قيام العشر الأواخر من رمضان وتحري ليلة القدر
كانت صلاة قيام الليل منهج النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، وكانوا أشد حرصاً عليها في العشر الأواخر من رمضان حيث يجتهدوا فيها رغبة منهم في موافقة الليلة العظيمة التي تحتويها، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (مَن قامَ رمضانَ إيمانًا واحتِسابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ، ومَن قامَ ليلةَ القَدرِ إيمانًا واحتِسابًا، غُفِرَ لَهُ ما تقدَّمَ من ذنبِهِ) ، وقد رُويَ أنّه كان صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر الأواخر من رمضان شدّ مِئزره، واعتكف للعبادة وإحياء الليل، وأيقظ أهله ليتعبّدوا ويقوموا ليلهم.
يبدأ وقت قيام الليل بعد الانتهاء من صلاة العشاء وحتى طلوع الفجر، ويعد أفضل وقت لصلاة قيام الليل هي الثلث الأخير من الليل، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قال: (أَحَبُّ الصيامِ إلى اللهِ صيامُ داودَ : كان يصومُ يومًا ويُفْطِرُ يومًا، وأَحَبُّ الصلاةِ إلى اللهِ صلاةُ داودَ: كان ينامُ نصفَ الليلِ ويقومُ ثُلُثَهُ، وينامُ سُدُسَهُ).
فالليل محراب العابدين، ومثوى الساجدين، وروضة المخبتين، يناجون ربهم بكلامه، ويسألونه من عطائه، ويُعَفِّرون جباههم بِذُلِّ التوبة وعِزُّ العبودية لله رب العالمين، ويَحْنون رؤوسهم لقهَّار السماوات والأرض، وملك الملوك، دموعهم تبتل منها لحاهم، وأيديهم ضارعة، وقلوبهم واجفة، ونفوسهم مولعة، يرجون الله ويخافونه.
ولقد أجمع العلماء على فضائل عديدة لصلاة قيام الليل ومنها:
أنه سبب من أسباب رحمة الله تعالى، وسبب من أسباب دخول الجنة وهي علامة من علامات الصالحين، حيث أن المسلم يترك نومه وراحته من أجل إرضاء الله عز وجل، وهي مغفرة للذنوب وإضاءة وإشراقة للقلب، وكما قال الإمام الشافعي بأن سهام الليل لا تخطئ بمعنى بأن صلاة قيام الليل لها فضائل عظيمة في إجابة الدعوات.
وقد ذهب ابن تيمية وجمهور من العلماء إلى أن هذه الليالي الأخيرة من رمضان هي أفضل من ليالي عشر ذي الحجة، رغم ما في عشر ذي الحجة من الأيام الفاضلة: كيوم التروية ويوم عرفة وسواهما، وليلة القدر التي فيها العشر الأواخر من رمضان حظ الأمة الإسلامية فيها أوفر من حظِّهم في ليلة الإسراء والمعراج؛ لأن ليلة الإسراء والمعراج مكرمة ومعجزة للنبي – صلى الله عليه وسلم – وليلة القدر مكرمة للنبي – صلى الله عليه وسلم – ولأمته من بعده.
إن ليلة القدر ليلة عتق ومباهاة ، وخدم ومناجاة ، وقربة ومصافاة، عند ابن ماجة ( قال في صحيح الترغيب و الترهيب : حسن ) ( إن هذا الشهر قد حضركم فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرمها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم )، إنها ليلة القدر التي كان رسولنا يحث الصحابة على التماسها حثا شديدا .
إن إدراك ليلة القدر لهو أمر سهل – على من سهل الله عليه – وما ذاك إلا بأن نقوم العشر الأواخر كلها و بهذا نضمن إدراك ليلة القدر بإذن الله .
الإصلاح