ملتقى الباحثين في العلوم الشرعية يناقش فقه الواقع وأثره في الاستنباط وتنزيل الأحكام الشرعية
عقد قسم العمل المدني بجهة الوسط، ملتقى “للباحثين في العلوم الشرعية” يوم الأحد 13 جمادى الثانية 1435هـ الموافق ل 13 أبريل الحالي، بمقر حركة التوحيد والإصلاح بعين السبع، وفي كلمته الافتتاحية، دعا عبد الرحيم شلفوات عضو قسم العمل المدني والباحث بالمركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة، الباحثين إلى الاهتمام بالجانب الإجرائي العملي والانفتاح على الطاقات العلمية، والعمل على استثمار الطاقات لبناء الفكر المتنور.
كما بين الشلفوات أهمية المرحلة ووقف على الغاية من عقد الملتقى الذي يأتي استجابة لطلب الباحثين من أجل رسم معالم خطة عمل تجعل من البحث العلمي قاطرة نحو ترشيد التدين وتبني خيار الوسطية والاعتدال في التعامل مع القضايا المجتمعية، ويجيب على بعض حاجات المجتمع وتساؤلاته، وعدم تركه عرضة للمتطفلين على المجال. وأن تصبح مجهودات الباحثين ملكا عاما للناس ينتفعون بها في دنياهم وآخرتهم، ولا تبقى سجينة الرفوف.
وعرف الملتقى نقاشا مستفيضا بين الباحثين تطرف إلى فقه الواقع حيث ركز عرض الدكتور البشير قنديلعلى إبراز “فقه الواقع وأثره في الاستنباط والتنزيل للأحكام الشرعية” تطرق من خلاله إلى بيان مصطلحي الفقه والواقع على المستوين اللغوي والاصطلاحي وخلص إلى القول “بأن الواقع هو إدراك الشيء، ومعرفته على ما هو به، كما يقول أبو ياسر سعيد:( أما تعريف فقه الواقع فهو معرفة ما عليه الشيء بنفسه، في طرقه، وكيفية استفادته، وحال المستفيد، ويقول أيضا: (إن المتأمل في معرفة الواقع يجد نفسه أمام مرحلتين:
أ-مرحلة إدراك الواقع الذي يشترك فيه فقيه الواقع مع غيره ممن أدرك ذلك الواقع.
ب-مرحلة فهم ما أدركه من الواقع فهما شرعيا، وذلك بتتبع ما جعله الشارع معرِّفات للحكم الشرعي، سواء نزَّل الحكمَ على ما فهمه من الواقع أم لم يُنَزِّله.
ففقه الواقع إذن، هو الحلقة الوسطى بين فقه الخطاب الشرعي، وفهمه مجردا بأدوات الفهم وطرقه، وبين فقهِ تنزيل الخطاب ، بحيث يتحول ما فُهم مجردا إلى ممارسة، وتمثلٍ واقعي عملي مشخَّص.
وبين أهمية فقه الواقع حيث أكد أنه إذا كان من المقرر أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان، وإذا كانت- كما قيل قديما- النصوص متناهية، والوقائع غير متناهية إلى قيام الساعة، فإن اللازم المنطقي لهدي الواقع بتعاليم الإسلام، وتقويم نُظم الحياة كلها بأحكام الشريعة، يحتاج بلا ريب إلى اجتهاد منضبط، وفقه بالزمان، والمكان، والأحوال، والعوائد، والوقائع.
وإن الواقع الراهن أحوج ما يكون إلى الفقيه بقضايا العصر، المُلم بمجريات الواقع، وملابسات المحالِّ المستهدفة ببيان أحكامها الشرعية، يقول ابن القيم :(لا بد للحاكم من نوعين من الفقه : فقه في أحكام الحوادث الكلية،وفقه في نفس الواقع، وأحوال الناس).
وفي محور ثان أبرز ضرورة فقه الواقع لاستنباط الأحكام وتنزيلها . فلِفقه الواقع مكانة بالغة الأهمية في المنظومة التشريعية، إذ بفقدانه أو التقصير في العناية به، تتسع الهُوَّة بين مراد الشارع وسلوك، وأحوال المكلفين، الفردية والجماعية. فما من شك في أن تغيُّرات جمة طرأت على نمط الحياة والسلوك، حتمت ضرورة التبصر بآليات اشتغال الواقع، إذ لا يستقيم عقلا وشرعا تنزيل الفهم المجرد لأحكام الإسلام على واقع مجهول.
واعتبر أن فقه الواقع اكتسى هذه الأهمية البالغة، لأنه المدخل الرئيس، والبوَّابة التي نلِج منها إلى استنباط الحكم، فقد لا يُؤْتَى الفقيه من جهة ضبط النصوص ثبوتا ودلالةً،ولكنه يؤتَى من جهة تنزيله لتلك النصوص على وقائع وحالات لم تتمحصْ طبيعتها، ولم تُكشف تفاصيلها، فيقع في التعميم، وربما أجاب بأجوبة شمولية لا تمس أفراد الوقائع، وخصوص النوازل التي سئل عنها، لعدم ظهورها له
وخلص إلى أن ثمة معادلة ثلاثية الأبعاد، تتكامل فيما بينها لتُنتج تديُّنا راشدا، قوامه تفعيل الخطاب الشرعي وصياغته صياغة يمتهد بها السبيل لتنظيم حياة البشر بما يسعدهم في حالهم ومآلهم؛ ومتغيرات هذه المعادلة هي فقه نصوص الخطاب الشرعي في شكلها المجرد بإعمال قواعد التفسير وأساليب الاستنباط وطرائق الاستدلال المبسوطة في مظانها، وفقه الواقع يعنيه بمعرفته على حقيقته كما أسلفتُ قبلُ، وفقه تنزيل النص الخالد على مجريات الواقع المتغير المتجدد باطراد.
وفي الفترة الثانية من اللقاء تمت مناقشة المخطط الوطني والجهوي ، واعتمد الباحثون العمل بالمحاور وفق قضايا بحثية في أفق تأسيس منتديات منطقية وجهوية ، وإصدار دورية علمية ، واقتحام عالم المعلوميات بإحداث موقع تواصلي ، والانفتاح على كل الطاقات العلمية.
ووفقا لورقة أرضية الملتقى،فإن قسم العمل المدني يؤمن بأهمية التواصل والوقوف على أهداف مركز المقاصد والأبحاث ومشاريعه وقسم الإنتاج العلمي والفكري والفني ، ويعمل من أجل التشاور في المخطط الجهوي الذي تم رسم معالمه بجهة الوسط ،والاجتهاد في رصد أهم القضايا العلمية والمجتمعية التي تستوجب البحث والنظر الشرعي وتدارسها ، وحاجة الباحثين إلى المشورة العلمية.
وانطلاقا من هاته الاعتبارات، يأتي تنظيم قسم العمل المدني لملتقى الباحثين سعيا إلى تحقيق سياسة القرب والتواصل مع العلماء ومسؤولي مركز المقاصد للدراسات والأبحاث للتشاور ، وتنزيل أهداف قسم الإنتاج العلمي والفكري والفني،ومواكبة المستجدات والمتغيرات ، والاستجابة لمتطلبات المرحلة ، وإيجاد فرص للتواصل العلمي الهادف والذي يضمن حسن تنزيل واختيار قضايا الاشتغال.والوقوف على أهمية فقه الواقع وأثره في الاستنباط والتنزيل للأحكام الشرعية.وتشجيع الباحثين على الاجتهاد في قضايا الأمة الشرعية والفكرية والثقافة والفنية ، والدفع بالباحثين والمبدعين للانخراط في التدافع القيمي والعمل على الحفاظ على الهوية الحضارية للأمة. وتوجيه الباحثين ومساعدتهم في اختيار بحوثهم وإنجازها، بما يخدم المجتمع ويرقي البحث العلمي في العلوم الشرعية.مع الإعداد لندوات شرعية وفق برمجة على المستوى الجهوي .والمصادقة على برنامج عمل مستقبلي.
يشار إلى أن هذا الملتقى اختير له محور “فقه الواقع وأثره في الاستنباط والتنزيل للأحكام الشرعية”، وجاء استمرارا في مراكمة عمل قسم العمل المدني مع الباحثين ، عطفا على اللقاءات السابقة التواصلية والتكوينية والتأسيسية لمشروع جهوي يتوخى تطوير عمل الباحثين في المجال العلمي ، ويؤسس لعمل جماعي توحد فيه الجهود لتثمر عملا نافعا للأمة.
تقرير: عبد الرحيم مفكير