العوائق النفسية للداعية وكيفية تجاوزها2/2 – الحبيب عكي
تطرقنا في الجزء الأول من هذه المقالة إلى العوائق على مستوى الفرد (08) ثم العوائق على مستوى التنظيم الحركي(08)، والآن:
3 – عوائق الدعوة على مستوى المجتمع:
أيضا هناك عوائق دعوية ومنها:
- التشبع الدعوي، عكس الزمن الماضي.
- الانفجار الرقمي وما أصبح ينشغل به الناس عن كل شيء.
- الحملة الإعلامية المغرضة والمشوشة ضد الدعاة، بالإصرار على تغييبهم عن مختلف المنابر والبرامج، بل وتشويه صورة بعضهم والتحامل عليهم بما ينفر الناس منهم.
- التشهير بخطاب الكراهية والتطرف مقابل تغييب خطاب المحبة والاعتدال، ووضع الجميع في سلة واحدة، تجعل كل استجابة تنظيمية عند البعض بداية تطرف وإرهاب لا محالة،”والباب اللي يجي منو الريح سدو واستريح”.
- سياسة تجفيف المنابع عند البعض، واحتكار إصلاح الحقل الديني عند البعض الآخر، وسياسوية تفعيل قانون الإرهاب في بعض الحالات والملابسات، مقابل التضييق على الحريات العامة ومنع أو محاكمة بعض الجمعيات.
- الانشغال السائد للناس في المجتمع بدواتهم بشكل عام، وغلق أبواب منازلهم ومسك فضول أموالهم، وليس الدعاة بدعا من ذلك بقدر أو آخر، فهم في مثل هذا أبناء بيئتهم ومثل غيرهم أو يكادون.
- تراجع حس المواطنة والتضحية بسبب تعاقب سياسات التفقير والتهميش والمس بالقدرة الشرائية للمواطن وحقه في الحرية والكرامة والتنمية المجالية والإنصاف الاجتماعي، ما جعل أجواء التبخيس والتيئيس والنفور من كل التنظيمات هي السائدة، بحيث لا تتعدى نسبة الانتماء إلى الهيئات السياسية 1% مقابل حوالي 10 %. لجمعيات المجتمع المدني ومنها الجمعيات الحركية وهو رقم ضئيل جدا.
- ما يبدو من الوصاية المشددة على الحقل الديني والتضييق على الدعاة الأحرار والمستقلين، بعزل بعض الخطباء والوعاظ وعدم مساندة الحركات الدعوية لهم شبابا جريئين متجاوزين كانوا أو شيوخا متزنين مظلومين، فبالأحرى أن يكونوا معارضين ويجدوا لهم مساندين ومن حقهم، وقس على ذلك بعض المواقف الوطنية والدولية التي ينتظر فيها المنتمون إلى التنظيمات الدعوية شيئا من الجرأة والصدع بالحق فلا يكون إلا الصمت والصمت المطبق، إن لم تكن المسايرة للمواقف المرفوضة عندهم.
والآن على مستوى الحلول: نقترح مع المقترحين ما يلي:
- ضرورة مراجعة الفرد لعلاقاته مع ربه، فكل اضطراب في نفسية أو سلوك الفرد إلا وهو من خلل في عقيدته أو ضعف في عبادته (خذ مثلا اضطرابات التطير والتشاؤم..أو الخوف و الشح..أو الحسد وسوء الظن..، وغير ذلك من أمراض النفس مما يقعد الناس عن العمل وعن البذل والعطاء).
- ضرورة الإيمان والإخلاص وبدل الجهد الفردي قبل انتظار الجهد الجماعي، فالدعوة أمر الله ومشروع شخصي قبل أن تكون مشروعا جماعيا، وهو القائل سبحانه:”أدعو إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة” وهو القائل كذلك:”ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين”،(والعمل من أجل الناس رياء وتركه بسببهم شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما).
- مرافقة العلماء وكتب العلم وفقه الواقع الدعوي والاجتماعي والسياسي على السواء، والإلمام بمنازل الإصلاح وأساليب الدعوة وأشكالها ومجالاتها..
- الأخذ بعلم النفس التربوي وخطواته في التنمية البشرية وعلم التواصل وفقه الإصلاح وإكراهاته..، فهي المفاتيح للنفوس وما أدراك ما النفوس..مريضة وصحيحة..مفتوحة ومغلقة..مقتصدة وظالمة..سابقة بالخيرات وأمارة بالسوء إلا ما رحم الله.
- ضرورة الوعي بالذات ومعاجلة أعطابها النفسية، انطلاقا من الكتاب والسنة و التدريبات المعاصرة، وعدم المبالغة في الرقابة الذاتية، التي تحدث النفس بأنها لا تستطيع فعل شيء رغم كون ذلك في الحقيقة بمقدورها ومن حقها.
- الحرص على فضيلة العمل الجماعي، والتعاون على الخير مع الغير، فالمرء ضعيف بمفرده قوي بإخوته، والنجاة جماعية ومؤسساتية قبل أن تكون فردية، وواهم من يعتبر الدعوة: “قل كلمتك وامشي” أو بإمكان الفرد أن ينجز ما تعجز عنه الجماعة والدولة؟؟.
- الحرص على الدورات التكوينية والعمل بالمخططات والبرامج والحملات الدعوية في أي تخصص يرى فيه المرء نفسه، تربوي أو اجتماعي أو تدافعي أو خدماتي..وكلها من أجنحة الدعوة النافعة بإذن الله.
- مراجعة بعض المسلمات في الأعمال الدعوية، أو على الأصح تطويرها وتدارك ما يعتريها من انحراف أو تقصير أو نمطية متجاوزة، إن على مستوى الرؤى والمنطلقات أو على مستوى الوسائل والخدمات (العمل الاجتماعي نموذجا).
- استحضار ما يقدمه الآخرون لقضاياهم الدينية..اللغوية..السياسية..الرياضية..من مجهودات وتضحيات جبارة ومنظمة و واسعة..، بل في تاريخ الأنبياء والصحابة رضوان الله عليهم مع الدعوة وتضحياتهم من أجلها أجل العبر وأخلدها.
- الاعتزاز بالإسلام وشرف الدعوة ، والتغلب على الهزيمة النفسية التي قد تذهب بالبعض إلى أن يخجل من إظهار كل ما يمت للإسلام بصلة، فبالأحرى الدعوة إليه وفي إطار حركي. أو يعيش ببعض الإسلام في حدوده دون أن يعمل ويدعو له وهو يعتبره خير وأفضل، كما يصبح من اللازم على الدعاة والحركات الدعوية اعتماد المدخل الحقوقي للدفاع عن حرية الناس وكرامتهم وعدالتهم الاجتماعية..، وكلها مما يقيدهم إلى خشاش الأرض والرفض ولا يدعهم يحلقون في رحابة السماء والاستجابة للطاعات والخيرات؟؟.
وأخيرا:
ينبغي أن نستحضر بالأخص خطورة العوائق النفسية على الناس، وكيف تقعد أصحابها عن العمل، بل كيف يمكن أن تنحرف بهم ضد دعوتهم ، أو تدمرهم وتغرقهم في متاهات الدنيا وهذا أخطر.
- لقد تحدثت عن ذلك سورة الروم في مقدمتها.
- وتحدث عنه الحديث: ” نصرت بالرعب مسيرة شهر”.
- وتحدثت عنه قصة الفيل الذي ظل ساكنا رغم فك قيوده، بل وقصة الحمار الذي قاوم الانطلاق بشدة لاعتقاده بوهم ربطه وهو غير مربوط.
- وتحدثت عنه مسرحية “مريض خاطرو” للمسرحي المبدع الراحل أحمد الطيب لعلج.
- وتحدثت عنه قصة النسر الذي ترعرع وسط عشة الدجاج، فلا هو نسر ولا هو دجاج.
ولنتذكر أن كل هذا من كيد الشيطان الذي يزينه للناس، وكان كيد الشيطان لو رأيتم وجربتم ومارستم أضعف من ضعيف، نعم إن حلاوة ممارسة الدعوة وتيسير الله تعالى وتوفيقه لممارسيها المخلصين المتوكلين لا تعدلها حلاوة، كما أن هناك تناقض في الموضوع، إذ بقدر ما تنحصر الدعوة ويتقاعس البعض ويفتر عن ممارستها، بقدر ما ينتشر المد الإسلامي عبر العالم قاطبة، والله متم نوره ولو كره المشركون، الإشكال إشكالنا إذن، والدعوة فردية كانت أو جماعية، تعليمية وتبليغية أو خدماتية وتدافعية، أو رسمية أو مدنية كانت، هي في الحقيقة مشروع شخصي قبل أن يكون جماعي، فلماذا لا نتعامل معها كما نتعامل مع مشاريعنا الشخصية التي نبذل من أجلها الغالي والنفيس ولا يرتاح لنا بال حتى نتملكه بأي كان وعلى أي مدى كان ومع من كان، الدعوة سارية والصحوة ممتدة بذل ذليل أو عز عزيز ولكن فقط، بأي قدر نساهم في ذلك؟؟، قال تعالى:” وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” البقرة / 110 .