تأملات في العمل المدني – سعيد طلبي
الحق أن جائحة ” كورونا” وما لزمها من “حجر صحي” فرصة للتأمل والتفكر وإمعان النظر، وفرصة لإعادة القراءة والتشكل وإعادة ترتيب الأمور.
والحق، كذلك، أن مجموعة من الأفكار والخواطر كانت تراودني في مجال الاشتغال في العمل المدني، تفكيرا وممارسة، لكنها لم تكن تستوقفني كما استوقفتني في هذه الظرفية وأنا أرى تحرك المجتمع المدني في ظل هذه الجائحة تكافلا وتضامنا ومساعدة وتكيفا ومواكبة واستغلال كل متاح، سواء أكان ذلك في الواقع أوفي العالم الافتراضي، بالإضافة إلى ما تيسر من قراءة وتتبع بعض ما يكتب حول العمل المدني فتعزز من تلك الأفكار ما تعزز وتجلى من تلك الخواطر ما تجلى .
انطلاقا من كل هذا وذاك سيتم عرض مجموعة من الأفكار والخواطر للتقاسم والتشارك مع من ينشغلون بالعمل المدني ويأخذ منهم كبير اهتمام :
- ضرورة تحرير القصد وإخلاص النية لله، ونحن نتحرك في المجتمع، وننشغل بهموم الناس وخدمتهم، سواء بمحو أمية الأمي أو تثقيف وتعليم الجاهل، أو مساعدة وإعانة المحتاج والمعدوم، أو احتضان الأرملة أو تكفل باليتيم، أو توسط لمن لا حيلة له، أو رفع الظلم عن المظلوم، أو الترافع من أجل إحقاق الحق، أو إنجاز مشاريع تنموية بالمدينة أو القرية، أو الترفيه عن الناس وإدخال السرور عليهم وعلينا ونحن نقوم بهذا، وغيره كثير، أن نستحضر الهدي الإسلامي ونستصحب قول الرسول صلى الله عليه وسلم ” أحبكم إلى الله أنفعكم لعياله”، وأن إدخال السرور على قلب مسلم وقضاء حاجته من أعظم القربات وأحب الأعمال إلى الله ؛
- تجلى الدور الفعال الذي قام به ويقوم به المجتمع المدني قبل الجائحة، وازداد دوره وازدادت الحاجة إليه في الجائحة، فتبين أن الدولة لا يمكنها أن تدير شؤون المواطن في مختلف المراتب والمجالات إلا بإشراك المجتمع المدني وفسح المجال أمامه ليقوم بوظيفته التكميلية في الميادين الاجتماعية والثقافة والتحسيسية والتوعية من أجل الإطمئنان والشعور بالأمن …..عوض القيام بإقصائه وتهميشه وتبخيس دوره أو مزاحمته أو التشكيك فيه ؛
- يلزم، ليقوم المجتمع المدني بأدواره الدستورية، أن يكون قائما على المأسسة والتدبير المؤسساتي وليس على الشخصانية .
- كلما تجسدت، في مؤسسات المجتمع المدني، مفاهيم الديمقراطية الداخلية والحكامة والتدبير التشاركي وغيرها من المفاهيم ذات البعد المؤسساتي، كلما كان دوره كبيرا وتدخله حاسما، وصار قويا قادرا على التدافع والترافع حول القضايا المجتمعية والمشاركة في التشاور العمومي وهو مسند بقوة دفع داخلية ؛
- وبالتبع يجرنا الكلام إلى ضرورة تخليص مؤسسات المجتمع المدني من بعض الوصوليين الذين يتخذون العمل في المجال المدني مطية لأغراض ومكاسب لا علاقة لها بنبل وأهداف العمل المدني .
- كم من مسيرين لهيئات المجتمع المدني ليس لهم علاقة بالمجال ولا يفقهون في العمل الجمعوي شيئا، هم فقط أشخاص لهم نفوذ مادي أو معنوي جعلوا من المؤسسات المدنية مقاولة من المقاولات .
- إن وجود مثل هذه الهيئات ومثل هؤلاء المسيرين يضعف العمل المدني ويؤثر على مصداقيته، وحينها سنتحدث عن “أشكال أشباه المجتمع المدني ” كما عبر الأستاذ عبد الرحيم العطري أستاذ علم الاجتماع (في ندوة ناقشت موضوع “مستقبل المجتمع المدني في ظل التحولات الراهنة ” – هسبريس 15 أبريل 2017 -)
- مسألة تحتاج إلى حسم وجرأة وهي الكيفية والصيغة التي نجد د بها النهوض بالعمل المدني والفصل في التداخل، ما أمكن ذلك، بين الفعل المدني والفعل النقابي والسياسي من أجل الانحياز التام إلى خدمة المواطن، وتلبية حاجياته المذكورة سلفا، والارتقاء به واحترام إنسانيته وكرامته، وليس بالضرورة أن ينال رضى الجهات الرسمية أو غير الرسمية ؛
- إن الأداء الذي قام به المجتمع المدني أثناء “الحجر الصحي” في العالم الافتراضي واستثمار الرقمنة، من حيث الوساطة أو المساعدات الاجتماعية أو المواكبة أو الحملات التحسيسية والتوعوية، إلى غير ذلك من أشكال الأداء والتنسيق، وظهور هذه الروابط الجديدة في العالم الافتراضي بهذه القوة وبهذا التأثير( التصدي لقانون 22- 20 نموذجا) كل هذا الأداء وكل هذا الزخم قد يغير من ملامح المجتمع المدني التقليدي وقد يحجم من دوره …؛
- لقد تبين كيف استطاع المجتمع المدني بإمكانياته الذاتية وجهود العاملين فيه، وبمبدأ التكافل والتضامن والتعاون، وبما أبدع ،بفضل ذكائه الجماعي، من أشكال وصيغ العمل، كيف استطاع مستثمرا كل هذه الإمكانيات أن يحافظ على هويته الوطنية، فليس من الضرورة، إذن، أن ترهن مجموعة من هيئات المجتمع المدني دائما عملها بالمساعدات الخارجية للجمعيات والمنظمات الأجنبية، كما أن المجتمع المدني بفضل ما ذكر يستطيع أن يبقى متشبثا دائما بإحدى ثوابته وهي التطوعية .
- أخيرا، ولتجاوز بعض العيوب والاختلالات التي ظهرت واتضحت في هذه الفترة، يلزم تجاوز منطق التشرذم والعمل الانفرادي والانتصار إلى منطق التشبيك والتكامل وتقاسم الأدوار.
- هذه وجهة نظر تضمنت بعض الاستنتاجات من خلال ما تيسر من تتبع أداء المجتمع المدني في هذه الظرفية ومن خلال ما تيسر من الاطلاع على بعض ما كتب قد تكون قريبة من الصواب أو بعيدة عنه .
سعيد طلبي