سالم الشيخي يكتب: العلماء وتقلبات النفوس
مكاشفات (1)
العلماء والمفكّرون وطلبة العلم الشرعي بشرٌ كغيرهم من البشر عُرضة لبعض التوتّرات والاعتلالات النفسيّة، وليست لديهم براءة من ذلك، وقد يصعب على الإنسان أن يميّز أثر ذلك فيما يكتبون أو يقولون .
المواقف المكتوبة والمسموعة قد تساعد الإنسان على تلمّس بعض أثار التوتّرات النفسيّة لهؤلاء الفضلاء، فالنظرة السوداويّة المطلقة، والمبالغة التي تصل إلى حدّ الفوبيا من مسألة معيّنة فقهيّة أو نحوها، والردود المتوتّرة الزائدة عن حدّ العلم وآدابه، واختلال ميزان المحبّة والعداوة خارج إطار الشرع وقيمه، إضافة إلى التوتّر في العلاقات مع الآخرين فمرّة يقبلون على الآخر بكلّ قوة ورقّة وحنان، وفي لحظة دون أيّ سبب يدبرون بكلّ شدة وقسوة وغِلظة، كل ذلك علامات لا ينبغي إهمالها في هذا الباب.
كنت في المدينة النبوية – على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم – أيام الطلب منذ أكثر من ربع قرن أحاور أحد الأصدقاء- وهو من أكبر الأطباء في روسيا قديمًا، وكان من طلبة العلم الشرعي- حول كتاب قد خرج فيه صاحبه المعاصر- وهو من روّاد مدرسة التجريح في مناهج الكتابة والتأليف فضلًا عن مناهج العلم وآدابه- فقلت له: هذا الشخص يحتاج إلى جلسة علميّة لحواره، فقال: ما أراه أنه يحتاج إلى جلسة نفسيّة لعلاجه .
أعود فأقول إنّ دراسة البعد النفسي وآثار التوتّرات النفسيّة في ما ينتجه العلماء والمفكّرون تحتاج إلى وقفة علميّة موضوعيّة، فالكآبة وآثارها، والقلق النفسي وأبعاده، والبيئة المحيطة وقدرتها على الحفر في نفسية الإنسان، والعلاقات الزوجيّة التعيسة وما تجلبه من ارتباك نفسي ، والنشأة في الصغر في أسرة يغلب عليها التوتّر والاضطراب وأثر ذلك في نفسيّة الإنسان، ونحو ذلك مما قد يؤثّر في الإنسان عمومًا لا ينبغي إغفاله عند دراسة بعض ما نقرأه من منتجات علميّة وفكريّة قديمة أو معاصرة .
سئلت يومًا عن أهمّ ما يميز شخصيّة شيخنا الشيخ يوسف القرضاوي وشيخنا محمد الحسن ولد الددو – حفظهما الله – فقلت الاستقرار النفسي وعمق البعد الإنساني عند كليهما، وقد كان السائل ينتظر منّي أن أعدّد له ما يحفظانه أو يتقنانه من العلوم، فقلت له هذا معلوم اليوم بداهة أمّا الذي يغيب عن كثير من طلبة هو الاستقرار النفسي لديهما الذي يظهر بوضوح في مواقفهما تجاه الآخرين ممن يوافقونهما أو يخالفونهما، ممن يناصرونهما أو يعادونهما.
أعود فأقول إنّ التوترات والانفعالات النفسيّة والنشأة وآثارها، والمحيط الأسري بكلّ أبعاده وأنماط العلاقات الاجتماعية كلّ ذلك يؤثر في العالم والمفكر كما يؤثر في الناس من حولهم، وعلى العالم والمفكر حين يجد نفسه في مثل هذه الأحوال أن يتمهّل قليلًا قبل أن يُخرج للناس ما عنده لعلّه ما إن يستقر نفسيًّا ويهدأ قلبيًّا ويرتاح فكريًّا حتى يغيّر ما كتب أو يؤجّل النظر فيه إلى أن يحين وقته المناسب .
الدكتور سالم الشيخي