الثروة المائية بالمغرب.. تراجع مقلق وترشيد استعمالها وعقلنته مسؤولية الجميع
يعاني المغرب من إجهاد مائي منذ سنوات غير قليلة بسبب موجة جفاف استثنائية، وقلة التساقطات وانخفاض منسوب السدود بشكل غير مسبوق. وقدر ذلك الإجهاد المائي عام 2019 بنسبة تتراوح بين %25 و %75، ولم تتجاوز الواردات المائية للمغرب سنة 2023 حوالي 1.98 مليار متر مكعب بانخفاض وصل إلى ناقص 85% مقارنة بالمعدل السنوي.
ويحصل الإجهاد المائي عندما يتجاوز الطلب على المياه والموارد المتاحة في منطقة معينة، ويتأكد الضغط والنقص المائي إذا نزل نصيب الفرد سنويا تحت 500 متر مكعب. وتتوقع دراسات تقيمية أن بعض المدن المغربية الكبيرة قد تصل لدرجة الاستنزاف المائي قبل عام 2027، وتتطلب حلولا عاجلة لضمان مورد مائي.
وضعية مائية صعبة
في شهر ماي 2023 قال وزير التجهيز والماء، نزار بركة في تصريحات للصحافة “ينبغي أن نكون واضحين مع المغاربة، الوضعية صعبة” وأضاف “هذه السنة كانت أحسن من السنة الماضية لأن الواردات المائية بلغت 3 مليارات متر مكعب، أي ضعف السنة الماضية، ولكن بحكم أن السدود كانت قد بلغت مستويات ملء ضئيلة جدا، والحرارة المفرطة التي نعيشها اليوم أدت إلى حدوث تبخر كبير، وهناك ضغط كبير على الفرشة المائية، وهذا كله يجعل الوضعية صعب”.
وذكر الوزير أن المجهودات الحكومية والقطاعات المعنية، تعمل على تفادي مشكلة الحاجة للماء الصالح للشرب في البلاد خلال سنة 2027/2028 . وفي هذا السياق يندرج مشروع الربط بين حوض سبو وحوض أبي رقراق، ومشروع محطة تحلية الماء بالدار البيضاء، وقبلها مشروعا لتحلية مياه البحر بشراكة مع المكتب الشريف للفوسفات بالجديدة وآسفي.
ويستدعي هذا الوضع تظافر جهود المعنيين لأجل ترشيد استهلاك واستعمال المياه، وإطلاق حملات توعية واسعة بصعوبة الوضع المائي، وسبل التعامل معه. وتشير أرقام المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، أن متوسط استهلاك المغربي للماء خلال الاستحمام من60 إلى 80 لترا في اليوم، ويستعمل كل شخص من 10 إلى 30 لترا من الماء في غسل الأواني المنزلية يوميا.
وعاد الوزير ليدق ناقوس الخطر مرة أخرى تحت قبة البرلمان قبل أيام، منبها إلى أن وضعية الثروة المائية بالمغرب خطيرة، بعدما تراجع المعدل إلى 7 مليار و 200 مليون متر مكعب في العشر سنوات الأخيرة، موضحا أنه بلغ في السنتين الأخيرتين 3 مليارات متر مكعب فقط، فضلا عن الاستعمال المفرط للفرشة المائية.
الملك يدعو للاستعمال المسؤول للماء
ونظرا للوضع المائي المقلق جدا، كان الملك محمد السادس دعا في خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشرة في أكتوبر 2022 إلى أخذ إشكالية الماء في كل أبعادها بالجدية اللازمة، وخاصة القطع مع كل أشكال التبذير والاستغلال العشوائي وغير المسؤول لهذه المادة الحيوية.
وقال الملك إن “الحالة الراهنة للموارد المائية، تسائلنا جميعا، حكومة ومؤسسات ومواطنين وتقتضي منا التحلي بالصراحة والمسؤولية في التعامل معها، ومعالجة نقط الضعف، التي تعاني منها”، منبها إلى حاجة الجميع لـمضاعفة الجهود من أجل استعمال مسؤول وعقلاني للماء، وإحداث تغيير حقيقي في سلوكنا تجاه الماء، وأن تكون الإدارات والمصالح العمومية قدوة في هذا المجال.
إجراءات لتفادي أزمة مائية
أمام هذا الوضع الصعب المنذر بأزمة مائية، راسلت وزارة الداخلية يوم 27 دجنبر 2023 الولاة والعمال و السلطات المحلية، وطالبتهم بتنفيذ إجراءات صارمة تهدف لمواجهة الإجهاد المائي بعد التراجع الكبير في احتياطات المياه، وذلك بترشيد استغلال الموارد الطبيعية من المياه.
وطالبت الوزارة من الولاة والعمال عقد اجتماعات في الأسبوع الأول من كل شهر مع المسؤولين المعنيين وضبط خريطة استهلاك المياه، وتحديثها بشكل دوري لمعرفة المناطق الأكثر استهلاكا للمياه بناء على المعدل اليومي المستهلك.
وتضمنت المراسلة عددا من الإجراءات التي من شأنها تفادي التسربات في خطوط الأنابيب، ومحاربة الغش في استغلال الموارد المائية، مركزة في الوقت نفسه على أهمية الإجراءات التحسيسية لترشيد استهلاك المياه بإشراك المجتمع المدني.
ومن بين الإجراءات المهمة المتضمنة في المراسلة؛ حظر سقي المساحات الخضراء والحدائق العامة، وحظر ملء حمامات السباحة العامة والخاصة أكثر من مرة في السنة، أوتنظيف الأماكن العامة والطرق باستعمال المياه، وضرورة التشاور مع وزارة الفلاحة في سقي المحاصيل المائية.