رمضان طواف روحي – الزهرة الكرش
يهل علينا رمضان بنفحاته الربانية فأين يجدنا؟؟ أيجدنا بين المحلات التجارية نتهافت على شراء المواد الاستهلاكية لتحضير ما لذ وطاب من مأكولات أم يجدنا نتنقل بين زوايا المطبخ نجهز مؤونة الطعام والعصائر… التي تكفينا الشهر كله؟ أم يجدنا أمام شاشة القنوات الفضائية نختار قائمة مسلسلاتنا الرمضانية؟ أم يجدنا عند الخياط التقليدي نختار ألبسة العيد حتى لا نضطر للانتظار حين يصير الطابور امامه طويلا؟…
هذه بعضٌ من صورنا مع اقبال شهر رمضان الفضيل نطلب أشياء مباحة لكن المبالغة فيها تخرج بالشهر الكريم عن مقاصده الحقيقية.
رمضان ليس شهر الجوع حتى يصبح الأكل أولى اهتماماتنا ورمضان ليس شهر الفراغ حتى تستحوذ علينا الشاشات وتسلبنا المسلسلات وتذهب بألبابنا الكاميرات الخفية والبرامج السوقية. ورمضان ليس شهر النوم لنقضي جل أوقاتنا نتقلب على جنبات سرائرنا باحثين عن راحة لن يجلبها النوم الطويل. ورمضان ليس شهر اللا حاجة حتى نقضيه في التسكع بالطرقات والجلوس بالمقاهي جٌلَّ ليالينا.
رمضان كما يصفه رب العزة (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) [البقرة 185]. إنه شهر القرآن الكريم، شهر الصيام وشهر العبادة والقيام.
رمضان محطة للتوقف وإعادة التأمل في عام مضى والاستعداد لآخر قادم ان بقي في العمر بقية. رمضان موسم الجود لا موسم الجوع. رمضان موسم نتعلم فيه معنى السعادة في العبادة، فمن حرم تذوق لذة العبادة فيما انقضى من الأيام يُهْديه عز وجل هذه الفرصة ليستشعر السعادة الحقيقية في القرب منه والتوبة إليه.
رمضان شهر الاعتكاف فكأنما نتحلل من الدنيا ونتخلى عن ملذاتها لنتذوق حلاوة التجرد لله وحده. فرمضان شهر عروج القلوب إلى ربها لتغسل أدرانها وتستعيد صفاءها، هو فرصة للتصالح مع الله أولا ثم مع النفس ثانيا. هو منحة جديدة يمنحها لنا الرحمن الرحيم لنعيد بناء أنفسنا من جديد ونعيد ترتيب أولوياتنا من جديد ونعيد إحياء إيماننا من جديد.
هو فرصة للبحث عن اشراقات جديدة ترحل بالقلب بعيدا عن عالم الماديات والشهوات وتدخله في عالم من الصفاء الروحي يجعله يكتشف أبعادا أخرى للحياة وللوجود فيتجرد من كل أحماله التي تثقل كاهله وتمنعه من الصعود والارتقاء.
إنه طواف روحي يكبر خلاله حب الله في القلوب وتذوب خلاله كل اللاآت فيصبح ماكان محالا بالأمس من الممكنات اليوم. تختفي الخلافات والمشاحنات وتعود الاخوة في الله لتتربع على عرش العلاقات مذيبة كل الفوارق والاختلالات فيصبح الحب في الله هو الفيصل والحكم والإيمان هو مفتاح الخيرات كلها فلا تفاضل إلا بالتقوى. تختفي كلمة مستحيل من قواميسنا وتحرر الأنفس وتقوم للعمل والبناء فيصبح العطاء صبغتها فهي لم تعد بحاجة للمواعظ لتبذل وتعطي. ويتغير سلم الأولويات في لحظات، ليصبح الإقبال على الله وطلب مغفرته ورحمته وعفوه أقصى الأماني، حينها يدرك العبد معنى الآية الكريمة (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ۖ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات 50] فيهرول القلب قبل الجسد طالبا العفو والصفح توبة لله من كل معصية ورجوعا عن كل غفلة.
الزهرة الكرش