مقالات رأي

تأثير الحكم الذاتي على إفريقيا – نورالدين قربال

عاد المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، بعد مغادرة منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984. هذا لا يعني أنه كانت هناك قطيعة، بل ظل المغرب يبرم اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف مع الدول الشقيقة. هذا ما أهل المغرب أن يكون فاعلا استراتيجيا إقليميا ودوليا.

من تم صوت مجلس الأمن يوم 31 أكتوبر 2025 على القرار 2797 الذي أكد على أن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الأساس للتفاوض بين الأطراف المعنية. مؤكدا جلالة الملك في نفس التاريخ على إعلان هذا اليوم عيدا للوحدة. السؤال المفتاح كيف يؤثر مشروع الحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية على الجيو سياسي واستراتيجي بالقارة الإفريقية؟

إن مشروع الحكم الذاتي بأقاليمنا الجنوبية سيتخذ بعدا استراتيجيا من حيث التنمية البشرية والمستدامة والمندمجة، في أفق أمني يعزز الأمن والاستقرار، كما سيشكل مرجعا دوليا للتسوية العالمية لمجموعة من القلاقل الدولية. لأن القرار 2797 قفزة نوعية على مستوى التفاوض الدولي لأنه حطم الجمود الذي عمر طويلا على مستوى المفاهيم التشريعية المتعلقة بالقانون الدولي. لأنه جمع بين الوحدة والسيادة والتنمية معتبرا مبدأ تقرير المصير جزءا لا يتجزأ من ركائز مشروع الحكم الذاتي بناء على مفهومي الوحدة والسيادة.

إن مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية مرتبط بتوسيع التفاوض بين كل الأطراف المعنية مع إشراك الساكنة في بلورته وبناء هياكله.

الدول الإفريقية والحكم الذاتي

تفاعلت مجموعة من الدول الإفريقية مع هذا القرار الأممي لأنه نموذج متطور في تسوية النزاعات الإفريقية، لأنه يجمع بين الشرعية الدولية والسيادة الوطنية والوحدة الترابية والمشروعية التنموية عن طريق إبرام شراكات ثنائية ومتعددة، والتكامل بين الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، والتلازمية بين الحقوق والواجبات. إن هذا التجاوب الإفريقي مع هذا المشروع راجع لقناعات جيوسياسية واستراتيجية بدل التعصب الإيديولوجي المنغلق. لا غرو أن تصويت كل من الصين وروسيا بالامتناع على القرار دليل على أنهم واعون بالمتغيرات الدولية بناء على الأحداث الجارية في العالم.

إن هذه القناعات مرتبطة بدبلوماسية الوضوح والطموح التي نهجها المغرب بقيادة المؤسسة الملكية. لقد برز بالملموس للدول الإفريقية أن المغرب يساهم بفعالية في بناء المشاريع الاستراتيجية بالقارة والإفريقية، مما جعل القارة الإفريقية حاضرة بقوة في الاهتمام الدولي. كل هذا تم في إطار علاقة جنوب-جنوب، ومنطق رابح-رابح. إضافة إلى البنيات التحتية فقد أصبح المغرب رائدا في قضايا تشغل الرأي العام الإفريقي نحو الهجرة، والإرهاب، والمناخ، وغيرها. آخر هذه المبادرات الاستراتيجية المبادر الأطلسية التي تضم 23 دولة كما انضمت إليها دول الساحل، وهذا مؤشر على بناء استقرار إقليمي في هذه المنطقة.

لقد شكلت عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي إضافة نوعية شهد بها الجميع، وفتح قنصليات بالمناطق الجنوبية مؤشر على ذلك. خاصة على مستوى الشراكات الاستراتيجية المتنوعة، وبعد القرار الأممي وعودة البوليساريو إلى الصواب والمساهمة في البناء السياسي والتنموي للمناطق الجنوبية كما دعا إلى ذلك جلالة الملك، إضافة إلى الجزائر وموريتانيا آنذاك سيطوى هذا الملف وسنشرع في بناء وحدة مغاربية قوية نظرا للمؤهلات التي تتميز بها.

في تقديري أن عدم تصويت الجزائر على القرار مؤشر على أن القابلية للتفاوض ممكنة إذا توفرت الإرادة السياسية التي تجعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار. يمكن أن نقرأ بيان المجموعة العشرين قراءة إيجابية لعدم تناول قضيتنا الوطنية خاصة وأن اللقاء أقيم بجنوب إفريقيا. لأن العالم اليوم مل النزاعات وأصبح يبحث عن الاستقرار المساعد على بناء التكتلات الجيوسياسية والاستراتيجية.

لقد ارتبط اتخاذ القرار الأممي لحل هذا النزاع المفتعل بتحولات استراتيجية يعرفها العالم، من تم فالقرار الذي اتخذ تجاوز تراب معين وإن كان هو العمق، إلى اختيارات جيوسياسية واستراتيجية، ودبلوماسية واقعية وهادئة، وطموحة وواضحة، وتجديد في تقديرات تشريعية تهم مقتضيات القانون الدولي، واستحضار مداخل اقتصادية كبوابة للاختيارات السياسية التي تؤسس للسيادة المغربية بناء على مبدأ الوحدة، وإشراك المواطنين في بناء هذا الصرح التاريخي النوعي المندمج.

بعد هذا نؤكد على صدقية هذا المسار التاريخي وأن مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الذي أقرته الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن، وقرارات العقلاء منزه عن العبث. وهذا حل لا غالب فيه ولا مغلوب، وله تداعيات إيجابية متعددة الأبعاد. وأثبتت الأممية الاشتراكية مؤخرا أن القرار الأممي تحول لافت في التعاطي مع ملف الصحراء المغربية باعتباره قاعدة يمكن أن تقود إلى توافق دولي.

نخلص مما سبق أن الجدلية قائمة بين مبادرة الحكم الذاتي والتوجه الإفريقي باعتبارها توازن بين المبادرة تحت السيادة المغربية والتطور الحديث لمفهوم تقرير المصير، ليتفرغ الجميع إلى بناء الذات بناء على قيم التضامن والتعاون بين الدول الإفريقية، ونؤسس لرأي إفريقي موحد مساهم في اتخاذ القرار الدولي والإقلاع القاري المنشود، انطلاقا من الواقعية والمصداقية والجدية. كل هذا سيكون تحولا تاريخيا استراتيجيا منسجما مع التحولات الدولية، والدخول القاري الفعال في الدورة الحضارية التي يعرفها العالم. إن هذه القناعة توحي بنضج سياسي كبير يتجاوز الرؤى الضيقة إلى أفق مفتوح يؤصل الذات ويتفاعل مع المنتوج الكوني بذكاء ومهنية وعقلانية. إنها تسوية سياسية يمكن أن تكون قدوة لمجموعة من النزاعات الإقليمية والدولية وهو الطريق الصائب للتكامل القاري، والتمكين القاري والمغاربي الذي للأسف معطل لأسباب يمكن تجاوزها بالحوار الهادئ وتغليب المصالح العامة على أخرى ذاتية للأسف الشديد. إذن هل نحن جميعا في المستوى المطلوب لنؤسس توازنا جيوسياسيا واستراتيجيا داخل القارة؟ هل نحن في مستوى المرحلة التاريخية الصعبة من أجل تجاوز التحديات وتحقيق الرهانات؟ هل يمكن تجاوز التعصب الإيديولوجي الضيق إلى أفق معرفي مبني على فكر منفتح ومتطور ومتناغم مع السيرورة التاريخية؟

إن مبادرة الحكم الذاتي رؤية استراتيجية لها امتداد إقليمي ودولي للعبرة والاقتداء، ونتمنى أن يتفهم كل من يهمه الأمر أن يركب صهوة المرونة والحكمة لتحيق ما نصبو إليه جميعا من الترقي في السلم التنموي بين مدارج الوحدة والسيادة خدمة للجميع خاصة الأجيال المستقبلية المتعطشة للتغيير والأمل.

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى