رمضان مرآتي – الزهرة لكرش
طيلة أيام السنة نجد الشماعة التي نعلق عليها أخطاءنا وضعفنا وتقصيرنا، فيكون الشيطان الرجيم المتهم الأول في القضية وأنفسنا بريئة براءة الذئب من دم يوسف.
ويأتي رمضان ليكون المرآة التي تعكس لنا مكامن الضعف والنقص فينا، مرآة يهديها لنا رب العزة مرة في كل عام لنرى أنفسنا بوضوح ونطلع على عيوبنا بجلاء فهو شهر تصفد فيه الشياطين فلا سلطان لأحد عليك بعد الله عز وجل سوى نفسك التي بين جنبيك.
نتوقف فيها شهرا كاملا للفحص والتزود، فثمة جهاز عالي الجودة ذاك الذي يعطيك صورة داخلية واضحة تظهر كل خلل لتعكف بعدها على الإصلاح الشهر كله ومن تم تتزود لتخرج من هذه المحطة جاهزا للانطلاق متخففا من كل الأثقال التي كانت تشدك إلى الأرض شدا.
ليكن توقفنا فيها توقفا إيجابيا، لتكون انطلاقتنا بعدها انطلاقة متميزة بكل المقاييس، فنخرج منها بحلة جديدة متجددة نفسيا جسديا فكريا وإيمانيا. فشهر رمضان شهر الخيرات والبركات فلنغنم من هذا الخير وننهل من تلكم البركة. إنه شهر نزول القرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، فلنعد بناء علاقتنا مع كتاب الله في هذا الشهر قراءة وتدبرا حتى تتقلص الهوة بيننا وبين كلام ربنا، إنه شهر فيه ليلة هي خير من ألف شهر، فهي ليلة تعدل الأربعة وثمانين سنة تقريبا (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر)، فعبادة واحدة خالصة فيها تعدل أربعة وثمانين سنة من الأداء المتواصل لنفس العبادة. فلنحسن في عبادتنا فيه وخاصة في العشر الأواخر منه لنضمن أجرا وثوابا يجعلنا نرتفع درجات في سلم القرب من الله سبحانه.
كل هذا التميز الذي يحظى به رمضان يجعله بحق محطة يجب أن نوليها من الاهتمام والحرص ما تستحق وألا نفوتها علينا كما نفعل مع كثير من الأمور. فكل رمضان ينقضي لا يعود إلى يوم القيامة فلنحرص أن يكون شاهدا لنا لا علينا، شاهدا على حسن استقبالنا له، شاهدا على حسن أدائنا فيه، شاهدا على حسن أدائنا بعده. ولا نجعله محطة للتفنن في أنواع المأكولات وما لذ وطاب من الحلويات.
ألم نشعر بالتخمة بعد!! فقد أمضينا إحدى عشر شهرا في الاستمتاع بكل أنواع المأكل والمشرب ولا نجعل هذا الشهر الكريم الذي يزورنا مرة في السنة محطة للأفلام والمسلسلات الهابطة التي لن تزيدنا إلا انحدارا. فمن الفتن التي ابتلينا بها أن الإعلام بدل أن يرقى في رمضان أصبح أكثر انحدارا فيه منه في مناسبات أخرى.
لذا فقد آن الأوان أن نعبر عن رفضنا لهذا السقوط بالانقطاع عن مشاهدة كل تفاهة إعلامية تهدف لإبعادنا عن المقصد الحقيقي لهذا الشهر الفضيل، لنحرص على الرقي بسمعنا وبصرنا وجوارحنا حتى نرقى بصيامنا إليه عز وجل. لنجعل رمضان شهر العروج إلى السماء بقلوبنا، شهر الفرار إلى الله من كل ما سواه، شهر التحرر والانعتاق من أغلال الهوى والشهوات.
الزهرة الكرش