“المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث” يصدر “أحكام الصيام ومستجدّاته في ضوء نازلة فيروس كورونا كوفيد-19“ لمسلمي أوربا
أصدر المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث عددا من “أحكام الصيام ومستجدّاته في ضوء نازلة فيروس كورونا كوفيد 19“، خلال انعقاد الجلسةُ التكميليّةُ لدورته الطارئة الثلاثين، عبر تقنية التواصل الشبكي، يومي:20 و21 شعبان 1441ه، الموافق لـ 13 و 14إبريل (نيسان) 2020م، وفقًا لقرار المجلس عقْدَ جلسة تكميليّة لبحث المسائل المتعلّقة بأحكام الصيام ومستجدّاته في ضوء نازلة فيروس كورونا “كوفيد19“، برئاسة سماحة “الشيخ الدكتور/صهيب حسن عبد الغفار” القائم بأعمال رئيس المجلس،
وجاءت هذه الأحكام حسب بيان صادر للمجلس، استجابة لما كثر من الحديث بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عن مدى تأثير الصيام في صحّة الصائمين مع انتشار فيروس كورونا، وبيان الحكم الشرعي للناس بعد أن رجع المجلس لأهل الاختصاص من الأطباء المعروفين، وعاد إلى البحوث الطبيّة الموثقة حول مدى تأثير الصيام في المناعة الصحيّة للجسم، ليؤسس المجلس قراره على أسس علميّة وطبيّة دقيقة.
فضلا عن أسئلة كثيرة -حسب نفس المصدر – وصلت للأمانة حول الصيام، وصلاة التراويح، والعيدين مع استمرار وباء كورونا، وغير ذلك من المستجدّات الفقهيّة في ضوء النازلة الجديدة؛ لأنّه أوّل رمضان يأتي على الناس والشعائر الدينيّة في المساجد معطّلة.
وتأتي هذه الأحكام أيضا حسب البيان في سياق انشغال الفقهاء والمفتين بما أحدثته الجائحة من حراك في ساحة الاجتهاد الفقهي، وأنّ اختلاف المجتهدين في مسائل الفروع أمر محمود ورحمة بالأمة وإثراءٌ للآراء والأفكار، وأنّ المجلس أسهم بحظّ وافر في النظر في تداعيات هذه النازلة باجتهاداته القويمة التي تتأسّس على حماية الثوابت والقطعيّات، مع المرونة في الفروع والجزئيّات، والتيسير على الناس والتخفيف عنهم في النوازل والمستجدّات، وإليكم نص البيان:
البيان الختامي
للجلسة التكميليّة للدورة الطارئة الثلاثين
للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث المنعقدة بتقنية التواصل الشبكي
وذلك يومي:20 و21 شعبان 1441هـ
الموافق:13 و 14إبريل (نيسان) 2020
والمخصّصة للنظر في:
“أحكام الصيام ومستجدّاته في ضوء نازلة فيروس كورونا كوفيد 19“
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد، وعلى إخوانه من النبيين والمرسلين، وآله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، أمّا بعد.. فقد انعقدت بتيسير الله وتوفيقه الجلسةُ التكميليّةُ للدورة الطارئة الثلاثين للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، المنعقدة بتقنية التواصل الشبكي، وذلك يومي:20 و21 شعبان 1441ه، الموافق لـ 13 و 14إبريل (نيسان) 2020م، وفقًا لقرار المجلس عقْدَ جلسة تكميليّة لبحث المسائل المتعلّقة بأحكام الصيام ومستجدّاته في ضوء نازلة فيروس كورونا “كوفيد19“، برئاسة سماحة “الشيخ الدكتور/صهيب حسن عبد الغفار” القائم بأعمال رئيس المجلس، وبحضور أغلبية أعضائه، وعدد من المراقبين، وقد افُتتحت أعمال الجلسة بكلمة ترحيبيّة ألقاها فضيلة “الشيخ/ حسين حلاوة” الأمين العام للمجلس، أبان فيها أهميّة هذه الجلسة ودِقّة ظرف انعقادها؛ حيث كثر الحديث بين الناس وعلى مواقع التواصل الاجتماعي عن مدى تأثير الصيام في صحّة الصائمين مع انتشار فيروس كورونا، ولا بدّ من بيان الحكم الشرعي للناس بعد أن رجع المجلس لأهل الاختصاص من الأطباء المعروفين، وعاد إلى البحوث الطبيّة الموثقة حول مدى تأثير الصيام في المناعة الصحيّة للجسم، ليؤسس المجلس قراره على أسس علميّة وطبيّة دقيقة، كما ذكر فضيلته أنّ أسئلة كثيرة وصلت للأمانة حول الصيام، وصلاة التراويح، والعيدين مع استمرار وباء كورونا، وغير ذلك من المستجدّات الفقهيّة في ضوء النازلة الجديدة؛ لأنّه أوّل رمضان يأتي على الناس والشعائر الدينيّة في المساجد معطّلة، كما شكر كلّ من تعاون مع الأمانة العامّة في ترجمة بيان المجلس إلى اللّغات: الإنجليزيّة، والفرنسيّة، والألمانيّة، والتركية، ثمّ ألقى فضيلة “الشيخ/ صهيب حسن” القائم بأعمال رئيس المجلس بالإنابة كلمةً جدّد فيها الترحيب بالأعضاء، ونبّه إلى أنّ تلك الجائحة شغلت الفقهاء والمفتين وأحدثت حراكًا في ساحة الاجتهاد الفقهي، وأنّ اختلاف المجتهدين في مسائل الفروع أمر محمود ورحمة بالأمة وإثراءٌ للآراء والأفكار، وأنّ المجلس أسهم بحظّ وافر في النظر في تداعيات هذه النازلة باجتهاداته القويمة التي تتأسّس على حماية الثوابت والقطعيّات، مع المرونة في الفروع والجزئيّات، والتيسير على الناس والتخفيف عنهم في النوازل والمستجدّات، وأشار فضيلته إلى جملة من المعاني الإيمانية تفاعلًا مع مشاهد الوباء، كالتذكير بضعف الإنسان أمام قدرة الله، وتَذكُّر فِرار الأخ من أخيه يوم القيامة كلّما شاهد فرار الأقارب من أقاربهم خوفًا من العدوى، وأنّ على الناس أن يتجنّبوا الذنوب والمعاصي كما يتجنبّون الفيروس، ثم توالت الجلسات وتتابع البحث وانتهى المجلس بعد نقاشات مستفيضة إلى الفتاوى والتوصيات الآتية:
أولًا: الفتاوى
فتوى (22/30)
الإفطار في رمضان للوقاية من كورونا بشرب السوائل
السؤال: تداولت بعض المواقع الإخبارية، ووسائل التواصل الاجتماعي معلومة مفادها: أنّه ينبغي للمسلمين تناول السوائل في شهر رمضان؛ حيث إنّ تناول السوائل يمنع جفاف الحلق ويأخذ الفيروس إلى المعدة لتتخلّص منه، كما يحافظ على التوازن في الجسم، ومن ثم يمنع الإصابة بفيروس كورونا؛ فهل يمكن للمسلم الصائم أن يتناول الماء في وقت الصيام ليقي نفسه من الإصابة بفيروس كورونا؟
الجواب: قد تبيّن للمجلس من خلال الاتصال بالأطباء والخبراء، والاطلاع على الدراسات العلميّة الموثقة أن هذه المعلومة التي تفيد بأن الصوم، وما يقتضيه من الانتهاء عن شرب السوائل طول النهار، يزيد من فرص تعريض الصائم للإصابة بوباء كورونا، أنها غير صحيحة، وليس لها أيّ دليل علمي تستند إليه؛ وعلى العكس من ذلك، فإنّ ما أثبته العديد من الدراسات العلميّة هو أنّ للصوم فوائد صحية، ومن هذه الفوائد تقوية المناعة الذاتيّة للجسم لدرء الأوبئة؛ وهو ما يحتاج إليه الإنسان في مثل هذه الظروف الصحيّة الحاضرة.
وأمّا الرّخص الشرعيّة، التي تعني المريض، الذي يتعذّر عليه الصوم بقرار طبّي لما يترتّب على صيامه من ضرر على صحّته فيزيد من مرضه أو يؤخّر برأه، فهي رخص مقرّرة ومعلومة؛ فقد نصّ الفقهاء على أنّ من شروط أداء الصيام الصحّة والسلامة من المرض. قال ابن قدامة:” أجمع أهل العلم على إباحة الفطر للمريض في الجملة، والأصل فيه قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: 184]” المغني 3/16؛ فمن كان مريضًا مرضًا مُزمنًا يمنعه من الصيام فعليه أن يُفطر، ويُطعم عن كلّ يوم مسكينًا، وإذا كان مرضه مرضًا عارضًا مؤقتًا يُرجى شفاؤه ولا يقدر على الصوم برأي طبيبه، فعليه أن يفطر ويقضي ما عليه من أيام أفطر فيها بسبب المرض.
والأخذ بالرخصة الشرعيّة بشروطها مما حثّ عليه الدين تحقيقًا لمبدأ اليسر ورفع الحرج الذي جاءت به الشريعة.
قال تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]، وقال سبحانه بعد بيان الرخصة في الصوم للمريض والمسافر: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185].
وينبغي التنبيه هنا إلى أمرين:
الأول: إذا كان المريض مُصابًا بفيروس كورونا فعليه أن يفطر ويتناول الدواء لأنّه معنيّ بالرخصة الشرعيّة؛ وعليه القضاء، أو الفدية بحسب حاله، فإذا عوفي منه وجب عليه الصيام.
الثاني: على الصائمين في ظلّ انتشار جائحة كورونا أن يلتزموا بالقواعد الصحيّة التي تقتضي منهم التباعد الجسدي، وأن يتوقّفوا- استثناءً- عن بعض ما تعوّدوه في شهر رمضان من الإفطار الجماعي، أو الدعوة لموائد الإفطار إلى حين أن ترفع السلطات الرسميّة الحظر عن مثل ذلك؛ وكذلك على الصائم أن يحرص على الغذاء الصحي المتوازن في شهر الصيام؛ لأنّ ذلك مما يُعزّز عافية البدن- بإذن الله- ويحقّق أثر الصوم في تقوية المناعة الذاتيّة للجسم.
فتوى (23/30)
تأجيل صيام رمضان بسبب كورونا
السؤال: هل بالإمكان شرعًا تأجيل صيام شهر رمضان لهذا العام، حيث يصوم المسلم ثلاثين يومًا حينما يكون في مأمن من الإصابة بالفيروس؟
الجواب: لقد فرض الله تعالى الصيام في شهر معلوم وهو شهر رمضان. قال تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، وقد جاءت السنّة النبويّة في أحاديث كثيرة مؤكّدة توقيت الصيام في شهر رمضان، ومن ذلك الحديث الذي رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” بُني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان” متفق عليه.
ومما يؤكّد- أيضًا- أنّ عبادة الصيام المفروض مُؤقّتة بشهر رمضان، حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمَهُ، فَلْيَصُمْ ذَلِكَ اليَوْمَ» صحيح البخاري (3/ 28)، ومما يمكن استفادته من هذا الحديث، التنبيه إلى منع التداخل بين صوم النفل في شعبان وصوم الفريضة في رمضان؛ فصوم رمضان يبدأ مع بداية شهر رمضان ولا ينبغي أن يختلط بغيره من أيام شهورٍ أخرى قبله أو بعده، ولذلك ورد النهي عن صوم يوم الشكّ، وكذا صيام يوم العيد؛ حتى يكون صوم الفريضة محدّدًا بدءًا وانتهاءً في شهر واحد، هو شهر رمضان، لا يُنقص منه ولا يُزاد عليه.
وعلى توقيت صيام الفريضة في شهر رمضان إجماع الأمة قولًا وعملًا، سلفًا وخلفًا دون أن يشذّ عن ذلك أحد.
وبناءً على هذا كلّه فإنّه لا يمكن للمسلمين تأجيل صوم رمضان لفترة أخرى من السنّة، لأنّ تحديد كيفيّة العبادة ووقت أدائها مما اختص به الشارع الكريم توقيفًا فيجب الالتزام به؛ هذا فضلًا عن أنّ السبب الذي يذكره السائل لتأجيل الصيام بسبب اتقاء الإصابة بوباء كورونا، هو سبب لا صحّة له البتة، بل على العكس من ذلك، فإنّ للصوم فوائد في تقوية مناعة الجسم وقدرته على مقاومة الأوبئة.
فتوى (24/30)
صلاة التراويح خلف البث المباشر
السؤال: ما حكم صلاة التراويح في البيوت خلف البث المباشر من المسجد؟
الجواب: صلاة التراويح سنّةٌ مؤكّدةٌ للرجال والنساء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:” من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه” متفق عليه، والمراد صلاة التراويح باتفاق الفقهاء، ولفعله صلّى الله عليه وسلم، وأمّا تركه لها في المسجد فخشية الفريضة، والسنةُ فيها أن تؤدّى جماعةً في المساجد، وتُندب عند المالكية في البيوت بشرط ألا يقعُد عنها، وألا تُعطَّل المساجد، وأمام استمرار وباء كورونا ومنع إقامة الشعائر في المساجد، تُقام صلاة التراويح في البيوت بإمامة أقرئهم للقرآن؛ حمايةً للناس من العدوى، والتزامًا بقرار السلطات والهيئات الصحيّة، وتحصيلًا لأجر صلاة النافلة في البيوت. قال صلى الله عليه وسلم:”عَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ“رواه مسلم، وتجوز القراءة فيها من المصحف لغير الحفظة، ومن لا يحسن العربيّة يقرأ ما تيسر له من القرآن بعد الفاتحة.
ولا تصحّ صلاة التراويح بمتابعة الإمام من البث المباشر، أو وسائل الاتصال الشبكي الأخرى؛ لأنّ من شروط صحة اقتداء المأموم بالإمام: اجتماعهما في مكان واحد، ووضوح اتصال المأموم بإمامه، وانتفاء ما يمنع وصوله إليه إن قصده، والقول بالصلاة خلف البث المباشر يُخشى أن يكون ذريعة لإبطال صلاة الجماعة ومقصودها الشرعي من الاجتماع والتلاقي، كما يُفضي إلى التقليل من شأن المساجد وتعطيلها، وقد أفتى المجلس في الفتوى رقم: (4/30) بعدم صحة صلاة الجمعة في البيوت خلف البث المباشر أو وسائل الاتصال الحديثة، وإذا مُنع ذلك في الفريضة مُنع في النافلة؛ لاتّحاد السبب وهو عدم تحقّق شرط الاقتداء، ويُستدلّ على عدم الصحّة بما استُدل به في فتوى الجمعة (4/30) فليُرجع إليها.
فتوى (25/30)
صلاة العيدين مع جائحة كورونا
السؤال: هل تصحّ صلاة العيدين في البيوت مع العائلة نظرًا لمنع التجمعات بسبب الجائحة؟ وفي حالة تركها هل تُعَوّض بصلاة أخرى؟
الجواب: ذهب عامّة الشافعية والحنابلة وبعض المالكيّة إلى صحّة صلاة العيدين للرجل في بيته منفردًا أو جماعة على صفتها ركعتين مع التكبيرات دون خطبة؛ “فعن أنس أنه كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام، جمع أهله فصلى بهم مثل صلاة الإمام في العيد”، ونظرًا للظروف الراهنة التي فرضت على الناس البقاء في بيوتهم، ولا يمكنهم حضور صلاة العيد في المصلّى فلا بأس أن يقيم أهل كلّ بيت صلاة العيد في مكانهم، وغاية ما فيها أنّها سنّة مؤكّدة كصلاة التراويح التي يجوز أن تقام في البيت، ولا يصحّ أن يصلّى العيد اقتداءً بإمام عن بُعد بوسائل البث المباشر.
فتوى (26/30)
صلاة الغائب خلف البث المباشر
السؤال: هل تصحّ صلاة الغائب خلف البث المباشر؟
الجواب: صلاة الجماعة سواء أكانت صلاة من الصلوات الخمس، أم صلاةً على الغائب لا تتمّ إلّا بحضور الإمام والمأموم في مكان واحد، حتى إذا عرض للإمام عارضٌ تقدّم أحدٌ من خلفه فأتم ّ الصلاة، أما وقد تعذّر ذلك وأُجبر الناس على الصلاة في بيوتهم فلا حرج أن تصلّي العائلات في البيوت صلاة الغائب خلف واحد منهم يؤمّهم في هذه الصلاة في المكان نفسه الذي يجتمعون فيه.
أمّا صلاتهم بطريق البثّ المباشر حيث لا يكونون مع الإمام فلا تصحّ؛ لعدم توفّر شروط الاقتداء المطلوبة في صلاة الجمعة والجماعة والجنازة، وإنّما تؤدّى صلاة الغائب لعدم وجود جثمان الميت أمام المصلين عادة، والبث المباشر لا يغير من صفة كونها صلاة على غائب، فتبقى على أصل صورتها المعروفة أسلم للعبادة.
كما لا تخلو الصلاة على الصفة المذكورة من مخالفات في بعض الصور: كتقدّم المأمومين مكانًا على الإمام بوقوفهم أمامه، وقد يعرض ما لا يمكن معه الاقتداء بالإمام، وذلك إذا تعطّل جهاز الاستقبال أو انقطع التيار الكهربائي أو غير ذلك من الأمور، ومن الجائز أيضًا أن يذهبوا في وقت يسمح لهم إلى المقبرة فيُصلُّون على القبر، كما ثبت عن رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- من حديث ابن عباس قال: “انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرٍ رطبٍ فصلى عليه وصفُّوا خلفه وكبَّر أربعًا” متفق عليه، أو يكثرون من الدعاء له في أوقات الإجابة.
فتوى (27/30)
صلاة الغائب على أموات المسلمين كلّ جمعة
السؤال: ما حكم دعوة الناس إلى إقامة صلاة الغائب على جميع من مات من المسلمين كلّ جمعة؛ نظرًا لقلّة عدد المصلين على من يموت بفيروس كورونا؟
الجواب: الأصل في صلاة الجنازة أن تكون على ميّت حاضر، وأن توضع بين يدي الإمام والمصلّين معه، كما ثبت ذلك في السنة القوليّة والفعليّة والتقريريّة، وأمّا الصلاة عليه وهو غائب فمشروعة لحديث النجاشي، وكذا الصلاة على من صُلّي عليه مشروعة أيضًا بشرط عدم اتخاذها عادة؛ فإنّ الأمّة لم تعرف الصلاة على كلّ ميت غائب، وللمجلس فتوى سابقة في المسألة 21 (1/2) فليرجع إليها.
ونظرًا لقلة المصلّين على من يموتون بسب كورونا، أو احتمال عدم الصلاة عليهم فيجوز للمسلمين أن يؤدّوا صلاة الغائب بنيّة الصلاة على من لم يُصلَّ عليه من أموات المسلمين بشرط عدم تخصيصها بزمن محدّد، كيوم الجمعة من كل أسبوع؛ لأنّ هذا التحديد غير مشروع، وليس عليه دليل. قال ابن تيمية: “وَلَا يُصَلَّى كُلَّ يَوْمٍ عَلَى غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ، وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ كُلَّ لَيْلَةٍ يُصَلِّي عَلَى جَمِيعِ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَا رَيْبَ أَنَّهُ بِدْعَةٌ” الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 360).
فتوى (28/30)
الصلاة على رفات الميت إذا أحرق
السؤال: إذا حدث أن قرّرت الحكومة في بلد ما إحراق جثث موتى كورونا، فهل يُصلّى على رفاتهم، أم تصلّى عليهم صلاة الغائب؟ وماذا يفعل المسلمون أمام هذا القرار؟
الجواب: ينبغي أن نقرّر أولًا بأنّ الإسلام قد كرّم الإنسان ورفع من مكانته. قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ [الإسراء: 70]، وقد أمر بدفن الميت بعد موته في الأرض؛ وذكر لنا القرآن الكريم في قصة ابنَي آدم في أول تاريخ البشرية تشريع الدفن للميت. قال تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ﴾ [المائدة: 31]، كما جاءت النصوص بالحثّ على حسن التعامل مع جثة الميت بوجوب تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، مع الرفق في كلّ ذلك.
قال عليه الصلاة والسلام: (كسر عظم الميت ككسره حيا) رواه أبو داود وأحمد بسند صحيح، هذا وإنّ الذي نعلمه من حال الدول في أوروبا أنّها تراعي الخصوصيّات الدينيّة لكلّ ميت، وما دام من خصوصيّات الميت المسلم الدفن، فإنّ على المسلمين أن يطالبوا السلطات المعنية في كلّ بلد بتوفير مقابر أو أجنحة خاصة بالمسلمين في المقابر العامة لدفن موتاهم؛ خصوصًا أنّه بحكم تعذّر نقل جثامين الموتى المسلمين إلى البلاد التي قدموا منها اليوم ، فإنّه لا يمكن دفنهم إلّا في البلاد التي ماتوا فيها لكن وفقًا لشعائر دينهم.
ولو حصل أن قرّرت السلطات في بلد ما إجبار الجميع على حرق جثث الموتى بما في ذلك المسلمين منهم، خلافًا لما يجب أن يكون عليه الأمر، فإنّه يجب أداء الصلاة على جثمان الميت المسلم قبل حرقه، أو الصلاة على رفاته، فإذا تعذّر ذلك تُصلّى عليه صلاة الغائب، فالصلاة على الميت هي دعاء له بالرحمة والمغفرة وكلّ ميت مسلم هو في حاجة إلى ذلك.
ويوصي المجلس كلّ مسلم بكتابة وصيّة قانونيّة مسجّلة يطلب فيها التعامل مع جثّته بعد موته وفقًا للتعاليم الإسلامية درءًا لأيّ تعامل آخر مخالف.
فتوى (29/30)
تعجيل الفدية قبل رمضان
السؤال: هل يجوز تعجيل الفدية الآن قبل رمضان لمن كان مرضه مزمنًا قياسًا على تعجيل الزكاة؟
الجواب: الشخص الذي لا يقدر على صيام رمضان لمرض لا يرجى برؤه، يجب عليه أن يؤدّي الفدية عن صوم كلّ يوم مقدار إطعام مسكين. قال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ﴾ [البقرة: 184]، ويجوز له أن يخرج فدية شهر رمضان كلّه في أول يوم من الشهر عند الحنفية، قال ابن عابدين رحمه الله: “للشيخ العاجز عن الصوم الفطر، ويفدي وجوبًا، ولو في أول الشهر، أي يخير بين دفعها في أوله وآخره”. (الدر المختار وحاشية ابن عابدي(2/ 427).
ولا يصح له أن يخرج الفدية قبل حلول شهر رمضان؛ لأنّ سبب وجوب الصوم هو شهود الشهر. قال تعالى ﴿ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: 185]، ومادام الصوم لم يجب عليه لم يتحقق عجزه عن أدائه، ولا أداء لشيء قبل فرضيّته، ولا يصحّ قياس الفدية على الزكاة؛ إذ يصحّ أداؤها قبل حَوَلان الحول، لأنّ سبب وجوب الزكاة ملك النصاب، فمن ملك النصاب جاز له أن يؤدّي الزكاة قبل حَوَلان الحول، ولا يعدّ إخراج الزكاة قبل ملك النصاب زكاة.
فتوى (30/30)
دفع زكاة المال أو الفطر للمستشفيات ودور رعاية المسنّين
السؤال: هل يجوز دفع زكاة المال أو الفطر للمستشفيات ودور رعاية المسنين في ظل أزمة كورونا ؟
الجواب: على المسلم أن يكون مبادرًا إلى العون في هذه الأزمة والمرحلة الحرجة التي تعيشها أوروبا ومعظم دول العالم بسبب تفشي وباء كورونا وما خلّفه من أزمات واحتياجات مختلفة في عدد من الدول، كحاجة المستشفيات إلى الدعم المالي ومراكز دور المسنّين، بالإضافة إلى حاجة الأفراد والأسر، وينبغي للمسلم أن يشارك بقدر ما يستطيع من ماله دعمًا للمؤسسات المحتاجة لقول الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ المائدة {2} وقوله تعالى: ﴿ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ الحج {77} .
ودعم المستشفيات هو ضرب من ضروب التعاون على البرّ ومن صور فعل الخير، ويمكن أن يكون ذلك كلّه من مال الصدقة التي تعدّ من الحقوق الواجبة في المال، علمًا بأنّه لا حدَّ للصدقة قلّة وكثرة، حيث يمكن للمرء أن يتصدّق بما يزيد على مقدار الزكاة الواجبة، شريطة ألّا يؤدّي ذلك إلى الإخلال بحاجات من يعولهم من أهله.
أمّا زكاة المال فالأصل أن تؤدّى في مصارفها الثمانية المذكورة في الآية: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ التوبة {60}.
والأصل في زكاة الفطر أن تؤدّى للفقراء لقول ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: “فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ“. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، وقد أجاز ابن سيرين والزهري والأحناف دفعها لفقراء غير المسلمين.
وعليه فإنّنا نرى ترتيب الأولويات لتعدّد الحاجات حتى يحدث التوازن وعدم الإخلال بحاجة مصرف دون غيره، بحيث تعطى المستشفيات من عموم مال الصدقة وتبقى الزكاة لتصرف اليوم في سدّ حاجات الفقراء والمساكين من آحاد الناس والأسر، خاصّة أنّ الأزمة ضاعفت من أعداد الفقراء والمعوزين، كما يمكن أيضًا توجيه قدر من الزكاة لسدّ حاجات المراكز الإسلاميّة كما بيَّن المجلس في فتوى سابقة.
فتوى (31/30)
تأجيل الحج خوفًا من الإصابة بفيروس كورونا
السؤال: عزمت على الحج هذا العام لكنّني أخشى من الإصابة بفيروس كورونا إن سافرت، ما لم يصدر قرار بمنع الحج من السلطات السعوديّة، فهل آثم إن أجّلت الحج للعام المقبل؟
الجواب: ندعو الله تعالى أن تنفرج الغمّة قبل الحج، وأن تتمكّن من أداء الفريضة بأمن وسلام، وقد فرض الله الحج على المستطيع. قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلۡبَيۡتِ مَنِ ٱسۡتَطَاعَ إِلَيۡهِ سَبِيلاۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾، والاستطاعة تشمل القدرة البدنية والمالية وعدم وجود خطر يهدّد الحياة كما هو الحال مع فيروس كورونا، فإذا مُنع الحج هذا العام بسبب شدّة الوباء واحتمال استمرار انتشاره فلا حرج في تأجيله إلى العام القادم إن شاء الله.
فتوى (32/30)
القروض الربوية للشركات الاستثمارية المعرضة للإفلاس بسبب الجائحة
السؤال: نحن نعيش في أوروبا، ولنا شركات استثمارية، وحال الاقتصاد لا يخفى عليكم بسبب تفشي كورونا، والحجر الصحي، ومنع الحركة والتجوال، وقد خصّصت الدول مبالغ كبيرة لعلاج هذه المشكلة الاقتصاديّة، لكنّها في بعض الأحيان، أو في بعض الدول تأخذ الفوائد بنسب متفاوتة، فهل يجوز لنا الاستفادة من هذه القروض؟ علمًا بأنّنا إذا لم نأخذها فشركاتنا أو بعضها معرضة للإفلاس.
الجواب: أولًا: لا شكّ في أنّ الربا من المحرّمات الموبقات، وأنّه يضرّ بالاقتصاد، ولذلك إذا جاءت أيّ أزمة اقتصاديّة، أو ركود اقتصاديّ، فإنّ أغلب الدول تقلّل من نسبة الربا، وقد تجعلها صفرًا، والنصوص الشرعيّة في هذا الباب أكثر من أن تحصى.
ثانيًا: أنّ الحكم فيما ذكر في السؤال يُفصّل حسب الحالات الآتية:
الحالة الأولى: التعاون بين أصحاب الأموال المسلمين، فيعطي بعضهم بعضًا القروض الحسنة، أو التمويلات الشرعيّة بربح منخفض، فما ندعو إليه المسلمين أصحاب الأموال هو أن يتكافلوا ويتضامنوا ويتعاونوا، فقد قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ سورة المائدة (2) ، وقال صلى الله عليه وسلم:”إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ” متفق عليه.
فهذا هو المطلوب أولًا في ظل هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم.
الحالة الثانية: إذا كانت الدولة تُعطي قروضًا دون فائدة فهذا أمر طيّب، وينبغي لشركات المسلمين أن تستفيد من ذلك، وهكذا الحال فيما إذا كانت الدولة تعطي الرواتب أو الأجور دون فوائد.
الحالة الثالثة: أن تقرض الدولة أو البنك قروضًا دون فائدة لمدّة عام، ثمّ تشترط للعام الثاني فائدة، ثم في العام الثالث فائدة أكثر، ففي هذه الحالة لا مانع في ظل الظروف الحالية من أن تقبل بالقروض لمدة سنة واحدة مع الإصرار على ردّها قبل أن تفرض الفائدة على المقترض، وهذا جائز؛ لأنّه ليس مشروطًا للسنة نفسها.
أمّا إذا كان القرض يتضمّن شرطًا بدفع الفائدة، أو غرامة التأخير إذا لم يدفع المال خلال السنة، أو أكثر، ففي مثل هذه الحالات الطارئة أو القاهرة إذا التزم المقترض بما لا يترتب عليه دفع الفائدة فلا حرج عليه.
الحالة الرابعة: أن يصدر قرار من البنك المركزي بأن تمنح البنوك القروض للشركات والمؤسسات دون فائدة لتقوية الاقتصاد، وتقليل البطالة وعدم وقوع الشركات في حالات الإفلاس والإعسار، ولكن الدولة هي التي تأخذ 0.25% قيمة للضمان والإدارة، ففي هذه الحالة ما دام المقرض هو غير الذي يأخذ الزيادة فلا مانع أيضًا من أخذ هذا القرض، لأنّ الفائدة ليست على القرض، وليست بين المقرض والمقترض، وإنّما النسبة القليلة من باب ما أجيز من أخذ الأجر على المصروفات الإدارية في خطاب الضمان، حيث تؤخذ من 0.25% إلى 0.80% بعدّها تعادل المصروفات الفعلية أو الإدارية عند من أجاز أخذ النسبة عليه.
وبناءً على ذلك فإنّ هناك ثلاثة أطراف: المقرض وهو البنوك، والمقترض، حيث لا فائدة بينهما، والطرف الثالث الضامن، وهو الدولة التي تأخذ تلك النسبة القليلة من باب المصروفات، والجدية في الموضوع أيضًا.
وبناءً على ذلك فلا مانع من أن تأخذ الشركات هذا القرض بهذه الصورة التي ذكرناها.
الحالة الخامسة: أخذ القروض بفوائد من البنوك الربويّة، أو من غيرها، فهل يجوز للشركات المملوكة للمسلمين أن تأخذها باعتبار أن كورونا جائحة عامة؟
للجواب عن ذلك نقول: إنّ الربا محرّم في جميع الأحوال إلّا إذا بلغت الحالة حالة الضرورة الشرعيّة، والضرورة الشرعيّة تشمل الشخص الطبيعي، والشخص الاعتباري، فعندما تتعرّض شركة عامّة أو كبيرة أو متوسّطة عندها موظّفون وعاملون للإفلاس- حسب الظن الغالب المعتمد على أحوال السوق، أو تقرير الخبراء- فإن الإفلاس في حقيقته في هذه الحالة هو موت للشخص الاعتباري المعنوي، فكما أنّ الخوف المؤكّد من هلاك الشخص الطبيعي أو تلف بعضه، أو عرضه يعدّ من الضرورات التي تبيح المحظورات، فكذلك الحال في الشخص الاعتباري الذي اعترفت به الدول، والقوانين، والمجامع الفقهيّة.
وبناءً على ما سبق كلّه فإنّ الشركات العامة، أو الخاصّة التي تعدّ من مصادر الرزق لأصحابها والعاملين فيها إذا تراكمت عليها الديون ولا تستطيع أداءها في أوقاتها، وإن لم تدفعها سيُرفع أمرها إلى المحاكم التي تقضي بالإفلاس، أو الإعسار- حسب الظن الغالب- أو أنّها لا تستطيع دفع رواتب موظفيها بصورة كاملة مع الترشيد، أو أنّها لن تستطيع إدارة الشركة وإبقاءها مع تقليل المصروفات والابتعاد عن الإسراف والتبذير، ففي هذه الحالات تدخل الشركات في مرحلة الضرورات التي تجيز لها الالتجاء إلى البنوك الربويّة للاقتراض منها ولو بفائدة بالضوابط الآتية:
أن لا توجد لدى الشركة العامّة سيولة، أو وسائل أخرى من بيع بعض الأصول، مثل: أن يكون لديها أسهم، أو صكوك، أو سندات (ولو محرمة) أو نحو ذلك.
وفي الشركة الخاصة يضاف إلى الشرط السابق أن لا يوجد لدى أصحابها الشركاء سيولة كافية، أو قدرة على تمويل الشركة بأيّ وسيلة مشروعة، مثل زيادة رأس المال.
أن لا توجد مؤسّسات ماليّة إسلاميّة أو نحوها، تموّل الشركة من خلال عقود مشروعة، وبأرباح مناسبة.
أن تكون الشركة عامّة، أو خاصّة يكون لإفلاسها تأثير في أصحابها والعاملين فيها، أمّا إذا كانت شركة صغيرة بسيطة غير مؤثرة فلا يجوز لها الاقتراض بفائدة.
بما أنّ هذه الحالة تكيّف على أساس الضرورة، فإنّ الضرورات في الإسلام مقيّدة ومقدّرة بقدرها. قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ (أي غير ظالم) وَلَا عَادٍ (أي لا يتجاوز ما يحقق غرضها من البقاء والاستمرار) فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} سورة البقرة (173) ، فلا يجوز لهذه الشركات أو المؤسسات إلا بمقدار ضرورتها.
هذا ويوصي المجلس المسلمين بتقوى الله، وبالتعاون فيما بينهم والابتعاد عن المحرمات، بخاصة الربا الذي ذمّه الله تعالى ذمًّا كبيرًا، فقال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ*يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ سورة البقرة (276،275) ، وقال تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ سورة البقرة (280).
فتوى (33/30)
القروض الربويّة للمؤسّسات الإسلاميّة المتضرّرة بسبب كورونا
السؤال: هل يجوز في ظلّ الأزمة الحاليّة بسبب جائحة كورونا وضعف التبرعات للمساجد والمؤسسات الإسلامية غير الربحية، أن تقترض المساجد والمؤسسات من البنوك الغربية بدلًا من إعلان إفلاسها، خاصّة إذا كانت فائدة القرض لا تتجاوز واحدًا أو اثنين من المئة؟
الجواب: القرض بفائدة من الربا المحرّم، وهو إضافة إلى رأس المال صغيرة كانت أو كبيرة. قال تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 279]، والحرج المالي للمؤسسات الإسلامية في الغرب ناتج عن إهمال مؤسّسة إسلامية عريقة ومهمّة وهي مؤسسة الوقف، ومؤدّاها أن يخرج الواقف من ملكيّة ما تبرع به، ثمّ تدخل تبرعات المتبرعين في مشروع يدر دخلًا ثابتًا يضمن استمراريّة المؤسسّة الإسلاميّة واستقلاليّتها عن ظروف المتبرّعين والتغيّرات الاقتصاديّة في دوراتها وأزماتها الموسميّة، ومنها تلك الجائحة، فالوقف هو الحلّ الشرعي الذي لا شبهة فيه لحماية المؤسّسات الإسلاميّة، وأمّا على المدى القريب- خاصّة في هذه الجائحة واحتمالات أن تغلق بعض المؤسسات الإسلامية من مساجد ومدارس وغير ذلك- فيباح الاقتراض الربويّ من باب الاستثناء والضرورة لا الأصل، وهو كما حرّم الله أكل لحم الخنزير ثمّ قال: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 173] وقبل الاقتراض بالفائدة لا بدّ أن تبحث المؤسّسة الإسلاميّة في البدائل عن الاقتراض، مثل دفع الحكومة لمرتّبات الموظفين أو أغلبها، أو الحصول على قرض حسن من بعض الموسرين.
وأخفّ هذه الصور أن تقترض المؤسّسة الإسلامية من البنوك حسب برنامج حكومي يُعفى فيه من الفائدة الربويّة، أو يُعفى فيه من أصل القرض كلّه في مقابل استمرار تشغيل العمالة مثلًا أو غيرها من الشروط الإداريّة، وهو ما أتاحته بعض الدول الأوروبيّة في هذه الظروف، وبعض الولايات الأمريكية.
هنا يجوز للمؤسسة أن تقترض مع مراعاة الشروط المتّفق عليها حتى تُعفى بها من الفائدة، والدرجة الأدنى من ذلك كما فعلت- أيضًا- بعض الحكومات هو أن ترد المؤسسة الإسلامية الفائدة وتعفو الحكومة عن القرض نفسه، وهذه الصورة وجدت في أمريكا وبعض دول أوروبا، وهي تجوز أيضًا بنيّة ردّ جزء من القرض كأنّ الدائن عفا عن الباقي، لأنّ الفائدة المردودة أقلّ من أصل القرض على أيّ حال، وأمّا الحالات التي ترتفع فيها فائدة القرض عن صفر فتقدّر حسب الضرورة، وكلّما كانت الفائدة الربوية أصغر (كما وصلت لواحد أو اثنين من المئة في الوقت الراهن في أسبانيا وألمانيا وكندا مثلًا) كانت الرخصة أهون؛ نظرًا لتداخل الفائدة مع المصروفات والأتعاب الإدارية.
ويوصي المجلس أصحاب الأموال من المسلمين أن يتبرّعوا لمؤسّساتهم ولا يبخلوا عليها حتّى تستمرّ في أداء مهمّاتها الحيويّة للوجود الإسلامي في الغرب، كما يدعو مؤسّسات التمويل الإسلامي – إن وجدت – إلى القيام بدورها في تقديم القرض الحسن للمؤسّسات الإسلاميّة المتضرّرة بشروط مقدور عليها، أو أن تدخل بالمشاركة مع المؤسسات الإسلاميّة الخيريّة ذات الدخل مثل: المدارس أو المذابح، وتتحمّل معها الربح والخسارة.
فتوى (34/30)
دفن الميت في غرف مبنية فوق الأرض
السؤال: هل يجوز للمسلم أن يدفن في غرف خرسانيّة متعدّدة الطوابق فوق الأرض، وما الكيفيّة الصحيحة للدفن الشرعي؟
الجواب: الأصل في دفن الموتى والسُّنة التي جرى عليها عمل المسلمين في الدنيا منذ فجر الإسلام إلى اليوم، هي دفن موتاهم تحت الأرض في مقابر خاصّة بالمسلمين، والأصل أن تكون الحفرة من العُمق بما يكفي سترًا للميت وكتمًا للرائحة، ومنعًا من نبش القبر أو تَعَرُّضه لسيلٍ يجرفه، أو سَبُعٍ ضارٍ يأكله، ونحو ذلك. قال تعالى : ﴿ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى ﴾ طه/55 قال محمد الطاهر بن عاشور:” وَدَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَفِيها نُعِيدُكُمْ ﴾ عَلَى أَنَّ دَفْنَ الْأَمْوَاتِ فِي الْأَرْضِ هُوَ الطَّرِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ لِمُوَارَاةِ الْمَوْتَى، سَوَاءٌ كَانَ شَقًّا فِي الْأَرْضِ، أَوْ لَحْدًا ؛ لِأَنَّ كِلَيْهِمَا إِعَادَةٌ فِي الْأَرْضِ).
وقال الرملي: ” وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ (حُفْرَةٌ ) عَدَمُ الِاكْتِفَاءِ بِوَضْعِهِ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ بِمَا يَمْنَعُ ذَيْنَكَ [ يعني : الرائحة والسباع ] نهاية المحتاج” (8/251) .، وقال ابن عابدين : ” لَا يُجْزِئُ دَفْنُهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِبِنَاءٍ عَلَيْهِ ” الحاشية ” (2/233)..
وفي حالة الضرورة والظروف الاستثنائية ككثرة الموتى مع ضيق المقابر المتاحة، وتعذّر إيجاد البدائل فإنّه يمكن جمعُ أكثرَ مِن ميّت في قبر واحد، كلّ ذلك بشرط التعامل بإكرامٍ واحترامٍ مع أجساد الموتى.
ثانيًا: التوصيات
يوصي المجلس عموم المسلمين في أوروبا وهم يستعدّون لاستقبال شهر رمضان بما يلي:
أن يغتنموا شهر رمضان في العبادة وتزكية النفس، وأن يكثروا من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يعجّل برفع البلاء والوباء عن البشريّة جمعاء، فلا يردّ القدر إلا الدعاء.
أن يلتزموا بقرار السلطات المدنية والصحية في منع التجمعات والزيارات، وأن يأخذوا بأسباب الوقاية والحماية كلّها لمنع الإصابة والعدوى لهم أو لغيرهم.
أن يجعلوا شهر رمضان فرصة لاجتماع الأسرة حول القرآن، تعليمًا، وتلاوةً، واستذكارًا، وتدبّرًا، وعملًا.
أن يحرصوا على إشعار أولادهم بفرحة رمضان وعيد الفطر، بتزيين البيوت، وتنظيم المسابقات، وصلة الأرحام، والترويح المباح الآمن صحيًّا.
أن يجتنبوا الإسراف في الطعام والشراب، وأن يدّخروا نفقاته لسدّ حاجات الفقراء والمعوزين ومن لا يجدون قوت يومهم، وأن يواصلوا الإنفاق على المحتاجين إلى الإفطار في رمضان، فحاجتهم هذا العام مضاعفة، مع مراعاة التدابير الصحية في تحقيق ذلك.
أن يستمروا في مبادراتهم الداعمة للمستشفيات والراعية للمسنّين، والمتضامنة مع الطواقم الطبيّة، والمجسّدة لقيم المواطنة الصالحة.
على الأئمة والدعاة أن يبذلوا جهدهم في اغتنام شهر رمضان للارتقاء الروحي والثقافي بالناس، وأن ينسّقوا قدر الإمكان مع بعضهم بعضًا في البرامج المنقولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ حتى لا يزهد الناس فيها بسبب الكثرة وتداخل الأوقات.
على الأزواج أن يكونوا عونًا لزوجاتهم في البيوت، وأن يعينوهنّ على اغتنام شهر رمضان في الطاعات والقربات؛ فقد كان النبيّ- صلى الله عليه وسلم- في خدمة أهله.
كما يوصي المجلس عموم المسلمين في الغرب- خاصة من له أقارب من غير المسلمين كوالدين أو زوجة ونحو ذلك، أن يكتبوا وصيّتهم بأن تكون إجراءات دفنهم حسب التعاليم الإسلاميّة وفي مقابر المسلمين، وأن يعملوا على توثيق هذه الوصيّة حتى لا يُدفنوا في غير مقابر المسلمين، وكيلا تُحرق جثثهم أو يُحرموا من صلاة الجنازة عليهم.
ختام الدورة
بعد انتهاء المداولات العلميّة للمجلس فقد تقرّر أن يكون انعقاد الدورة القادمة- بإذن الله تعالى- في 4 ـــ 10 أكتوبر 2020م في أحد الأقطار الأوروبية.
والمجلس في ختام دورته يتقدّم بخالص الشكر للأمانة العامة للمجلس، وجميع من بذل جهدًا لإنجاح هذه الدورة، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يرفع البلاء والوباء عن البشرية جمعاء، وأن يشفي المرضى، ويعافى المبتلين، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله وسلم على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.