من فقه الصيام “الصيام والتكافل الاجتماعي”
أستهل مقالتي المختصرة بالحديث النبوي الشريف الذي يشرح فعلاً من أفعال رسول الله الكريم الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد روى الصحابي الجليل عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- قائلاً: “كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة” متفق عليه.
فقد كان -عليه الصلاة والسلام- أجود الناس أي كريماً معطاءً يجود بالمال وبغيره من خلال افعاله وأقواله حيث لا يخشى الفقر فإنه -عليه الصلاة والسلام- كان رائداً في التكافل الاجتماعي وكان قدوة للصحابة الكرام – رضي الله عنهم- ليكونوا فاعلين في المجتمع من حيث الجود والسخاء والحفاظ على التكافل الاجتماعي في المجتمع بل إنه عليه الصلاة والسلام قدوة للمسلمين جميعهم في العالم في كل زمان ومكان. وهناك مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على التصدق والسخاء والانفاق في رمضان وفي غير رمضان لكن يكون التصدق في شهر رمضان بارزاً واضحاً أكثر من الأشهر الأخرى لأن الثواب في شهر رمضان يكون -كما هو معلوم- مضاعفاً ومضاعفاً.
ومن هذه الأحاديث النبوية الشريفة قوله -عليه الصلاة والسلام- “مَنْ فطّر صائماً أو جهّز غازياً فله مثل أجره” أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن الصحابي الجليل زيد بن خالد الجهني -رضي الله عنه- كما أخرجه أحمد مع اختلاف في اللفظ. وفي رواية “من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء”.
وفي حديث نبوي شريف آخر: “ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً.
ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً” أخرجه البخاري في الأدب عن أم المؤمنين الصديقة عائشة -رضي الله عنها-. كما أخرجه مسلم والبيهقي عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه. فهذا الحديث الشريف يتضمن وعداً ووعيداً.
فهو يحث على الإنفاق في طاعة الله، وينفّر من البخل ومن الامتناع عن الإنفاق.
وقد ورد لفظ (الخلف) في هذا الحديث بصيغة عامة دون تخصيص فيكون التعويض والبدل في الدنيا كما يكون في الآخرة، ويكون أيضاً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالله عز وجل يزيد في مال المتصدق في الدنيا حقيقةً أو معنوياً وذلك بوضع البركة فيه، وينال الثواب العظيم في الآخرة.
وكذا الأمر فقد ورد لفظ (التلف) في هذا الحديث النبوي الشريف بصيغة عامة دون تخصيص فيكون الإتلاف في الدنيا بمختلف صور الإتلاف أو يكون بمحق البركة في الدنيا، والإثم في الآخرة.
هذا ويحثنا -عليه الصلاة والسلام- الإسراع بإخراج الصدقة بقوله: “باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة” أخرجه البيهقي عن الصحابي الجليل أنس بن مالك -رضي الله عنه- كما أخرجه الطبراني عن الصحابي الجليل الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ورضي الله عنه.
فإن الصدقة تحمي الإنسان من البلاء أي أن البلاء لا يصيب المتصدق. وفي حديث نبوي شريف آخر: “الصدقة تطفئ الخطيئة، وتقي ميتة السوء” أخرجه أبو داود في سننه والطبراني في المعجم الكبير عن الصحابي الجليل رافع بن مكيث الجهني -رضي الله عنه- أي أن الصدقة تزيل الذنب وتمنع سوء خاتمة الإنسان وهلاكه.
فهذا نداء للصائمين بأن يتصدقوا من أموالهم ففي ذلك تحقيق للتكافل الاجتماعي واستقرار في المجتمع، أخذاً بيد الأسرة المتعففة والأيتام والمسنين…بالإضافة إلى الثواب العظيم والعظيم الذي يناله الصائمون في هذا الشهر المبارك -شهر الصيام-.
والحمد لله رب العالمين.
الشيخ الدكتور عكرمة سعيد صبري