في قرار تاريخي.. المحكمة الإدارية العليا بتركيا تلغي تحويل “آيا صوفيا” من مسجد إلى متحف
ألغت المحكمة الإدارية العليا، في 10 يوليوز الجاري، قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 24 نونبر 1934، والقاضي بتحويل “آيا صوفيا” باسطنبول من مسجد إلى متحف، وبالتالي فتح الطريق أمام إعادته الى مسجد مجدداً في قرار يعد تاريخيا في معلمة إسلامية شهدت فتوحات إسلامية داخل أوربا.
وجرى تشييد آيا صوفيا ككنيسة، حسب معطيات إعلامية رسمية جرى في عهد الإمبراطورية الرومانية الشرقية (395 – 1453) بالعاصمة بيزنطة (إسطنبول)، قبل تدميره على يد الإمبراطور الروماني سيبتيموس سيفيروس.
أعيد بناء الكنيسة مجددًا في عهد الإمبراطور الروماني قسطنطين الثاني عام 360، باسم كنيسة آيا صوفيا (الحكمة المقدسة)، ليتم تدمير المبنى للمرة الثانية بعد 44 عامًا، خلال تمرد لسكان المدينة جاء بسبب إقامة تمثال من الفضة لأفدوكيا، زوجة الإمبراطور الروماني الشرقي أركاديوس، أمام آيا صوفيا.
وفي عهد الإمبراطور ثيودوسيوس الثاني، الذي تولى بعد أركاديوس، جرى إعادة بناء أياصوفيا ليتم افتتاحه رسميًا عام 415، واستمر بناء آيا صوفيا كأكبر كنيسة في بيزنطة حتى عام 532، حيث تعرض للحرق والتدمير في العام المذكور خلال “تمرد نيكا” في عهد جستنيان الأول.
تم إعادة بناء آيا صوفيا في 5 سنوات
وبعد 39 يومًا من تمرد نيكا، شرع الإمبراطور جستنيانوس (جستنيان الأول) بإعادة بناء آيا صوفيا، لتكتمل أعمال البناء عام 537.
شارك في أعمال البناء نحو 100 مهندس معماري يعملون مع اثنين من كبار المهندسين المعماريين، ووضع 100 عامل تحت تصرف كل مهندس معماري.
جرى إعادة تشييد المبنى في فترة قصيرة بلغت 5 سنوات و10 أشهر، باستخدام الطوب بدلاً من الخشب، نظرًا لمقاومته الظروف الجوية والحرائق.
وطلب جستنيانوس من الولاة والملوك الخاضعين لإدارته إرسال أجمل وأجود أنواع الرخام لاستخدامها في بناء كنيسة أيا صوفيا.
سارع الولاة والملوك إلى إرسال أفضل الأعمدة الرخامية والقضبان والنوافذ التي انتزعوها من المعابد والحمامات والقصور من جميع أنحاء الإمبراطورية، وضمان وصولها إلى إسطنبول.
جرى اتباع النمط الفارسي في بناء آيا صوفيا، واستخدام نموذج “أرجل الفيل” المبنية من الحجر الجيري الكبير واستخدام الطوب في بناء الجدران والطوب المصنوع من تربة جزيرة رودس المميز بخفة وزنه في بناء القبة الكبيرة.
كانت الزخارف الداخلية مبهرة مثل قبة آيا صوفيا، وأقيم حفل افتتاح الكنيسة في 27 دجنبر537 بمشاركة الإمبراطور جستنيانوس الأول.
وبعد افتتاح الكنيسة بـ 20 عاما، ضرب اسطنبول زلزال أدى إلى تضرر القبة والجزء الشرقي من البناء عام 558، ما دفع المهندسين وقتئذ إلى ترميمها وتزويدها بدعائم، وفتح أربعين نافذة فيها (القبة) لتخفيف وزنها.
وخلال الحملة الصليبية الرابعة، نهب الجنود المشاركون في الحملة آيا صوفيا بعد الاستيلاء على إسطنبول، ثم تحولت إلى كاتدرائية تابعة بالكنيسة الكاثوليكية في روما.
وعندما استعاد البيزنطيون السيطرة على آيا صوفيا مرة أخرى عام 1261، كان البناء في حالة خراب ودمار، ما دفع الإمبراطور أندرونيكوس الثاني إلى تمويل أعمال ترميم البناء وإضافة 4 جدران استنادية إلى الأجزاء الشمالية والشرقية من المبنى.
لم يتمكن بناء آيا صوفيا من الحفاظ على شكله الهندسي الأصلي، بسبب أعمال إعادة البناء والترميم المستمرة على خلفية الكوارث الطبيعية والغزوات والحروب التي شهدتها المنطقة.
آيا صوفيا رمز للفتح
حول السلطان العثماني السابع محمد الثاني، مبنى آيا صوفيا الذي قدم خدمات العبادة للمؤمنين لمدة 916 عامًا، من كنيسة إلى جامع، بعد فتح إسطنبول في 29 ماي 1453.
وصلى محمد الثاني، الذي حمل بعد معركة الفتح لقب “الفاتح”، أول صلاة جمعة في آيا صوفيا بعد الفتح بتاريخ 1 يونيو 1453، مع الحفاظ على القيمة التاريخية والدينية التي منحت لآيا صوفيا خلال الفترة البيزنطية.
وخلال الفترة العثمانية، أضاف السلطان محمد الفاتح منبرًا ومحرابًا يليقان بآيا صوفيا، وأنشأ في المسجد الجامع مدرسة ومكتبة، فيما لم يوفر السلاطين أي جهد مادي ومعنوي من أجل الحفاظ على آيا صوفيا، معتبرين هذا المسجد كـ “رمز للفتح” لا بد من حمايته والمحافظة عليه.
كما شهد جامع آيا صوفيا، خلال العهد العثماني، إضافة مجموعة من المباني تشمل منابر رخامية، ومحفلًا للمؤذنين، وكرسيًا للوعظ، كما جرى تنفيذ مجموعة من أعمال إصلاح وصيانة واسعة النطاق وتزيين الجزء الداخلي منه بلوحات من الخط العربي والشمعدانات.
تحول آيا صوفيا إلى متحف
بعد انهيار الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية، جرى إغلاق آيا صوفيا أمام المصلين ما بين 1930-1935 بسبب أعمال الترميم، التي جرى تنفيذها بأمر من الغازي مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية.
خلال أعمال الترميم، جرى تنفيذ عمليات ترميم مختلفة وإحاطة القبة بحزام حديدي داعم جديد، وتنظيف الفسيفساء، أعقب ذلك قرار لمجلس الوزراء بتاريخ 24 نونبر 1934 بتحويل آيا صوفيا إلى متحف.
دخلت آيا صوفيا قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1985، بعد أن قدم خدماته للمصلين كمسجد من 1453 إلى 1934، قبل تحويله إلى متحف.
وألغت المحكمة الإدارية العليا في تركيا، الجمعة، قرار مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 24 نونبر 1934، القاضي بتحويل “آيا صوفيا” باسطنبول من مسجد إلى متحف.
وفي 2 يوليوز الجاري، استمعت المحكمة إلى الأطراف المعنية، في إطار قضية رفعتها جمعية معنية بحماية الأوقاف التاريخية، لإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934 الخاص بتحويل مسجد آيا صوفيا إلى متحف.
وعقب الانتهاء من النظر في القضية، قررت الغرفة العاشرة في المحكمة الإدارية العليا، إلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر عام 1934.
وأشارت المحكمة الإدارية العليا في قرارها إلى امتلاك “وقف السلطان محمد الفاتح” لـ”آيا صوفيا” وتقديمه كجامع لخدمة الشعب.
وأوضحت أن الحقوق والممتلكات غير المنقولة التابعة للوقف الخاضعة للحماية منذ زمن طويل لا تشكل عائقا أمام استخدامها من قِبل المجتمع الذي قُدمت له.
وأضافت أنه تم التوصل إلى نتيجة بأنه لا يمكن من الناحية القانونية استخدام “آيا صوفيا” بغير “صفة مسجد” الواردة في وثيقة الوقف أو تخصيصها لأغراض أخرى.
وأكدت المحكمة الإدارية أنها درست القضية من حيث التشريعات ذات الصلة، والمحكمة الدستورية، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان.
وفي 24 يونيو 2005، رفعت “جمعية خدمة الأوقاف والآثار التاريخية والبيئة”، أول قضيتها إلى المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن، مطالبة بإلغاء قرار مجلس الوزراء الصادر في 1934.
غير أن الغرفة العاشرة في المحكمة الإدارية العليا رفضت حينها طلب الجمعية، بدعوى أن استخدام “آيا صوفيا” كمتحف لا ينتهك القانون.
وبعدها صادق مجلس غرف القضايا الإدارية في المحكمة الإدارية العليا على قرار الغرفة العاشرة، غير أن الجمعية عاودت وفتحت القضية لدى المحكمة الإدارية العليا في العام 2016 –
الإصلاح – وكالات