التسول عنوان إفلاس سياسات عمومية ومجتمع – محمد الزايدي
استوقفتني عبارة “مجتمع عدنا ولا كلو سعاي “، قالتها إحدى الفاعلات في المجتمع المدني المحلي للمدينة التي أعيش بها، وتأكد الأمر لي أكثر مع ظهور جحافل من المتسولين تجدهم أينما وليت وجهك؛ أمام المساجد وفي الأسواق؛ عند توقفك في إشارات الضوئية…، والخطير ليس هؤلاء فقط بل تجدهم اصطحبوا أطفالا ليمتهنو نفس الحرفة، وحتى لا نعمم من بينهم من يستحق الإعانة والمساعدة، ولكن عدد منهم اتخذوها مهنة له وهو موضوع هذا المقال.
الظرفية الاقتصادية كسبب في تزايد الظاهرة
كما يعرف الجميع ففي السنوات الأخيرة، وبحكم الوضعية الوبائية التي عرفها العالم والمغرب فقد مجموع من الأشخاص وظائفهم، وأصبحت أسر دون مورد للدخل، ومن الأسباب هناك توالي سنوات الجفاف لكون الاقتصاد الوطني يعتمد على الفلاحة والقطاع الفلاحي من أكبر مشغلين لليد العاملة، نجد كذلك الارتفاع في الأسعار مما نتج عنه أن بعض الفئات في المجتمع لم تعد قادرة على تغطية مصاريف الأسرة وهذا ما نلاحظه أنك تجد رجل مقهور في شارع يتسول لكسوة أبنائه في العيد، ومن لا يجد ثمن الأضحية مثلا..
العامل التريوي والثقافي
إن ضعف الوازع الديني لهذه الفئة الذين امتهنوا هذه الحرفة، لم يستحضروا قوله تعالى:” لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا”ّ[البقرة: 273]، ولا تنبه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: (ما يزال الرجل يسأل الناس، حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزْعة (قطعة) لحم)؛ (البخاري حديث: 1474/ مسلم حديث: 1040).
بل أكثر من ذلك، فالمورث الثقافي لشعب المغربي يستهجن هذا السلوك ويرفضه وتجد هذا في الأمثلة الشعبية “جوعي في كرشي أوعنايتي في فراسي”، لذا فالشخص الذي يقبل بهذه المهنة يمارسها بعيدا عن أنظار من يعرفونه فتجدوه يغير المدينة حتى لا يُعرف.
أفكار أولية من أجل إيجاد التخفيف من الظاهرة
إذا كان نموذج الحالي لتنمية أنتج لنا هذه المظاهر فينبغي تطويره وتحسنه، وهذا ما نأمله من النموذج التنموي الجديد، فالسياسات التي تكلف خزينة الدولة مبالغ باهظة ولكن لا تجد لها وقع على المواطن البسيط ينبغي تجنبها أو التقليل منها، وجعل المواطن هدف ومحور كل سياسة عمومية، ثم على السلطات المعنية حصر من هم في وضعية الحاجة واستهدافهم، ومن الأفضل أن يكون بتمويل لأحد المشاريع المدرة للدخل أو تلقينهم حرفة، أو البحث لهم عن عمل حتى يخرجوا من دائرة الفقر لا تكريس منطق السعاية لديهم بانتظار دعم كل شهر أو مناسبة…
إخراج صندوق الزكاة للوجود مع وضع آليات الشفافية للاستفادة منه، وليعلم من يقوم بأداء هذا الركن من أركان الإسلام أن صدقته وصلت لمن يستحقها وهذا الشخص بدل إعطاء المال للمتسول أمام المسجد أو غيره يعطيها للصندوق الذي يقوم بدوره الإنمائي، وبهذا لا تكون الزكاة هي تنمية لمال المتبرع فقط بل تصبح كذلك فرصة لتنمية المستفيد منها أيضا.
وعلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية غرس قيم العمل والاجتهاد، كما في حديث الرسول الكريم :(لأن يأخذَ أحدكم حَبْلَه، فيأتيَ بحُزمة الحطب على ظهره، فيبيعَها، فيكُفَّ اللهُ بها وجهه: خيرٌ له من أن يسألَ الناس، أعطَوْه أو منعوه)؛ (البخاري حديث 1471)، ولكن للأسف ما يلاحظ أن النموذج الذي تبشر به وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي هو الأرباح الخيالية بدون جهد.
كما على المجتمع المدني أن يسهم في هذا الأمر، فبدل الدعم المباشر يجعله مشروط بتقديم خدمة كمثال: لدينا مبلغ من المال سنوزعه وحصرنا المستفيدين ننسق مع مؤسسة للرعاية الاجتماعية وهؤلاء يقومون بتنظيف تلك المؤسسة ومن تستطيع الطهي تطبخ، من له مهارة يفيد بها، أو تنظيف وتزيين الحي الذي يسكنوا به هؤلاء المستفيدون، أو التنسيق مع المؤسسة التعليمية القريبة منهم وتنظيف المراحيض والساحات وأي شيء ممكن أن تكون المؤسسة تحتاجه وغيرها.. وبهذا يكون الكل رابح المحتاج والمجتمع.