العلامة الريسوني: يجب مراجعة مدونة الأسرة وتعديلها بعقلية البحث عن العدل وإحقاق الحق
اعتبر العلامة المقاصدي أحمد الريسوني أن الحرب على مدونة الأسرة بدأت بمجرد اعتماها ووضعها موضع التنفيذ، وتمت المطالبة بتعديلها وإصلاحها، دون أن يتم تقييم موضوعي شامل لها، مع أن العقل والحكمة تقتضي أن ننتظر ونراقب ونفصح ونقيم ماذا أعطت المدونة وما الذي لم تعطه وما ينقصها وما هو المختل فيها.
وقال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا في مداخلة افتتاحية للندوة العلمية التي نظمها مركز القرويين للدراسات والبحوث بمدينة فاس يوم الأحد 05 نونبر 2023، حول “مدونة الأسرة المغربية بين تحصين الثوابت والرؤية التجديدية”، إنه لم يجد في غضون 20 سنة الماضية، تقييما علميا من جهة علمية للمدونة الحالية ولا لتعديلات سابقة، وبالتالي فهناك من يريد أن ينقض على المدونة ويعدل فيها ويغير فقط، في حين أن المراجعة والقراءة وإعادة النظر تقتضي أن ننظر في التعديلات السابقة.
وأضاف الدكتور الريسوني، أنه لم يتم فحص الاختلالات والأعطاب التي يعرفها المجتمع المغربي والأسرة بكل مكوناتها، هل هي بسبب المدونة أم لأسباب أخرى؟ ولم ننظر إن كانت تلك الاختلالات تأتي من داخل المدونة ومن نصوصها القانونية أو من التنفيذ وعدمه؟ معتبرا أن هناك فرصة للمواكبة بين ما يجري الآن بالنظر في المدونة والاستماع إلى التعديلات المقترحة وما بين المدونة الحالية، التي يراد تغييرها وما مدى مسؤوليتها وما الذي نجحت فيه وما الذي أخفقت فيه.
وأكد المتحدث، أنه لا إشكال في أن تخضع نصوص مدونة الأسرة للمراجعة والتعديل إذا لزم الأمر ، فهي تتضمن مواد وأحكام متعددة قانونية وأخرى شرعية، وأكثر هذه الأحكام؛ أحكام اجتهادية يجوز النظر وإعادة النظر فيها لتجدد العلم وأدوات البحث ووسائله، ولتجدد طبيعة الأفعال والتصرفات وما يحيط بها من ملابسات، فتغير السلوك البشري يغير مناط الحكم، واصفا نسبة كبيرة من الأحكام في المدونة بأنها تنظيمية شكلية.
وأكد العلامة أن النوازل تحتاج إلى فتاوى، وأن المجلس العلمي الأعلى من يصدر فتاوى بخصوصها من طرف علماء وفقهاء، وليس من جمعيات ووزير العدل ومنظمات نسائية، موضحا أن هذه الاجتهادات والفتاوى يجب أن تسبق هاته المراجعات والتعديلات، وألا تكون متأثرة لا بمنظمات حقوقية أو مواثيق دولية، مع ضرورة الالتزام بالقاعدة الأصولية “لا اجتهاد مع النص”، مبرزا في الوقت نفسه أن المقصود بالنص هنا هو المعنى الأصولي الخاص، الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا، “وهو الذي يقول عنه الأصوليون: هذا نص في المسألة”.
واعتبر المتحدث أن الهدف من التشريعات، ومن وضع مدونة الأسرة ومراجعتها وتتميمها هو إحقاق الحق وإقامة العدل، وإقامة التوازن في الحقوق ورفع المظالم والضرر عن الناس ما أمكن ذلك، مشيرا إلى أن هناك من يتعامل مع مدونة الأسرة بصفة خاصة على أساس أنها حلبة للتدافع وتسجيل الإصابات وجني المكتسبات لتيار أو حزب أو مذهب، معلقا على ذلك بقوله ” وهذا فساد كبير بل يجب مراجعتها وقراءتها وتعديلها بعقلية البحث عن العدل وما يُحق الحق” موضحا أن الأمر يحتاج للانسجام والتكامل وطريقه واحد هو الاعتماد على الشريعة الإسلامية والمذهب المالكي ومن خلالهما يتم الاجتهاد.
وأبرز العلامة الريسوني أن من أهم مكتسبات المدونة؛ اسمها الذي تغير من الأحوال الشخصية وهو مصطلح غربي إلى مدونة الأسرة وهو مصطلح إسلامي اجتماعي، لأنها أحوال عائلية اجتماعية أسرية ومؤسساتية، ترعى وتثبت ما فيه مصلحة الأسرة، وفي ثنايا ذلك حقوق المرأة وحقوق الرجل والأولاد والأقارب جميعا، على اعتبار أن الأسرة مؤسسة تربوية تعليمية اجتماعية، ولازالت البشرية في معظمها تؤمن بالأسرة وتماسكها.
وختم العلامة مداخلته بالتأكيد على أن مدونة الأسرة ستوج لها السهام حتى بعد تعديلها، وستبدأ المطالبات بالتعديل مرة أخرى لما بقي فيها أثر من الإسلام والفطرة ولمكانة الأسرة، وسيظل هناك أعداء للأسرة لا يقر لهم قرار حتى تنته الأسرة وندخل في عالم الفردانية والشهوانية.
موقع الإصلاح