مقالات رأي

كرة الهوية وهوية الكرة – فؤاد بوعلي

عندما انتقدنا حفل قرعة كأس الأمم الأفريقية 2025 الذي نظم سابقا في المغرب، كنا ننبه إلى خطورة المسار الذي تحاول النخبة التي تقود الشأن العام في المغرب فرضه على المغاربة، فالمفروض أن تكون الأحداث القارية أو الدولية أو العالمية التي تحتضنها المملكة فرصة لعرض مقومات الهوية الوطنية بتعدديتها وتاريخها، والمفروض أن تمنح هذه المناسبات الزائر الواقعي أو الافتراضي صورة عن حقيقتنا التاريخية الفريدة.

لكن الملاحظ أن هناك إصرارا على تقديم المغرب ليس باعتباره ملحقة ثقافية للمركز الفرنسي فقط، بل كمسرح لعرض نموذج إنساني منسلخ عن ذاته وقيمه وانتمائه، نموذج يقدم نفسه باسم الحداثة والحياد، ليغيب كل معاني الهوية المغربية. وحفل الافتتاح خير الأمثلة.

لذا غيبت اللغة العربية عن شعارات ووصلات الكان، كما غيب الانتماء العربي الإسلامي عن حفل الافتتاح، وبجرة قلم وجد جمهور الملاعب نفسه بدون قاعات لتأدية الشعائر.. فهل بعد هذا القاع من رسائل أخرى؟

فالبادي مما يقع أن قضايا اللغة والهوية ليست إلا وسائل للاستهلاك الداخلي وإشغال المجتمع بصناعة الطوائف الهوياتية وأن الغاية هي فرض نموذج هوياتي بديل تغيب فيه كل عناصر الانتماء. فالهوية كرة للتشظي وليس للانتماء. ومادامت العربية غائبة فلن تسمع صوتا ولا ركزا لدهاقنة الخطاب الاستئصالي الذين أسسوا منطقهم على الحرب على كل ما هو عربي، كما فعلوا في بطولة العرب بقطر، وتواروا الآن. ولنذكر هؤلاء وأولئك:

أن العربية لغة رسمية من لغات المنتظم الأممي والفيفا التي صادقت جمعيتها العمومية في مارس 2022 على اعتمادها لتنضم إلى اللغات الرسمية الأخرى وهي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والبرتغالية والروسية .

كما أن العربية ليست لغة للتواصل فقط بقدر ما هي فضاء استراتيجي هوياتي للمغرب في إفريقيا وبلدان جنوب الصحراء، وأن العلاقة مع شعوب هذه الدول ليست سياسية أو اقتصادية فحسب، بل إن العمق الديني واللغوي هو الذي يعطي للأبعاد الأخرى شرعية الاستمرارية.

ويكفي متابعة الاهتمام المتنامي بالعربية في هذه الدول وإقبالها على المغرب باعتباره اللغوي والديني لنعرف ماذا نضيع من فرص.

إن الإصرار على تقديم مغرب بدون ملامح ولا انتماء يسائل سيادتنا اللغوية.

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى