رأيت عبد الله بها – محمد السائح
بُعيد وفاة عبد الله بها رحمه الله سنة 2014، رأيت فيما يرى النائم أننا في قاعة كبيرة، وقوفا نتحدث، كل مع من بجانبه، كهيئة القوم إذا كانوا في لقاء جامع، وتلك القاعة أعرفها، توجد في مدرسة للتعليم العتيق، لها نوافذ كبيرة طويلة بالية.
وفجأة تحرك عبد الله بها نحو مرتفع بالقاعة كأنه منبر صغير، فارتقاه، فنظرنا، وصوّبنا رؤوسنا نحوه، فإذا هو ممسك بطائرين، أحدهما في يمينه، والآخر في شماله، وهو يلبس بذلة عصرية دون ربطة العنق، ولحيته سوداء، ثم أنشأ يقول: (آلإخوان: ها الدنيا) ورفع أحد الطائرين إلى الأعلى، ثم وضع يده، ثم قال: (ها الآخرة) ورفع الطائر الأخر باليد الأخرى.
ثم رأيته مرة أخرى بُعيد وفاته، وكان خلقٌ كبيرٌ متحلِّقون حول عبد الإله بن كيران، وفجأة انفض الجمع من حوله بسرعة خاطفة، حتى انكشف، فإذا هو لابس جلابة فاخرة، إلى الصفرة ما هي، جالس مطأطئ رأسه، وكأنه على حلبة، مرتفعة قليلا، فاقترب منه عبد الله بها، يلبس جلابة شبيهة بتلك فيما أذكر، فقال له وهو يبتسم ابتسامة فيها رحمة: (آش تمَّ أسِّي عبد الإله؟).
فأولت الرؤيا الأولى أنها الوصية التي كانت تعتمل في نفسه، لو قُدّر له أن يقولها في جمع في حياته. ولكنها في تلك الرؤيا كانت أبلغ فيما أرى، ومع أن الرؤيا لا تلزم إلا صاحبها، ففيها عبرة لمن استأنس بها.
وأولّت الثانية أنها النصيحة والمواساة الصادقة التي كان يبذلها رحمه الله في أتم اللطف وكامل الرفق والاستيعاب.
قلت: لا أجزم ان هاتين الرؤيين من الله، ففي الحديث الصحيح: ((والرؤيا ثلاثة: فرؤيا صالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه، فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم فليصل، ولا يحدث بها الناس)) أخرجه مسلم.
فإن كانتا صالحتين من الله، فالدلالة فيهما قوية على ما ذكرناه، وإن كانتا مما حدثت به نفسي في اليقظة فرأيته في المنام، فهو ما نظنه أن الميت لو قُدر له أن يتكلم مع الأحياء، لما تكلم إلا بالحق والصدق والنصيحة المشفقة.
وليس غريبا أن ينتصح الحي بمن قد مات، خصوصا إن كان موضع ثقة عنده في حياته.
وشأن الرؤى أحيانا عجيب، فرب حزن يرتفع برؤيا صالحة، ورب ضيق ينجلي بها، ورب معرفة تلوح، أو نصيحة تسمع أو نذير يقرع، أو بشرى تسر.
ولا أخال رؤياي إلا من هذا القبيل النافع إن شاء الله، لي ولغيري إذا شاء. والله المستعان.