وبـــاء “كورونـــا” دوخ العـالم – محمد أبيـــاط
متى فتحتَ جهازا إعلاميا هذه الأيام،صدم سمعَك لفظ ‘كورونا’ ولو أمكن إحصاء المرات التي ينطق بها الإعلام العالمي لكان مهولا كمسماه، وحبذا لو كان الإعلام يذكـــر اسم الجلالة، ورب العالمين،عُشُـــرَ ذكره ‘لكورونـــا’.
ومن صور الجهــل في وصف ‘كورونا’، قول البعض عنه: العــــدو، اللعــــين، وباعتبـــاره عدوا – عندهم – يتحدثون عن استعدادهم وإعدادهــم لمواجهتــــه، كأنما يتحدثـــون عن جيش عرمرم غـــاشم لا يرحـــم: نتحــــدَّاه، نُسيطـــر عليه، ننتَصــر عليه…وهــــذه غــوغائـية إعلامـــية يقلـــد بعضهم بعضـــا فيـها.!
فمن هـــو العــدو؟
العــدو هو المتعدي المعتدي على غيره قاصداً عامداً متعـداً عدواناً؛ والقصــد المعتبر في المؤاخـذة هو الصادر عن العاقل البالغ القادر، ومجموع هـذه الصفات لا تكون إلا في الإنسان.
وحقيقة ‘كورونا’ أنــه جنـــد من جنـــود الله،{ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ }، ولم يمنعنا الإسلام من إقامــة الاحتياطات الـمناسبة واللازمة، لكنه يمنعنا من ســب جنـد من جنـود الله المسخرة بإذنـــــــه وعلمــــه، المسلطَة بإرادتـه على من يشـاء من عباده.
واتخـــــاذ الأسباب القويــة المشروعـة واجــب، لأننا لا نعلــم من الغيب إلا ما أطلعـــنا الله عليه، لكنــا نجهــل ونخطـــئ، وربما نكفــر إذا اعتقدنا أن الأسبـــــــاب وحدهــــا تكفينـــا وتُغنيــنا عن خالقـها ومدبـرها، ومُقدِّر نتائجها.
تدبــر قوله تعاـلى :{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}،وانظر قوله سبحانه:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ}،وقــــف عند قوله عز وجــل:{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا}….
واعلــــــم أيها العاقـــــــل أن الأسبـــــاب لا تقتــل مـــالم ينته الأجــــل:
والمنـــايا رصــدٌ للفَتـــى حيث سلـــك***كل شــيء قاتـــلٌ حين تلقى أجَلَك
واعلم أيضا أن كل مخلــــوق حُدِّدَ أجـله في علم الله الأزلي، فلا يزيـــد عليه حين يحينولا ينقص منه قبل حينه.
والاعتقاد بأن السبب كذا أو كذا يمنع الموت، جهـــلٌ بالله سبحانه، فما قدر الله كونَهُ يكون في مكانه وزمانه، ولا يتحكم في قدر الله إلا الله، فهو سبحانه قادر أن يحول الرصاصة عن هدفها، أو يُبطل أثرها إذا أصابت هدفها، أو يُنفِذَ أثرها كما شاء هـــو وحده لا شريك لـــــه، قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا}.
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نستند لغير الله سبحانه في دفع أنواع البلاء، وأن لا نستعين بالوسائل غير المشروعة، وأمرنا عليه الصلاة والسلام بالتداوي، لا بحــــــــرام.
وأخبرنا أن الذي أنزل الداء أنزل الدواء، وأنَّ لكل داء دواءً علِمَه من علِمَه وجهِله من جهله. وقوله تعالى:{وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} يدل على أننا عندما نحسن طاعة رسول الله عليه الصلاة والسلام يهدينا الله سبحانه إلى كل ما ينفعنا دينا ودنيا.
وهاهو العالم أجمع يصـرح بعجـزه عن علاج ‘كورونا’ ، فلو أطــــــاع المسلمون ربهــــم ونبيَّهُم لهــداهم إلــى الدواء الناجـــع لهذا الوبـاء وغيره، ولكانوا سباقــين إلى نفــع البشرية، ولاستحقوا أن يقتـــدي بهـــم العـــــالم، ويؤكد ما قلنـــاه قوله تعالـى:{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}؛ قال العلماء: فيها يُسران وعُســرٌ واحـد، ولن يغلـب عسرٌ يُسرَين.
وهـــــــذا الخبر مؤكد كما ترى، فمن لم يــر أي يُــسرٍ، ولم يقف على أي هدايـة، فإنما أعمته ذنوبه! وغطت على بصيرته…! قال تعالى: { أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}.
ثــــــم إن لوباء ‘كورونـا’ إيجـابيات دينيــة ودنيوية، شهــد بذلك بعض المسلمين وتفطــن لها بعـــــض الكفار.
إذ هــــــو القائـــــــــل” أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ”.
ونـــــحن نتوجـــــه إلــــــى الله راغبــــين مضطريــن:
اللهــم عافــنا في قدرتـك، وأدخلنــا فــي رحمتك، واقض آجـالنا فـــــي طاعتـك، واختـم لنـا بخيــر عمـل، واجعــل مثـواه الجنـة “
آمــــين والحـمد لله رب العالمـين.