المجلس التربوي: الصناعة الثقيلة أو ثغر الثغور (2)
هل من مبرر لاستمرار تواجد المجلس التربوي؟
هذا سؤال أمسى يطرح لدى البعض، بمن فيهم من ترعرع في أحضانه، وربى فيه أجيالا، وبموجب ذلك نجد ثلاث رؤى تتناقش بخصوص مدى مشروعية استمرار وجوده من عدمه:
التخلص من المجلس التربوي: هذا الرأي يزعم بأن الحركة الإسلامية كانت في لحظة تاريخية، عند البدايات الأولى للتأسيس تحتاج فعلا إليه، وذلك بحكم الضغط الذي كان يمارس على الدين والمتدينين من جهة، وكذا كثرة الفصائل، خصوصا اليسارية، منها التي كانت تزخر بها الساحة، والتي كانت هي الأخرى تعقد لقاءاتها وتتدارس فيها أصول الفكر الماركسي وأعلامه ومفاهيمه واتجاهاته.. وبكلمة واحدة إن فترة التأسيس، أو “الفترة المكية”، كانت بحاجة ماسة إلى تواجدها، وهو الأمر الذي رفع في أيامنا هاته، و”العلة تدور مع الحكم وجودا وعدما” وبالتالي فالشكل الذي كان يلائم تلك الفترة، انتفى مبرر وجوده اليوم، وعليه فمن غير المعقول والواقعي الاستمرار على شيء لم تبق الحاجة إليه، بدعوى انتشار التدين، وتحقيق هامش معين من الحرية، والزخم الكبير من الفضائيات والتسجيلات المرمية في حواسبنا وهواتفنا وفي كل رفة عين، فالمواعظ والدروس… توجد تحت لمسة إبهام واحدة دونما حاجة إلى نقل أو تنقل أو ملاقاة ؛
الداعين إلى الجمود على أشكالها: وهذه الفئة كثيرا ما تلجأ إلى أسلوب المقارنة، فيبدو لها الماضي تليدا ومجيدا، لا يمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولن يصلح حالنا إلا بما صلح به حال المؤسسين، وذلك الشكل هو الكفيل بتخريج النماذج الأولى التي أسست للعمل الإسلامي، فيتعين أن لا ننزاح عنه قيد أنملة، فتدعو إلى الجلوس على الحصير، وشرب ماء الغدير، وأكل خبز الفطير…، واعتماد الطريقة الإلقائية العمودية، ذات الأصول العسكرية: نفذ ولا تسأل! ؛
الداعين إلى التجديد في المجلس التربوي: وهؤلاء حد وسط بين السابقين، فهم يقولون بأهمية وجود المجلس التربوي، لكن مع الدعوة إلى التجديد في الأشكال والوسائل ومدد الانعقاد وفضاءاته… وذلك حتى يساير المستجدات التي يعرفها مجال التربية والتكوين والمقاولة، والاستفادة من نتائج العلوم الإنسانية والاجتماعية في التربية والاجتماع والنفس وتكنولوجيا الإعلام والاتصال…”فمن لا يتجدد يتبدد، ومن لا يتقدم يتقادم، ومن لا يتطور يتدهور”.
هذه هي التوجهات الثلاث نحو مدى جدوى وأهمية المجلس التربوي، ومدى معقولية ومنطقية وواقعية استمراره من عدمه. وسندافع فيما سيأتي عن الفريق الثالث، بما نراه مناسبا من حجاج نقلية وعقلية…
أبو عبد الرحمن