مراسلة أكاديمية جهة الشرق: قرار معزول أم استباق لفرض الأمر الواقع؟
لعل المتتبع للنقاش التعليمي والسياسي الرسمي والمدني الذي رافق مختلف مراحل مشروع القانون الإطار لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، يفهم ويتفهم أن المشروع قد دخل مرحلة كمون في انتظار مزيد من الوضوح حول المغرب الذي نريد من خلال مؤشر لغات التدريس. فدعاة الفَرْنَسة يطمحون لمغرب يعطي الأولوية لفرض اللغة الفرنسية فقط دون اكتراث للصعوبات أو نظر للمآلات، بينما دعاة المَغْرَبة يطمحون لمغرب يعتبر مقوماته الثقافية ولحمته المجتمعية أرضية خصبة ورافعة أساسية نحو التنمية والتقدم والانفتاح الحقيقي على العالم.
لذلك يصعب تفهم أن تنطلق عملية تنزيل بعض المقتضيات الخلافية الواردة في مشروع القانون الإطار دون انتظار المصادقة النهائية للمؤسسات الدستورية المعنية، وكأننا أمام سباق نحو فرض واقع لا يرتفع يستبق القانون ويؤطر نقاشاته ويهيئ الظروف للقبول بتناقضاته مع الدستور إذا تمت المصادقة على تدريس المواد باللغات الأجنبية والتي تؤول حتما في واقعنا المغربي إلى الفَرْنَسة.
إن مراسلة أكاديمية جهة الشرق لمديرياتها الإقليمية، بتاريخ 13 يونيو 2019، من أجل تعميم تدريس الرياضيات والعلوم في سلكي التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي باللغة الفرنسية، يقتضي أكثر من ملاحظة. فهي:
أولا: تزيل أي غبش عن كون الانفتاح والتناوب اللغوي والتحكم في اللغات الذي يثير النقاش في مشروع القانون الإطار يعني بالنسبة للمسؤولين بالقطاع الفرنسية حصريا.
ثانيا: إن عدم المصادقة على القانون الإطار لا تعني دخول لغة التدريس بالتعليم في المغرب منطقة فراغ تشريعي، بل إن الدستور ومختلف مشاريع الإصلاح والقوانين الموجودة تحث على اعتبار اللغة العربية لغة التدريس في مختلف المواد والأسلاك.
ثالثا: إن إلزام الآباء والتلاميذ بتدريس مواد بعينها باللغة الفرنسية في غياب مراجع قانونية موحدة ومعتبرة يجعلهم يخضعون للسلطة التقديرية للأكاديمية ويحرمهم من حقهم في التعلم باللغات الوطنية ومن الحق في الاختيار اللغوي.
رابعا: على المستوى الاستراتيجي فإن نقاش المنظومة ككل وضمنها لغات التدريس يهم حاضر الوطن ومستقبله وموارده البشرية ومقدراته الاقتصادية، وإن إصدار الأكاديمية للمذكرة المشار إليها وسعيها لتنزيلها على أرض الواقع في الموسم الدراسي المقبل، فيه يعني تحيزها المسبق لخيار لا ينسجم مع الثوابت ولا يستند إلى قانون، ولا يحترم اختصاصات البرلمان رغم كونها مؤسسة عمومية يفترض فيها احترام القانون والمؤسسات.
إن المسؤولية السياسية والتاريخية تقتضي تحمل الوزارة الوصية والمؤسسات المشرفة على الأكاديميات لمقتضيات تلك المسؤولية حتى تنسجم مع أدوارها التربوية والتعليمية التي تتماشى مع ما يتم التوافق حوله وطنيا ولا تناقضه. فهل تتحرك الجهات المعنية لرد الأمور إلى نصابها أم سنشهد مرة أخرى استفرادا وفوضى لن تنتج إلا مزيدا من التوتر في قطاع لم يعد يتحمل ذلك؟
الإصلاح