عذرا أخي المشتكي، الدولة لم تُخَّير في جائحة كورونا – حسن المرابطي
يكاد الواحد منا بعض الأحيان التشكيك في أمر الدولة والإجراءات الاحترازية التي اتخذتها بخصوص جائحة كورونا، وذلك بعد الاطلاع على شكاوى بعض المثقفين وبعض الفاعلين في قطاعات معينة، لما نلمس فيها من اتهام الدولة بتواطئها مع فيروس كورونا المستجد، أو قل تحميل المسؤولية للدولة ومطالبتها بجبر الضرر دون مراعاة الظروف التي تمر بها البلاد ولا الفئات التي تضررت أكثر بالوضع القائم، حتى أمسى الواحد منا، يشكك في نوايا فيروس كورونا المستجد والعلاقات التي يربطها بأجهزة الاستخبارات الوطنية والدولية، لأن المتتبع لأخبار هذه الفئة من “المناضلين الجدد”، يُخيل إليه أن فيروس كورونا عميل استخباراتي أو قل فرقة جنود متدربة من العملاء السريين.
وعليه، وجب التنبيه إلى تصحيح بعض الأمور حتى نجتاز هذه الظروف بأقل الخسائر، أي إعادة النظر في بعض السلوكيات التي يأتيها بعض الأفراد أو المؤسسات، والتي تُصور لنا، أنها الأكثر تضررا والواجب دعمها دون مراعاة مشاعر الضعفاء والفقراء، بل تجعل من ملفها ذا أولوية قصوى لما تملك من لغة البيان والخطاب أو من وسائل الضغط المختلفة، الشيء الذي يُفتقد عند البسطاء حتى أمسى ملفهم يُنافس دون توفر الشروط الأخلاقية، أو قل يمسه الإهمال من قوة خصمه اللدود، ولعل مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية أكثر القنوات التي تنقل “معاناة ومآسي” أصحاب الجشع والأنانية، فصرنا لا نخاف فيروس كورونا المستجد خوفنا من تسلط هؤلاء الأنانيين، كيف لا، ونحن نعي قدرة تأثيرهم في القرارات السياسية والتوجهات الاستراتيجية للدولة.
لذا، صار لزاما على العقلاء أخذ الاحتياطات الواجبة عند محاولة تقديم الاقتراحات والحلول، حتى لا يقدموا خدمات مجانية لمن تحدثنا عنهم أعلاه، أو قل، وجب التصدي لكل شخص (ذاتي أو معنوي) نراه يُلح على إيجاد حلول آنية لمعاناته المرتبطة بجائحة كورونا، وإلا أصبح الوضع ما بعد كورونا أكثر ظلما وبؤسا مما كان عليه من قبل، في حين نجد الجميع يتفاءل خيرا، لأن كورونا أمدتنا بمؤشرات لا تدع أحدا يهمل قيمة الإنسان وتكوينه بعد الآن، كما نبهتنا إلى مستوى التفاهة التي كانت تخيم على حياتنا جميعا، مما جعل الكل يستهزئ بنجوم الفن والرياضة والسينما وغيرها، بل الغريب في الأمر، أن بعضهم قبل أيام كان يستعد لتنظيم مهرجانات التفاهة، فانقلبوا على أنفسهم لإدراكهم قيمة الأشياء وضرورة إعادة ترتيب الأولويات حسب أهمية القطاعات.
في هذه الأزمة المعيشة، يجد الواحد منا تقديم الشكر لكل جنود الوطن لما يقومون به أمرا واجبا، كما لا يجب نسيان كل مساهم في ذلك، لأن الاقتصار على الأطر الصحية والأمنية بمختلف أصنافها يحمل نوع من الإقصاء، ذلك أن الحياة بمختلف المهن تكون أسعد، فلا يمكن الاستغناء عن رجل التعليم والمهندس ورجل النظافة والفنان والأديب والصانع والفيزيائي وغيرهم، بل كلهم يساهمون في إنجاح عملية تجاوز أزمة كورونا، فلولا المعلم ما استطاع المهندس بناء المستشفى ولا تعلمنا شروط النظافة، بل كيف ستبدو المستشفيات لولا الفنان والفيزيائي، وهكذا دواليك، لأن الحياة تكامل جل المهن فيما بينها، فلا تفاضل بينهما إلا بمن أخلص أكثر.
وهكذا، يكون أمر المطالبة بتمييز بعضنا عن بعض سببا كافيا لاختلال موازين الحياة السليمة، وفتحا لمعارك الكل في غنى عنها، إن لم نقل ستكون بداية الأزمة الحقيقية، وعليه فإن واجب الوقت هو التفكير في تجاوز الأزمة والتخلي عن كل الامتيازات، ليس من باب التخلي عن الحقوق، لكن من باب تكثيف الجهود لتجاوز الأزمة، لأن المرحلة تقتضي نكران الذات، أما تقديم الشكاوي وفتح باب النضال (المقصود هو ما يتم مطالبته بعض الأحيان من خلال منشورات أو مقالات وغيرها) فلا يصلح إلا بعد الخروج من الأزمة، لاسيما أن بعض المطالب لا تناسب الظرفية، وحسبنا في ذلك التمثيل بقضية فقدان بعض الامتيازات والاقتطاعات لشريحة كبيرة من المواطنين، لأن هذا الإجراء لن يجعل حياة المعني بالأمر في ضيق، حيث أن الاقتطاعات أمر مألوف ليس وليد لحظة الأزمة حتى يحسب على زمن كورونا، والامتيازات يمكن تداركها بعد فوات الظروف العصيبة التي تعيشها بلادنا وبلاد العالم أجمع؛ لعل التركيز بقوة على بعض المطالب ولو من باب النقاش يصب في تعبئة الجميع لتقديم كل واحد مطالبه، ما يعني الانشغال عن الخطر المحيط بنا، ناهيك عن فتح باب الحديث عن أنانية الإنسان المعاصر، لاسيما أن نسبة كبيرة من المجتمع لا دخل قار لها إلا ما تُحصله كل يوم، أو التي تضررت بتزامن تفشي الوباء مع موسم العمل لبعض المهن والذي لا يتكرر إلا مرة في السنة، أي أسبقية العناية بها قبل أي فئة أخرى.
وعلى سبيل الختم، لابد من تكثيف الجهود لتقليص فترة حالة الطوارئ الصحية قدر الإمكان، حتى إن نجحنا في ذلك استطعنا إعادة الحياة الاقتصادية إلى ما كانت عليه أو أفضل، أي إمكانية توفير القدرة على تحقيق كل مطالب فئات المجتمع، مع الابتعاد عن لغة الشكوى، ولو لحظيا، إلا ما كان لابد منه لاستمرار الحياة، وإلا سُجل علينا في التاريخ تحقيق الرقم القياسي لخُلق الأنانية وحب الذات، الأمر الذي يعتبر الصفة الأساسية للإنسان المادي الفاقد للأخلاق التي تميزه عن غيره من المخلوقات، لاسيما أننا شهدنا من طالب في عز الأزمة جبر الضرر، مصورا لنا أبشع تمثيل لمقولة : “أنا وبعدي الطوفان”.
اللهم بصرنا بعيوبنا واهدنا إلى سبيل الرشاد.
اللهم ارزقنا المنطق والعمل به.