أوس رمّال: نرحب بتعديل مدونة الأسرة من داخل المنظومة الشرعية ومن طرف علماء متخصصين
جدّد الدكتور أوس رمّال رئيس حركة التوحيد والإصلاح ترحيبه بكل ما يمكن أن يكون فيه تجديد بما فيه مدونة الأسرة باعتبار الحركة؛ حركة توحيد وإصلاح وتجديد. مشترطا أن يكون الحسم في التعديلات التي ستدخل عليها، من داخل المنظومة الشرعية ومن طرف علماء الشّرع المتخصّصين.
وقال رئيس الحركة في الجزء الثاني من حواره مع موقع “تيل كيل عربي”: “المغرب بالمناسبة، لا يتشدد في مثل هذه القضايا؛ إذ أنه في تعديلات المدونة السابقة، ولو أن مذهبه الرسمي هو المذهب المالكي، فقد أخذ من المذاهب الأخرى التي وجد أئمتها وعلماؤها طريقا إلى إباحة بعض الأشياء..شخصيّا أنتمي إلى مدرسة “تيسير الفقه”.. لا أكتفي بالرد عليه بالجواب الجاهز “حرام” أو “حلال”، بل أدرس الأمر، فإذا وجدت لي وأنا وجدت له طريقا إلى الإباحة دون تكلف ولا تنطع، آخذ به”.
وأشار أوس رمال إلى أن الحركة كانت قد تحفظت على بعض الأمور التي تم الأخذ فيها بمذهب غير المذهب المالكي؛ كعدم اشتراط الولاية الشرعية في الزواج مثلا. وهذا الأمر لم ترفضه من الناحية الشرعية ولا من موقع الإفتاء، بل لما قدرت أنه سيجلبه من مآس على الفتيات اللواتي يخترن الزواج من غير موافقة ولي شرعي، وقد جلب هذا كثيرا من المآسي بالفعل على عدد من الفتيات.
وعن رأيه في مشكل محاربة التعدّد، أوضح رئيس الحركة أن المنهجية المعتمدة فيها نابعة من منطق منع وتجريم المباح شرعا، وهذا يدفع الرجل المضطر إلى التعدد، إما إلى الفساد والخيانة الزوجية، إذا لم يكن لديه أي رادع ديني، وإما إلى الزواج السّرّي، في حال ما إذا كان يخاف الله. كما أنّه عند البعض يكون من منطلق الندية والمساواة الميكانيكية في الحقوق بين الرجل والمرأة، كما طالبت المفكرة المصرية، نوال السعداوي، في إحدى محاضراتها: إمّا أن يُمنع الرجال من التعدد، وإمّا أن يسمح للنساء بالتعدد أيضا.
ويضيف أوس رمال “هذا المنطق لا يمكن أن يجلب سوى المصائب. واليوم أتصور أن عددا كبيرا من حالات الطلاق المتزايدة ومن الأسر المتشتتة سببها هذا التعديل الذي طرأ على مسألة التعدد”.
وأفاد رئيس الحركة أنه مع تحصين التعدّد بالشروط التي تجنّب المجتمع مآسي الشهوانية والشطط في التعدّد، دون أهلية ولا باءة ولا ضرورة ولا أي منطق؛ إذ ليس كل من يغضب من زوجته ويريد أن يؤدبها، يهدّدها بالزواج، ثم يتزوج عليها. ليس لهذا شرع الله الزواج، لكنها أمور تقع للأسف.
وفي موضوع الإرث، اعتبر أوس رمّال أنه لحدود الساعة، لم يرى أو يسمع دراسة علمية معتبرة تقدمت بها الجهات المطالبة بتعديل منظومة الإرث، وكل ما في الأمر هو محاولة حذف بعض الفرائض التي يتصورون أن فيها تمييزا ضدّ المرأة، وقال “ينسون أن منظومة فرائض الإرث هي منظومة متكاملة مترابطة يعضّد بعضها بعضا”.
وعن قضية الإجهاض، نبه رئيس الحركة إلى أنها ليست معركة مغربية أو عربية أو إسلامية، بل هي معركة دولية. ويكفي أن نرى كيف يختار الشعب الأمريكي رئيس البلاد، بناء على موقفه من الإجهاض ومن بيع السلاح، معتبرا أن الإجهاض قضية كبيرة جدا، داعيا في الوقت نفسه إلى ضرورة اعتماد الآراء الفقهية المتخصّصة والفتوى الشرعية في ظل وجود اختلاف وتدافع كبير بين من يطالبون بـ”حق الإجهاض” ومن يطالبون بـ”حق الحياة”.
وذهب أوس رمّال إلى أنه حينما يتم إجهاض الجنين، فهذا قتل، كون قلبه بدأ في النّبض في وقت مبكر منذ اليوم الثاني والعشرين من بداية الحمل، متسائلا “هل القتل لا حُرمة له في هذا العالم؟ هل لأن الجنين لا يملك من يدافع عنه، يستباح قتله وإجهاضه؟”، كما اعتبر أن قضية استباحة دم الأجنة تستحق أن تحظى بتفكير أقوى وبنقاش أعمق. وبطبيعة الحال، تكون هناك دراسة للحالات وترجيح لجن متعدّدة التخصّصات مكونة من الفقهاء والأطبّاء والقضاة.
وشدد رئيس الحركة إلى أن الأولوية للحياة دائما وأبدا، كما في كل الشّرائع والمواثيق الدّولية، مشيرا إلى أن حالة الاغتصاب تتداخل فيها عوامل كثيرة؛ أوّلها يجب معرفة رأي الفتاة التي تعرضت له؛ إذ ليس كل من اغتُصبت، ترغب في إجهاض جنينها. وهناك حالات كثيرة، ولنساء متزوجات حتى اخترن باتفاق مع أزواجهن، الاحتفاظ بالجنين الناتج عن اغتصابهن، باعتبار أنه “لا ذنب للجنين”، وخوفا من الوقوع في جريمة القتل. ثم ما كل الأجنة يكتمل حملها ويتم وضعها؛ ولو شاء له الله ألا يأتي إلى هذه الحياة، لما أتى.
ودعا أوس رمال إلى استشارة المغتصبة وأسرتها، ووضعهم أمام مسؤوليتهم في قبض روح جنين لا ذنب له. فإن أصرّوا على الإجهاض، رُفع الملف للجنة متعدّدة التخصّصات، للنّظر فيه بكل سرعة واستعجال، فتصدر قرارها وتتحمّل مسؤوليتها أمام الله عز وجل.
وفي جوابه عن سعي وزارة العدل للحصول على فتوى دينية تخص اعتماد فحص الخبرة الجينية في إثبات الأبوة، كشف رئيس الحركة أنه موضوع أطروحته للدّكتوراه كان حول البصمة الوراثية وتطبيقاتها في مجال النّسب، وأول تدقيق يستحق الانتباه إليه في هذا الصدد، هو أن البصمة الوراثية هي قطعية الدلالة في نفي النّسب، لكنها ليست بنفس القوة في إثباته.
وقال أوس رمال، إذا كانت هذه الطريقة ستحل المشكل، وصيغت من داخل المنظومة الشرعية والقضائية، فإنه معها ويطالب بها؛ لأن الشريعة تتشوف إلى إلحاق النسب، لكن في المقابل الموضوع يحتاج إلى جهد بحثي وعلمي معتبر؛ لأن أي استعجال في الأمر يمكن أن تترتب عليه آفات وكوارث لن تزيد المجتمع إلاّ ويلات وويلات. وبالنظر إلى البساطة التي يُعالَج بها الأمر في هذا الجدل، فإني لست مطمئنا للمقترحات الواردة في هذا الموضوع؛ لأنني أقدر أنه عوض أن تحل مشكل نسب الأبناء غير الشرعيين، ستأتي بمشاكل قد يكون لها الضرر البليغ على المجتمع.
وفي قضية استعمال القنب الهندي، أبرز الدكتور أوس الرمال أنها مسألة سبقتنا إليها دول؛ حيث قالوا إن للقنب الهندي استعمالات طبية، خصوصا في الحالات المتأخرة من مرض السرطان، والذي يكون فيه المآل هو الموت؛ حيث أن استعماله هو ومشتقاته يهوّن ويفتّر السيالات العصبية التي تبلغ الألم القوي للدماغ، فينقص. وقال “أنا بالمناسبة، لست ضد هذا الاستعمال، إذا كان سيتم بالمستشفى تحت الرّقابة الطبّية المتخصّصة”.
ونبه رئيس الحركة إلى أن الإشكال هو حينما يتم بيع القنب الهندي ومشتقاته في الصيدلية، بوصفة طبية فقط؛ قائلا ” كما نعرف، يقع تحايل في هذا الأمر؛ حيث تمّ ضبط عدد من الصيادلة عديمي الضّمير أو من مساعديهم، متلبسين ببيع ما يسمى بـ”القرقوبي” و”البولا الحمرا”…”.
وتساءل أوس رمال، هل إنتاج القنب الهندي بملايين الهكتارات، سيُخصص فقط للاستعمال الطبي؟ مبديا تخوفه من استعمال القنب الهندي كمخدر يدمّر حياة أولادنا وبناتنا.
وفي مسألة سعي وزارة العدل لحذف عقوبة السكر العلني من القانون الجنائي، بمبرر التناقض في القانون، أكد أوس أنه حين يكون هناك تناقض، يجب الرّجوع إلى الأصل. والأصل هو أن الخمر حرام صنعها وبيعها وشراؤها وشربها… إلخ. وبالتالي، وجب التّفكير في رفع التناقض بمنع بيعها، وليس بإباحة شربها والسكر بها، الذي يتسبب في كلّ أنواع المصائب والكوارث والحوادث.
وطالب رئيس حركة التوحيد والإصلاح من كل أعضاء الحكومة احترام هوية الدولة ودستورها ومقوّماتها ومقدّساتها، وألا يبلغ بهم الاستلاب إلى درجة أن يصبحوا مع الإملاءات الخارجية ضد الحفاض على هوية البلد وأهله. والحداثة ليس معناها الانسياق والخضوع لهذه الإملاءات، حتى ولو كانت على حساب ثوابت الأمة.
موقع الإصلاح