ذكرى الإسراء والمعراج
خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطائف بعدما اشتد عليه أذى قريش، وأمعنوا في التضييق عليه يطلب من زعمائها نصرة الحق الذي يدعو إليه وحمايته حتى يبلغ دين الله، فما كان جوابهم إلا أن ردوه أقبح رد، ولم يكتفوا بذلك بل أرسلوا إلى قريش رسولا يخبرهم بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فتجهمت له قريش، وأضمرت له الشر.
لم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم دخول مكة إلا في جوار رجل كافر، فزادت حزنه وهمه؛ حتى سمي ذلك العام بـعام الحزن، وبعد هذا كله حصلت معجزة اللهِ لرسوله وهي الإسراء والمعراج للتخفيف عنهصلى الله عليه وسلم بعد حزنه في العام الذي قبله من وفاة عمه وزوجته، وتثبيتا له للصبر على ظلم قومه وجحودهم، وكذلك لبيان منزلته صلى الله عليه وسلم العظيمة وتفضيله بآخر الرسالات.
وأراد الله عز وجل، أن يتيح لرسوله صلى الله عليه وسلم فرصة الاطلاع على المظاهر الكبرى لقدرته؛ حتى يملأ قلبه ثقة فيه واستنادا إليه؛ ويزداد قوة في مهاجمة سلطان الكفار القائم في الأرض، فأطلعه على آيات كبرى توطئة للهجرة ولأعظم مواجهة على مدى التاريخ للكفر، فرآى صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة آيات كثيرة؛ منها الذهاب إلى بيت المقدس، والعروج إلى السماء، ورؤية الأنبياء، والمرسلين، والملائكة، والسموات، والجنة، والنار، ونماذج من النعيم والعذاب.
وقد ذكر الله الإسراء بنبيه صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس، فقال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
وذكر المعراج في قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ [النجم: 13 – 18].
وقد فرضت الصلاة على المسلمين كما ورد في الحديث الصحيح -الذي يتحدث عن رحلة النبي صلى الله عليه وسلم- في السماء السابعة. وبعدما كان عددها خمسين صلاة أصبحت خمس صلوات فقط بأجر خمسين صلاة بفضل رحمة الله وشعافة نبيه وطلبه التخفيف على أمته، وقد ورد أن أول صلاة صلاها النبي صلى الله عليه وسلم، كانت صلاة الظهر.
وحصلت حادثة الإسراء والمعراج قبل هجرته عليه السلام بسنة وفق ما ذكر القاضي عياض في الشفا، في 27 من شهر رجب كما هو مرجح عند جمهور العلماء، ولـما رجع من رحلته أخبر قومه بذلك، فقالوا: يا محمد صِف لنا بيت المقدس، قال: “دخلت ليلا، وخرجت منه ليلا”، فأتاه جبريل بصورته في جناحه، فجعل يقول: “باب منه كذا، في موضع كذا، وباب منه كذا، في موضع كذا”.
وشكّلت رحلة الإسراء والمعراج اختبارا وتمحيصا للمسلمين، فطبيعة الرحلة وما تضمنتـه من أمور خارقة كشفت حقيقة إيمان بعض ضعفاء النفوس، وهـذه سُنة الله تعالى مع كل من آمن، ليمـيز الصادقين من غيرهم.