المرابطي يكتب: أضحية العيد.. من سنة نبوية إلى عادة مكلِّفة
دعونا نتفق أولا على أن الاحتفال بعيد من الأعياد، لا يدخل في دائرة المحظور والممنوع إلاَّ إن شابه ارتكاب ما يخالف الفطرة السليمة، أو كان في أصله ما هو ضد القيم والمبادئ التي يتبناها مجتمع ما؛ بل على العكس تماما، إن الاحتفال في بعض الحالات، يمكن اعتباره واجبا دينيا أو وطنيا أو قوميا، باختلاف الظروف والمناسبات؛ ولذلك قبل الحديث ومناقشة ما يشهده عيد الأضحى من احتفالات وتصرفات، فإنه لزاما علينا التأكيد على أنه عيد إسلامي بامتياز، أو قل عيد ديني يخص المسلم دون غيره، يلي الإتيان بركن من أركان الإسلام؛ وهو الحج لمن استطاع إليه سبيلا.
كما أن ذبح الأضحية يندب لمن استطاع إلى ذلك سبيلا؛ بل إن في الإسلام عيد آخر، يسمى عيد الفطر، يأتي بعد أداء الركن الرابع من أركان الإسلام، وهو صيام شهر رمضان؛ وعليه، قبل البدء في مناقشة أو التعليق على ما يخص هذين العيدين، لابد من استحضار ما أشرنا إليه، وإنما وجب الأخذ به خلال كل كلمة نكتبها أو ننطق بها.
بالرجوع إلى واقعنا، خلال عيد الأضحى أو قبله، لاسيما في بلدنا المغرب، نجد كثيرا من أمورنا تقتضي الدراسة والنقاش، لما يبدو من مخالفتها للفلسفة التي أتى بها الإسلام؛ ولعل أهم شيء بدأ يثير اهتمام الجميع ويشكل كابوسا للطبقة الفقيرة إلى جانب كبير من الطبقة المحسوبة على “العلمانيين” هو أضحية العيد؛ ذلك أن الطبقة الأولى تعتبره تكليفا فوق طاقتها وعبئا مضافا إلى مستلزمات الحياة، خصوصا في هذه الفترة الموسومة بارتفاع الأسعار بشكل مهول، لأنه في اعتقادهم أن أضحية العيد واجبا اجتماعيا بعدما كان في أصله سنة نبوية ترجع قصة سنها إلى النبي إبراهيم الخليل عليه السلام؛ فيما نجد أن الطبقة الثانية، تجد حرجا في مخالفة المجتمع رغم التصريحات التي تدلى هنا وهناك بخصوص الأضحية، لأن أداء هذه الشعيرة الإسلامية تؤدى من باب العرف والتقليد ومسايرة المجتمع وليس من باب السنة وإحياء شعائر الإسلام.
وهكذا نجد أن نسبة كبيرة من المجتمع المغربي يأتي بشعيرة إسلامية شكلا، في حين يمكن طرح أكثر من سؤال حول مدى حضور الجوهر الذي سنت من أجله والمتمثل في طاعة الله أولا والاقتداء بسنة النبي عليه السلام.
وفي هذا السياق، عند محاولة التعرف على الظروف المساعدة على تحول سنة نبوية وشعيرة إسلامية إلى عرف وعادة مكلفة، نجد صعوبة في تحديدها بشكل دقيق، لأن ذلك يتطلب بحثا علميا يتقاطع مع مجموعة من المجالات والقضايا؛ غير أن الاعتماد على كثير من المعطيات المتاحة للجميع والالتجاء إلى الملاحظة أسلوبا يتبين أن مجموعة من الفاعلين يلعبون دورا مهما في ترسيخ هذه العادة المكلفة بدل السنة النبوية.
ويمكن الحديث عن فئة المثقفين والفاعلين المدنيين والسياسيين، ولكن الدور الأساسي يقوم به المثقفون؛ ونقصد بالمثقفين كل من يقوم بتأطير المجتمع وتكوينه من علماء الشريعة والخطباء والوعاظ ورجال التعليم وكل فرد له مستوى من التعليم يخوله نشر الثقافة الإسلامية وكل ما يتعلق من المعلوم من الدين بالضرورة، وتبقى الفئات الأخرى ذات دور مهم ولكن كلها مرتبطة بشكل أو بآخر بالمثقف، لأنه غالبا ما يكون فاعلا مدنيا وسياسيا.
كما نعلم جميعا، فإن أضحية العيد مما يتقرب به من العمل ويرجى منه كسب الثواب والأجر، ولو أننا، في الإسلام، نعتبر كل تصرف أو فعل مهما صغر أو كبر تقربا لله، لأنه من باب أداء الأمانة التي قبلنا بها في عالم الغيب يوم عرضت علينا اختيارا وليس قسرا، لكن أضحية العيد لها ما يميزها ولها خصوصياتها؛ وعليه فإن المسلم عندما يقدم على عبادة ما فإنه يتحرى الإتيان بها كما تم التأسيس لها ولا يترك للصدف مجالا، ولو تعلق الأمر بأبسط الأشياء.
ويتجلى ذلك ابتداء في إخلاص النية، وبعدها التطرق إلى التفاصيل الأخرى المرتبطة بالشكل والمظهر؛ وبالتالي، فإن لذبح أضحية العيد كثيرا من الشروط، منها ما يتعلق بها ومنها ما يتعلق بمن يذبحها ويتقرب بها؛ لذلك، نجد أن أمر الأضحية لقي الاهتمام الكافي بجميع تفاصيلها من طرف الفقهاء، يكاد الجزم أنه لم يتركوا صغيرا أو كبيرا لدراسته من الناحية الفقهية؛ غير أن تبليغ ذلك وتطبيقه بشكل صحيح لم يرق إلى المستوى المطلوب، لاسيما في السنوات الأخيرة؛ حتى شهدنا من المسلمين من همه الأكبر هو شراء أضحية ترضي الجيران والأطفال بعيدا عن رضى الله عز وجل؛ بل الأدهى والأمر هو العمل على شرائها بكل الطرق ولو بمال حرام، من خلال الالتجاء إلى الاقتراض بفوائد ربوية أو أي معاملة أخرى محرمة، أو عن طريق إذلال المرء لنفسه بالسؤال للإتيان بسنة نبوية هو غير مطالب بها إن لم يكن في مقدوره ذلك.
وحتى يتم تجاوز كل هذه الظواهر، حاولنا البحث عن من يستطيع تصحيح الأوضاع، فوجدنا أن هناك من الخطباء والدعاة من يفتي بجواز بعض التعاملات أقل ما يقال عنها أنه تحوم حولها الشبهة لشراء العيد؛ فيما نجد بعضهم شغله الشاغل تشجيع الناس على شراء الأضاحي للفقراء وحثهم على ذلك حتى أصبح من لم يقم بذلك يُعتبر في نظر العامة مقصرا شحيحا، ومن لم يحض بالأضحية محروما وفاته من الدين الشيء الكثير، بل قد يصبح موضوعا للسخرية بين الأهل والأصحاب والأطفال.
وفي المقابل نجد جمعيات كثيرة تشتغل في موسم العيد بجمع التبرعات وإعادة توزيعها على الفقراء على شكل أضاحي العيد في مشاهد تسيء لكرامة الإنسان، بل هناك من الجمعيات من تسبب الاحراج للميسورين بدعوى ضرورة توفير أضاحي العيد للفقراء، وتفويت الفرص لاستثمار تلك الصدقات في ما هو أولى من العيد؛ وهكذا نجد من كان يُنتظر منهم إصلاح الأوضاع يعملون على تكريس عادة مكلفة ماديا ومعنويا تفتقر لما يجعلها سنة نبوية غايتها التقرب إلى الله.
وعليه، يبقى أمر أضحية العيد يحتاج إلى إعادة النظر من طرف من يجب في حقهم التغيير، بل وجب تصحيح بعض المفاهيم لدى هؤلاء قبل غيرهم من العامة والجمهور، بعدما تبين أن الكثير منهم لم يعودوا يفرقون بين أهمية القضايا ودرجة أولوياتها؛ وحتى يتضح لنا المقال أكثر، لابأس من التذكير بأهمية الصلاة في الإسلام مقارنة مع ذبح الأضحية يوم العيد، وهل هناك من يحس بالحرج إن هو تخلف عن أداءها؟ بل هل هناك من يشعر بالحرج إن هو لم يستطع توفير الظروف لكثير من التلاميذ المحرومين من متابعة دراستهم الجامعية والثانوية؟ وهكذا مع مجموعة من القضايا والملفات.
ختاما نقول: قد لا نختلف حول ذبح الأضحية يوم العيد بأنه نوع من العبادة الخاصة، لا يمكن للمسلم القادر على الاتيان بها إلا الإسراع في ذلك، وهكذا يجب أن يتصرف تجاه كل ما أتى به الإسلام، غير أنه في نفس الوقت يتذكر أن عزم المرء وتمنيه فعل الخيرات إن توفرت له الوسائل والظروف يكسبه من الأجر مثل من يفعل ذلك حسب نص الحديث الشريف؛ ما يعني أن المسلم لن يشعر بالحرج وهو لم يتمكن من شراء الأضحية إن هو أراد بها وجه الله، ولكن لن يهدأ له بال إن ضيع أداء الصلوات في وقتها ووفق ما أُمر به، بل لن يجرؤ على إذلال نفسه بالسؤال للإقدام على ما يمكن تحصيل أجره دون أن يبرح مكانه.
اللهم ارزقنا المنطق والعمل به.
الأستاذ حسن المرابطي