“عجلة القدس” و”التطويب” أساليب الاحتلال في القدس لخنق الفلسطينيين وفرض وقائع تهويدية في المنطقة
مشروع “عجلة القدس”
تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي وأذرعها، سعيها الحثيث لطمس المعالم الإسلامية والعربية لمدينة القدس المحتلة، وتشويه آثارها وتاريخها العريق، من خلال مشاريعها الاستيطانية المختلفة، من مثل “وادي السيليكون” و”الحدائق التوراتية” و”E1″ وغيرها الكثير، بهدف تغيير معالم المدينة المقدسة، وتطويقها من الخارج بحزام استيطاني متصل.
ومن أضخم هذه المشاريع “عجلة القدس” والذي تعتزم “جمعية إلعاد الاستيطانية” تنفيذه على سفوح جبل المكبر، وذلك على غرار دولاب لندن المسمى “لندن آي”، ضمن تنفيذها لمخطط “السياحة الاستيطانية” في أكثر من 45 موقعا في القدس المحتلة، وتحدد “إلعاد” أهدافها بالجملة التالية “تعزيز العلاقة اليهودية في القدس عبر الأجيال، من خلال الجولات، والإرشاد، والإسكان، وإصدار مواد ترويجية”.
مشروع “عجلة القدس”، والذي يراد له أن يكون أحد أبرز المعالم السياحية الاستيطانية في القدس، عبارة عن عجلة سياحية ضخمة أو دولاب هواء دائري الشكل، على ارتفاع 50 مترا، يوجد به 32 عربة صغيرة متصلة ببعضها البعض، تتسع لحمل 15 ألف شخص يوميًّا من المستوطنين والسياح الأجانب.
ويشمل المشروع 12 ساحة على مساحة 15 دونمًا، والتي صودرت في يناير 2019، تتضمن ألعابًا وسلسلة منزلقات سياحية وحديقة منحوتات ومركز موسيقى ومسارات أخرى لربطها بمسار وروايات تلمودية دينية، حيث يمكن للشخص ركوبها لمشاهدة معالم القدس حتى مسافة 50-60 كيلو متر في المتوسط، مثل البلدة القديمة والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وغيرها من المعالم.
وبعد الانتهاء من هذه الساحات، يوجد مسار ينقل الزوار إلى البلدة القديمة، وتحديدًا باب المغاربة عن طريق حي الثوري ووادي الربابة وغيرها من المسارات التلمودية المعروفة وصولًا إلى البلدة القديمة، وسيضعون أدلاء تابعين لجمعية “العاد” الاستيطانية، لغسل أدمغة زوار تلك المنطقة بعد أخذهم في جولة إلى المعالم التي تم تهويدها، بالإضافة لترويجهم لروايات توراتية حول تاريخ القدس ومعالمها.
ولم يأت اختيار جبل المكبر لإقامة “عجلة القدس” عبثا، وإنما بهدف تزوير التاريخ والحضارة الإسلامية. خاصة لما يتمتع به هذا الجبل من قيمة تاريخية ودينية وأثرية عندنا نحن الفلسطينيين والمسلمين. فهو الموقع الذي وقف وكبّر عليه الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما جاء لاستلام مفاتيح القدس من البطريرك صفرونيوس في 13 رمضان 15 هجري.
وفيه أيضًا البئر الشهير المعروف “بئر زين الدين” وهو خادم عمر بن الخطاب والذي سيطمس كذلك. وهو بئر تاريخي نظرا لوجود حادثة تاريخية تهمنا كفلسطينيين وعرب ومسلمين. ولذلك فهذا المشروع هو مشروع تهويدي بامتياز ولذا لم يوضع في غرب القدس، وإنما وضع في شرقها، بهدف فرض وقائع تهويدية في المنطقة وتغيير معالمها، التي يسعون من خلالها لمسح هوية مدينة القدس.
إقرأ أيضا: بأغلبية أعضائها.. الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد 4 قرارات تتعلق بالقضية الفلسطينية |
أسلوب “التطويب”
ومن الأساليب التي يستعملها الاحتلال التي تستهدف تهويد القدس، أسلوب “تطويب” أراضي القدس المحتلة لحسم مستقبل الفلسطينيين في شرق المدينة المحتلة، بواسطة مصادرة ممتلكات مقدسيين وفلسطينيين تعرف بأراض “الغائبين”، يسعى من خلالها لفرض سياسة الأمر الواقع فوق أراضي المدينة المحتلة عامةً وأجزائها الشرقية والبلدة القديمة والمسجد الأقصى للمساومة عليها في أي مرحلة مفاوضات مقبلة.
ويعود مخطط الاحتلال لمصادرة أراضي القدس منذ عام 1967م حين احتل المدينة ومن يومها. وهو يسعى للسيطرة على “أملاك الغائبين” أو ممتلكات، وأراضي لمواطنين مقدسيين وعرب يتواجدون خارج مدينة القدس حالياً.
وسيجري وفق إجراءات “الطابو” الجديدة مصادرة 95% من تلك الأراضي للتحول بشكل كامل تحت السيادة الإسرائيلية، ولا يملك أصحابها الحق في التصرف بها أو الإقامة فوقها.
ويستخدم الاحتلال مصطلح “تسوية الأراضي” لإنهاء آمال الفلسطينيين بتثبيت وجودهم فوق أراضي القدس المحتلة التي تضم “أملاك الغائبين” أو مالكين يعيشون الآن خارج القدس، أو توفاهم الموت، وأقام الاحتلال مستوطنات فوق أراضيهم.
وأصدر الاحتلال عام 2018م ملف “تسوية الأراضي” على لسان وزيرة العدل الإسرائيلية “إيليت شاكيد” في كامل مدينة القدس وأحواضها ومناطق تجاور مستوطنات، وبعض المستوطنات مستهدفا بشكل أساسي الجزء الشرقي من القدس.
ويعد تسجيل الأراضي في القدس المحتلة وفق إجراء “الطابو” المرحلة الأخيرة من تهويد كامل المدينة المقدسة خاصة الشطر الشرقي منها ومصادرة نهائية لملاك يتواجدون خارج القدس أو ضمن “أملاك الغائبين”. ومن الأمثلة الحاضرة على مصادرة الأراضي في القدس ومناطق ج استخدام ذريعة البناء بدون ترخيص تمهيداً لإكمال مخطط ضم كامل مناطق “ج” وأهمها أجزاء من القدس.
الظهور بمسميات “التسوية” أو “تطويب” الأرض في مناطق “ج” والقدس المحتلة شكل مستحدث لمصادرة الأراضي بذرائع قانونية وتحويلها لأراض دولة إسرائيل وبذلك يحسم الاحتلال مستقبل شرق القدس ومناطق الخان الأحمر وما يجاوره. كما يستخدم الاحتلال أسلوب إجبار المقدسيين على دفع ضرائب بأثر رجعي يعود لعام 1967م بمبالغ تزيد عن ثمن قيمة الأرض نفسها حتى يعجزوا عن الاحتفاظ بأرضهم.
ورغم مخالفة أسلوب “التطويب” للقانون الدولي إلا أن 5% فقط من أراضي القدس مسجلة في حين تشغل الأراضي المدرجة تحت مسميات عامة وأملاك غائبين مساحة كبيرة يحاول الاحتلال التلاعب في ملكيتها.
وتصنف أراضي القدس المحتلة من حيث مبدأ “التسوية” لأربعة أنواع: أولها أراض جرى تسويتها تسوية نهائية، وأخرى جرى تسويتها جزئيا، وثالثة بقيت دون تسوية، ورابعة مستثناه من التسوية، مما سهل الاستيلاء على 88% من أراضي القدس منها 35% لصالح الاستيطان.
وكان الاحتلال أقام في السنوات القليلة الماضية عدة أحياء استيطانية دون ترخيص. وقد منحها خلال الفترة الماضية تراخيص بأثر رجعي، وفق مبررات قانونية تخالف مخالفة صريحة القانون الدولي ووضع القدس القانوني منذ احتلالها عام 1967م.
ما يجري إذن هو عملية خنق للفلسطينيين. فمن خلال هدم المنازل وعدم منحهم تراخيص البناء بهدف إفقادهم الأمن الاجتماعي والإنساني. وهدم المحلات التجارية لإفقادهم الأمن الاقتصادي، يهدف الاحتلال من خلالها، إلى عزل القدس عن فضائها الجغرافي والديموغرافي في الضفة الغربية. وتحويل القدس إلى بيئة طاردة لسكانها الأصليين لتكريس الأغلبية الصهيونية فيها من جهة، ولكبح قدرة الجماهير المقدسية على التصدي لمشاريعه الاستيطانية والتهويدية من جهة أخرى. ولتكريس القدس نموذجا جاذبا للاستيطان، ولإعادة صياغتها بما يوافق دعايته الصهيونية وادعاءاته الأيديولوجية.
س.ز / الإصلاح