِها الكبرى أن نتعلم الالتجاء إلى الله عز وجل وأن نستغيث به وحده كما قال الله عز وجلك “إِذْ تَسْتَغِيْثونَ رَبَّكُمْ فَاستَجَابَ لَكُمُ أَنِّي مُمِدِّكُمْ بِأَلفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدفِينَ”، روى الإمام أحمد في مسنده أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن عمر بن الخطاب أنه قال: (لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم قلّة، وإلى المُشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبَل النبي صلى الله عليه وسلم القِبلة ثم مدَّ يديه وعليه رداؤه وإزاره ثم قال: (اللهم ما وعدتَ لي، اللهم أنجِز ما وعدتَ لي، اللهم إن تُهلِك هذه العِصابة من أهل الإسلام فلا تُعبَد في الأرض أبدا)، قال عمر فمازال يستغِيث ربَّه عز وجل ويدعوه حتى سقط عنه الرِداء، فقام أبو بكر والتزمَه وقال له كفاك إن الله منجزُ لك ما وعدك.
ومن دروس هذه المعركة أن النبي صلى الله عليه وسلم حين جدَّ الجد ورأى أنه لا بد أن يقود معركة ولم يخرُج الصحابَة معولين عليها، قام في أصحابِه خطيبا فقال: أشيروا علي أيها الناس، فتكلمَ المُهاجِرونَ وأحسَنوا حتى أنهم قالوا: (لا نقول لك ما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام إذهب انت وربُّكَ فقاتلَا إنا هنا قاعدون لكن إذهب انت وربُّكَ فقاتلا إنا معكما مقاتلون)، ثم قال أشيروا علي أيها الناس، يريد الأنصار، فقاموا وقام خطيبُهم وقال: (يا رسول الله لقد آويناك وأعطيناك العهود فامضِ لما أراك الله عز وجل) فقال (أبشِرُوا وتوكلُوا على الله)، وهكذا ينبغي أن تشيعَ الشورى بيننا وأن نُعلمها لأبنائنا ولبناتنا لأن الله تعالى جعلَ من صفاتِ المؤمنين أنهم “وأمرُهم شُّورى بينهم”.
ومن دروس هذه المعركة أيضا أن الله تعالى أنزل عقبها صورة الأنفال، وفي مطلع هذه السورة دعوة للمؤمنين لكي يتنبهوا إلى العلاقات التي تربطهم فيما بينهم، وألا يجعلوا الدنيا ومصالحها سببا للصراع وأذى لبعضنا البعض، وألا يشهد بعضنا زورا ضد البعض، ولهذا قال تعالى “يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلِحوا ذات بينكم”.
ولغزوة بدر الكبرى نتائج كثيرة، فقد أصبحت شوكة المسلمين قوية، وأصبحوا مرهوبين بين قبائل الجزيرة العربية كلها، وتعززت مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، وارتفع نجم الإسلام فيها، ولم يعد المتشككون في الدعوة الجديدة والمشركون في المدينة يتجرؤون على إظهار كفرهم، وعداوتهم للإسلام؛ لذا ظهر النفاق، والمكر، والخداع، فأعلنوا إسلامهم ظاهرا أمام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وازدادت ثقة المسلمين بالله تعالى وبرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ودخل عدد كبير من مشركي قريش في الإسلام.