ذ محمد يتيم يكتب: المقاومة الثقافية في عصر الهيمنة الصهيونية على الإعلام
مقاومة الاحتلال بكافة أشكالها بما في ذلك المقاومة المسلحة، ممارسة مشروعة بمنطق الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، غير أننا نتابع خلال هذه الأيام محاولات حثيثة وخاصة من قبل بعض القوى الدولية المساندة للكيان الصهيوني، والمخترقة من قبل لوبياته محاولات حثبتة لقلب الحقائق، وتزوير الوعي ووضع المجرم في وضع الضحية المعتدى عليه ، واعتبار الحق المشروع في الدفاع عن النفس والتصدي للعدوان “إرهابا “، في سعي للتضليل وقلب الحقائق واختراق الوعي العربي والإسلامي ، مما يجعل من التصدي لعمليات التضليل تلك إحدى واجهات المقاومة. ومن هنا تأتي أهمية المقاومة الثقافية وإيلاؤها ما تستحق من جهود التحرر الوطني، وإنهاء كل أشكال التبعية والاستعمار.
المقاومة على الجبهة الثقافية من أولى الأولويات
ونقصد بالمقاومة الثقافية التصدي لمحاولات التضليل، وقلب الحقائق وتحويل الحق إلي باطل والباطل إلى حق ، وتحويل الدفاع المشروع عن النفس إلى إرهاب ، وتحويل الإرهاب إلى فعل متحضر في مواجهة ” الهمجية المتعطشة للدم ، كل ذلك في سعي لخلق هزيمة نفسية لدى الشعوب المضطهدة والمظلومة وتحييد أكير عناثر قوتها أي قوتها المعنوية المستمدة من إيمانها بشرعية نضالها في مقاومة العدوان سواء بمعايير الأرض أو بمعايير السماء.
المقاومة الثقافية في عصر الرقمية
وتتأكد أولوية المقاومة الثقافية في عصر هيمنة الغرب وسيطرته على الصناعة الثقافية والتكنولوجيات الرقمية ، والقدرة من خلالها على التأثير في الرأي العام، وصناعة الصورة في مقابل ضعف حضور الأمة في مجال التدافع في هذا المجال ليس فقط على مستوى امتلاك التكنولوجيات الرقمية، ولكن أيضا على مستوى القدرة على صناعة محتويات رقمية مؤثرة ومساهمة في معالجة الصورة المتضررة للأمة أو على مستوى إنتاجها.
موقع الأمة في مجال التدافع الرقمي
وبنظرة سريعة مشخصة لواقع أمتنا في علاقتها بعصر الرقمية يمكن الجزم أننا لا زلنا مجرد أرقام تزيد في حجم مداخيل المسيطرين على هذا المجال ومنصاته العابرة للثقافات، حيث أنه كلما ازداد تصفحنا وعدد نقراتنا وتكاثر وتضخم جمجماتنا وتقاسمنا لمحتويات منصاتهم الرقمية المهيمنة ؛ كلما أسهمنا في تعزيز القابلية للاختراق.. فنحن اليوم لا نعدو أن نكون مجرد أرقام عند “مارك”.
نحن نعيش وهما مفاده أننا مؤثرون أو أن فينا مؤثرين، ولا بأس بالنسبة للسيد مارك ونظرائه أن نعيش على هذا الوهم وعلى وهم مرتبط به وهو وهم حرية التعبير، مارك وفلسفته وأمثاله ممن أوقعونا في شباكهم عند ما مكنونا من فضاءات رقمية، هي أن نتوهم أننا نمتلك حرية في التعبير، و قدرة على التأثير من خلال منصات رقمية متحيزة ومتحكم فيها من الأصل.
والواقع أنه وعلى عكس الوهم السائد بكون الفضاء الرقمي فضاء للحرية؛ فإنه فضاء متحكم فيه وأكثر خضوعا للرقابة من الوسائط الإعلامية التقليدية لكون الرقابة فيه لم تعد رقابة بوليسية بل رقابة آلية، فهذا لفضاء فيه هو الآخر خطوط حمراء لا يمكن السماح باختراقها … خطوط ناعمة على خلاف النمط التقليدي من الرقابة التي كانت تصادر الصحف في المطابع أو من الأكشاك إن لم تكن قد طالها نفس الرقيب قبل التوزيع.
ممنوعات منصات التواصل الاجتماعي وانحيازها الواضح
وعلى عكس الإقبال عل منصات التواصل الاجتماعي عند بداية انتشارها في عالمنا العربي بالتزامن مع أحداث الربيع العربي، حيث كانت أداة للتعبئة على لزوم الساحات ورفض المفاوضات والمساومات خلال “الربيع العربي”، يتأكد اليوم أكثر أن تلك الوسائط ومنصاتها هي أكثر محافظة وتضييقا على حرية التعبير ولكن بطرق ناعمة، وهو ما يتأكد في انحيازها ضد حراك الأمة وأصطفافها في الصف المعادي للنضال الفلسطيني في المعركة الأخيرة معركة “سيف القدس”، شأنها شأن الإعلام الغربي السمعي والبصري والمكتوب فقد اتسعت دائرة المقدسات فيها ودائرة الممنوعات والخطوط الحمراء.
أما دائرة المقدسات فهي الروايات والسرديات الصهيونية التي تتبناها وتروح لها تلك المنصات ومن يصدر عن تلك الرواية في أوساط الغرب دون تحفظ، من منطلق أن الكيان الصهيوني خط أحمر ومقاومته عنف ومعاداة للسامية …. وأن الرواية الصهيونية و دعايتها السوداء حق لا يجوز التشكيك فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه أو خلفه… والتشكيك فيها هو معاداة للسامية قد يعرض للمتابعة والمحاسبة…. وهو ما ينطبق على الإعلام الغربي السمعي والبصري والمكتوب والإعلام الرقمي والمنصات الرقمية الأكثر انشارا في العالم … أما دائرة الممنوعات فتشمل نشر صور الممارسات الإرهابية الصهيونية ومشاهد الإبادة الجماعية ، ونشر استهداف المدنيين العزل خلافا للمواثيق الدولية.
لقد أصبح فضح جرائم الكيان الصهيوني معاداة للسامية .. وصار نشر صور الأشلاء والجثت المدفونة تحت الركام الناتجة عن الغارات الصهيونية المجنونة -التي تستخدم أحدث القنابل لدك العمارات والمنازل وتسويتها بالأرض- وترويجه لبيان حقيقة الإجرام الصهيوني ..صار ذلك مساسا بالشعور العام ، وبتعارض مع السياسات المعتمدة من قبل تلك المنصات، و معرضا للمنع بطريقة أتوماتيكية من خلال خوازيزميات ” ذكية ” !! تحجب المضمون تلقائيا ، وتضيق على التفاعل وعلى نشر وتقاسم تلك الصور وأخبار المقاومة أو مضامين مؤثرة في الشعور والوعي العام تكشف فضائح العدوان الصهيوني….بل جريمة ومعاداة للسامية ودعشنة حين تجرؤ على استنكار حرب الإبادة التي يشنها الكيان الصهيوني الغاشم.
بناء على ذلك يمكن أن نستخلص ما يلي :
1- المعركة الثقافية والإعلامية اليوم من بين أهم الأولويات، وجزء لا يتجزأ من المقاومة.
2- الحاجة لبلورة استراتيجية للمقاومة الثقافية في مواجهة الاختراق والاحتلال الثقافي هي من أولى الأولويات.
3- من بين عناصر تلك الاستراتيجية، ومن أولوياتها إحداث منصات تواصلية رقنية اجتماعية مستقلة.
4- في انتظار ذلك بلورة صيغ مناسبة للإفلات من الرقابة التي تمارسها بعض المنصات الكبرى وتعمي ثقافة التدوين المقاوم .
5- إيجاد صيغ لتوسيع نطاق النشر والتفاعل من خلال المنصات الموجودة اليوم غير الخاضعة للدعاية الصهيونية.
6- صياغة مفردات موجهة لعناصر الخطاب الإعلامي والتواصلي المقاوم مع تكييفه مع المستهدفين ، فإن الخطاب الموجه للشعوب العربية والإسلامية ليس هو الخطاب الذي قد يلائم مخاطبة الرأي العام العالمي في المجتمعات غير العربية والإسلامية ، وخاصة الرأي العام الغربي الواقع تحت تأثير الدعاية الصيونية.
إن الخطاب الذي يتعين توجيهه لأهل القضية المؤمنين بها ليس هو الخطاب الذي يتعين توجيهه لغيرهم .. والخطاب الذي يصلح للرأي الإعلامي المسلم ليس هو الخطاب الذي يصلح للرأي العام داخل الكيان الصهيوني. ونفس الشيء بالنسبة الرأي العام الغربي عموما مع كل التفاصيل والخصوصيات التي يتعين مراعاتها في كل حالة.
ألم يراع هذا حتى في دعوات الأنبياء حين قال تعالى ” وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ” وقوله صلى الله عليه وسلم “ما من الأنبياء من نبيٍّ ، إلا و قد أُعطَى من الآيات ما مِثلُه آمنَ عليه البشرُ، و إنما كان الذي أُوتيتُه وحيًا أوحاه اللهُ إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرَهم تابعًا يومَ القيامة”.