مصطفى بن شقرون .. نموذج للبذل ونكران الذات
بعد إعلان جمعية الجماعة الإسلامية عن نفسها؛ التحق مصطفى بن شقرون بالرباط قادما إليها من مكناس حيث رأى النور سنة 1962 وتابع دراسته الابتدائية والثانوية. وكان له دور بارز في خروج جريدة الإسلاميين إلى الوجود تحت مسمى “الإصلاح” سنة 1986، وذلك إلى جانب عبد الإله ابن كيران وعبد الله بها، في وقت كانت فيه صحف مغربية يتجاوز عدد مبيعاتها مائتي ألف نسخة يوميا.
ظل بن شقرون يزاوج بين الدراسة والعمل المهني وإن كان لم يوفق في ذلك، فبعد التحاقه بالجريدة غداة نيله شهادة الإجازة تخصص لسانيات بجامعة فاس، حاول إتمام الدراسة في السلك الثالث بكلية الآداب بالرباط قبل أن يتوقف مساره بعد بسنتين، وينتقل إلى متابعة الدراسة بكلية الشريعة بفاس.
بن شقرون الذي يشتغل حاليا بعيدا عن الصحافة يؤكد أنه في عمله النضالي آنداك كان يتبنى ما قاله الراغب الأصفهاني صاحب المفردات “إني رأيت أنه لا يكتب الإنسان كتابا في يومه إلا قال في غده لو غير هذا لكان أحسن ولو زيد لكان سيحسن ولو قدم هذا لكان أفضل ولو ترك لكان أجمل، وهذا من أفضل العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر“.
وفي خضم حديثه عن التضحيات التي بذلت كي تجد “الإصلاح” موطأ قدم بين الجرائد التي يقبل عليها القراء المغاربة يوميا؛ لم يتوقف كثيرا عند معاناته الطويلة في التنقل بين المطبعة ومقر الجريدة وبين المطبعة وشركة التوزيع، واشتغاله الدائم بالليل بدل النهار، إضافة إلى طعامه الذي كان عادة عبارة عن وجبة واحدة لا تتجاوز في أحسن الأحوال ربع لتر من الحليب وقطعة خبر، وافتراشه الأرض خلال ساعات النهار الأولى ليتقدم الصف في المطبعة.
بالمقابل توقف كثيرا عند بعض التحديات التي تمكنت الجريدة من تجاوزها، من ضمنها بداية تفاعل القراء حيث قال “طيلة سنة لم تتوصل الجريدة بأية مراسلة عبر بريد القراء، إلى أن ابتدعتُ طريقة عجيبة، حيث استغلت كون مقر الجريدة (زنقة سوس بأكدال) هو نفسه مقر الجماعة الذي لا يهدأ من الحركة من فرط الأنشطة واللقاءات التي تعقد فيه، فشرعت أطرح الإشكاليات على زائري المقر، ثم أتصل هاتفيا بأحد الفقهاء من أجل الجواب عليها، وهكذا بعد مدة قصيرة أصبح بريد القراء يمتلئ عن آخره“.
يتذكر بن شقرون جيدا كيف كان يعيد كتابة كل المقالات قبل نشرها في الجريدة، قبل أن يقوم إلى جانب ابن كيران وبها بعملية التصفيف وترتيب الصفحات وإعداد “الماكيط”، ونقلها إلى مطبعة “الرسالة” حيث هناك مسار آخر ينتهي بالمقالات والمواد في أوراق كبيرة يقوم بتصحيحها قبل إعادة طبعها.
من ضمن ما تأثر به بن شقرون في مساره الذي خطه مع جريدة “الإصلاح” بعض النصائح التي قال إنها للآباء الروحيين للجريدة أمثال الحاج مغنينو“
“وما من كاتب إلا سيفنى *** ويُبقي الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكف غير شيء *** يسرك في القيامة أن تراه“.
إضافة إلى الشاعر السوري بهاء الدين الأميري الذي قال إنه كان مرارا يقول “الدرب طويل والليل سجين والظلام دامس والخطب جلل لكن الإخلاص يقلص الدرب ويطيح بالظلام”. ويوجه خطابه لهم “تعلموا قبل أن تسودا وتيقنوا قبل أن تشكوا“.
بعد قرابة عشر سنوات من البذل بلا حدود ونكران الذات، وبأجر كان يعتبره منحة لا تتجاوز 500 درهم، كانت بالكاد تكفيه لتوفير طعامه اليومي، بينما كان مقر الجريدة هو منزله الذي ينام به في النهار ويشتغل فيه بالليل؛ غير بن شقرون مساره الذي مزج فيه بين الصحافة والنضال بعد نجاحه في مباراة بوزارة الصناعة والتجارة.
ورغم اشتغاله في الوظيفة العمومية ظل بن شقرون حريصا على التضحية من أجل “الإصلاح”، إذ كان ينتقل في عامه الأول بين الدار البيضاء والرباط وفي العام الثاني بين مكناس والعاصمة، إلى أن تأكد أن مكانه تم ملئه.