نفحات ربانية في شعبان، فاغتنمها أيها الإنسان
شعبان شهر الخير والبركة.. شهر بين رجب الحرم ومضان الفضيل نفحة الإيمان التي يغفل عنها الناس، ولو يعلمون فهو شهر الفضائل والمكرمات، شهر عظيم المكانة عند الله سبحانه وتعالى كما يخبرنا بذلك الحديث: “إن الله تعالى يطلع على خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن”. ترى هل نتعرض لهذه النفحات الربانية والفضائل الإيمانية في شعبان اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم، لكن بماذا وكيف؟ ما هي القيم والسلوكات التي ينبغي الحرص عليها بشكل تعبدي وتدريبي صحيح حتى تمكننا من ذلك؟
1 – كثرة الصوم خاصة في نصفه الأول: فقد روي عن عائشة رضي الله عنها قالت:”ما رأيته (ص) أكثر صياما منه في شعبان”، ولما سئل عن ذلك (ص) قال:”ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان،وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين،فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم”. رواه أحمد. يعني ان رسول الله (ص) كان ينتبه إلى غفلة الناس وينبههم إلى الوعي واليقظة، كان يحاسب نفسه ويقدم بين يدي أعماله خير العبادات وهي الصيام، يستثمر أفضل الأوقات كشهر ترفع فيه الأعمال إلى الله..شعبان.. وأيام ترفع فيها الأعمال إلى الله الإثنين والخميس فيصومهما، و أوقات ترفع فيها الأعمال إلى الله صلاتي الصبح والعصر فيحرص عليهما..،حتى يضبط الناس أنفسهم فيهما.. وبينهما.. وبعدهما لمن استفاد من زادهما.
2 – عبادة قراءة القرآن الكريم ولوازمها: فقد روي عن الصحابة رضوان الله عليهم، أنهم كانوا يغلقون دكاكينهم وهم يستعدون لرمضان أشهرا عدة قبله ويعيشون بأفضاله عليهم الباقية الباقية من أشهر العام،وكانوا يعيشون خلال هذا الاستعداد مع القرآن الكريم تلاوة وحفظا ومراجعة وتدبرا، وطبعا، مع أخلاق وفضائل القرآن، ومع ما يصاحب القرآن الكريم من الصلاة والقيام وعمارة المساجد،والذكر والدعاء، وبالذكر تحيا القلوب والدعاء مخ العبادة، ومن أدعيتهم بالمناسبة قولهم: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”،وما أحوجنا إلى نفحات شعبان لتجديد الصلة بالذكر والدعاء ومنها سيد الاستغفار ومأثورات الصباح والمساء،التي ولاشك يفتر عنها الكثيرون.
3 – فضيلة الصيام والقيام في شعبان: باعتبار شعبان استعدادا لرمضان وتهيؤ لأجوائه الربانية، من هنا فأول رسالة هي إعادة طرح السؤال حول عبادة الصيام، ما حقيقتها ومقاصدها.. ما فضلها وفوائدها.. ما فقهها وأحكامها.. كيف نحن معها في جانبها التربوي..الاجتماعي..الدعوي..إلى غير ذلك، أو على الأصح كيف ينبغي ونريد أن نكون نجن ويكون رمضاننا وما بعده؟ رمضان الإخلاص والتقوى.. رمضان الصيام والقيام و القيام أنس العبد بربه في جوف الليل لا يعرف حلاوته إلا من ذاقها..رمضان الكفارة والاستجابة..رمضان الصبر وصيام الجوارح..رمضان الإمساك عن المعاصي والإقبال على الطاعات.. العمل الثقافي والتضامني..ألا يستحق منا كل هذا دورة تدريبية شعبانية تسلمنا إلى رمضان على أحسن حال، حال يجنبنا أو يخفف عنا كل تلك النتوءات التي تفسد علينا صيامنا وتجعله عند البعض مجرد شهر للفتور والعياء وسهر مجاني والتوتر في المعاملات ونوم ثقيل والكسل عن العمل والعبادة..، بلى نحتاج، إلى صيام نفل نستعد به للصيام المفروض في رمضان، ولعل أولى الصيام في شعبان أن تقضي النساء ما بقي عليهن من دين صيام السنة الماضية.
4 – ضرورة الاقتصاد وعدم الإسراف في الاستهلاك: خاصة وقد جرت العادة والمواطنون في كل شعبان واستقبالا لرمضان – في اعتقادهم – يتنافسون في تهيء الأكلات الخاصة بالشهر الفضيل وبكميات وكميات في البيوت والمحلات، ويتسابقون في اقتناء العطور والبخور والهدايا وتفصيل الألبسة الخاصة والمكلفة لهم ولأزواجهم وأبنائهم، وبشكل محموم تفاخري أحيانا، حتى أن رمضان – كما يقال – تساءل يوما هل أصبح الناس كلهم أغنياء ولهم من السيولة المادية ما يكفي؟ فأخبره شعبان في الطريق بأنهم إنما يستدينون من أجلك يا رمضان العزيز من الأبناك، ويرهنون ممتلكاتهم لدى وكالات القروض، ومجوهرات نسائهم لدى المجوهراتيين، والجميع يوهمونهم بالتوسيع عليهم شهرا ليلفوا على أعناقهم وأرزاقهم حبال الضيق والهموم بقية الشهور كلها. ألا يمكن أن يكون مدخلنا لعلاج هذا الإسراف الموغل في الاستهلاك حد الاستدانة والبدانة، أن نجرب صوم النفس والهمة قبل الجوارح والمتاع، وأن نبحث في صومنا عن قولهم “صوموا تصحوا” بدل تسرفوا وتتخموا، ونريح ونرتاح في قوله (ص): “ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه…بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه”؟
5 – فكيف نستعد لرمضان نفسيا واجتماعيا: لابد من التخلص من هذا العبث الاستهلاكي إلا بالقدر الضروري الذي يخلص المواطن من هموم الاستدانة والاستهلاك المفرط حد التباهي الاجتماعي بما يفرغه للعبادة في شهر العبادة، عله يتوب في شهر التوبة، وينال الغفران في شهر الغفران، بالتدرب نفسيا وعلميا وعمليا على التصدي لما قد يتعرض له المرء في رمضان من توتر واستفزاز وسباب وشجار إن رد عليه بالمثل أفسد عليه صيامه، بالجرأة على التخلي على الضغائن والشحناء والغيبة والنميمة التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، بالتعود على تفقد أحوال المساكين والمحتاجين والتكافل معهم قدر المستطاع،خاصة في هذه الظروف الوبائية الحرجة وما سجلته من الخصاص الاجتماعي، بالمشاركة في مشروع قفة رمضان وكسوة العيد وإفطار الصائم في بيوتنا أو مع أصحاب المقاهي أو جمعيات المجتمع المدني الخبيرة، بالتفكير في أشكال صلة الرحم المعلقة بالعرش تقطع من يقطعها وتصل من يصلها، إلى غير ذلك مما يجعل شهر رمضان فعلا، شهر الجود والكرم والخير والبركة،على سنة رسول الله (ص)، وقد:”كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان”متفق عليه.
6 – وكيف ننمي ممارسة الدعوة الحكيمة والمحكمة: من إرشاد الناس إلى الخير،والعمل لهذا الدين والتمسك به، وهو واجب شرعي فردي وجماعي حسب العلم والفقه والموقع والإمكان،وينبغي أن يكون لهذه الدعوة حظ في شعبان ورمضان كما في غيرها من الشهور، وحتى ينجح الداعية في دعوته اليوم لابد من أن يطرح على نفسه أسئلة ملحة ويجد لها من الأجوبة الواضح المقنع. ما هي أهداف الدعوة المعاصرة،ما هي مواضيعها؟ ما هي وسائلها وحواملها؟ ماذا يملك ويتقن الداعية من ذلك؟ أو على الأصح كيف له أن يمتلك ويتقن بعض ذلك واللازم منه؟ أية كتب قرأها وأية محاضرات سمعها وفهمها حق فهمها من أية كلية تخرج وأية أبحاث علمية وأنشطة اجتماعية أنجز أو ساهم في إنجازها؟،ماذا أعد الداعية المعاصر من خطب للمساجد المتاحة؟ ومن مواعظ للولائم المنتظرة؟ ومن نصائح للفصول المسندة، ومن رسائل تواصلية وحملات تضامنية مع المحتاجين؟ ومن مقالات تربوية وفكرية للمواقع الإلكترونية، و”ليفات” تفاعلية لصفحات التواصل الاجتماعي، ومن جلسات تربوية ترفيهية مع أسرته ومع الشباب والزملاء، ومن خلوات إيمانية وعلمية مع نفسه ومن..ومن..ومن..؟ وبأية جودة وحرفية، وبأية حمولة فكرية ورؤية إصلاحية يمكنه تنزيلها؟
كل هذا مما يمكن أن يكون موضوع برنامج فردي..أسري..جماعي أو جمعوي، فقراته صيام وقيام.. ذكر ودعاء..قراءة وحفظ القرآن..تكوين علمي وتدريب خيري عملي..في جو من النفحات الربانية والفضائل الإيمانية، يتم غرسها في شعبان علها تولجنا مدرسة رمضان فنرتوي بروائه في غرس الإيمان في القلوب وزرع المحبة في النفوس وبذر الأخلاق في الطباع، والمساهمة في بناء الأجسام الصائمة القوية، والنفوس المطمئنة الأبية، والأرواح التقية الزكية، وصلة الأرحام والمسامحة عند الخصام، في موسم تجارة نيل الحسنات ومحو السيئات، يقبل عليها الجميع بكل قوة وطمأنينة وتلقائية يتسابقون في الخيرات ويقبلون على الطاعات، لعل الله تعالى يجزيهم بوعده: “ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا” متفق عليه.
الحبيب عكي