من شروط إجابة الدعاء – علي طاهري جوطي
إن سر إجابة الدعاء يكمن في تحري أكل الحلال، ثم بالخضوع والخشوع والحضور باللسان والوجدان والقلب لأنك تدعو المعطي سبحانه وتعالى:
” وَاذكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ” سورة الأعراف آية 205.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإِجَابَةِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ”رواه الترمذي وأحمد.
وقد يكون معنى غافل بمعنى غير موقن- يشرك إرادته مع إرادة الله عز وجل رغم أن الدعاء من الإنسان- واليقين يأتي بحمد الله عز وجل وشكره على النعم المحسوس منها والمعنوي والروحي، لأن السعادة الحقيقية في طمأنينة النفس، وإحساسها برضى الله عز وجل.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ. (رواه مسلم)، لأنه راض بقضاء الله وقدره وشاكر له على ما قسمه الله له.
كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إني لا أحمل هم الإجابة، وإنما أحمل هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه”. أظن أن الشرط الأساس لمن يرجو الاستجابة، هو الشعور و الإحساس العميق بالافتقار الشامل والتخلي من الحول والقوة المنسوبة إلى الذات ، ونسبتها إلى الخالق الصمد عز وجل.
القاعدة العامة هي أن الله يستجيب لمن دعاه، ولهذا على الداعي أن يستجيب أولا لله إذا دعاه سبحانه وأن لا يتأخر :
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ”سورة الأنفال آية 24.
وتكون الإستجابة من الله عز وجل للجميع، نعم للجميع في حال الإخلاص والتضرع إليه عز وجل:
“هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ”سورة يونس آية 22.
ليس هنالك تخصيص للمسلمين أو المؤمنين،
” وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (32)”سورة لقمان.
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)”سورة العنكبوت.
يستجيب المولى للجميع في حال (أو موقف ) الإخلاص حتى لا يكون لهم على الله حجة يوم القيامة أنه هو أيضا دعاهم للإيمان والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون.
عنصر آخر يعين على الاستجابة، شكر الله المنعم في السراء والضراء، لأن مع الشكر تكون الزيادة ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ “سورة إبراهيم آية 14.
فهل نحن إذا رفعنا أكفنا ندعو الله عز وجل ونسأله تمتلئ قلوبنا يقينا بقرب الله وإجابته، أم نحن ندعو الله سبحانه باعتباره سلوكا مطلوبا فقط(غلبت عليه العادة على العبادة)، لا أنه أعظم الوسائل فعلا لتحقيق المطلوب؟ وهل وفينا شروط الإستجابة في الكسب والمأكل؟
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه، قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: (اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، الْقَبْرِ اللهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا) رواه مسلم.
وعن معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنه قال: (لو عرفتم اللهَ حقَّ معرفتِه لمشيتم على البحورِ ولزالت بدعائِكم الجبالُ). رواه العراقي في تخريج الإحياء وقال ضعيف.
نسأل الله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة والحمد لله رب العالمين.
محمد علي طاهري جوطي