الرئيسية-مقالات رأي

د عبد الله الفاسي يكتب: تحية لإسبانيا… يوم ارتدى بيلباو ألوان فلسطين

لم أكن أتصوّر أن مباراة كرة قدم يمكن أن تهزّ في داخلي هذا القدر من المشاعر. لكن ما وقع في بيلباو، حين احتشد أكثر من 53 ألف متفرج في ملعب سان ماميس، جميعهم يرتدون ألوان الفريق الفلسطيني، لم يكن مجرّد مباراة كان موقفًا أخلاقيًا وإنسانيًا، كان صرخة كرامة تتجاوز الرياضة لتبلغ أعماق القضية.

لقد تابعنا في العالم العربي والإسلامي صورًا تختصر معنى التضامن حين يجتمع شعبٌ كامل حول قيمة سامية. وفي بيلباو، بدا واضحًا أنّ إسبانيا — شعبًا ونخبًا ومؤسسات — قد اختارت بوعي أن تقف في صفّ الإنسان، وأن تعبّر عن رفضها للظلم الواقع على أهل غزة المحاصرة، ليس بالكلمات فقط، بل بعمل رمزيّ عظيم أصبح حديث العالم.

هذا اللقاء لم يكن حدثًا رياضيًا عابرًا، بل كان شهادة تاريخية تثبت أن وجدان الشعوب لا يُشترى ولا يُستبدل. لقد نجح نادي أتلتيك بيلباو في منح العالم درسًا في الأخلاق قبل الكرة، في الإنسانية قبل النقاط، وفي الشرف قبل الشهرة. مشهد الجماهير وهي تتحول إلى لوحة فلسطينية خالصة سيبقى محفورًا في الذاكرة طويلة.

وباسم كل عربي حر، أتقدّم بأسمى آيات التحية والتقدير للشعب الإسباني، وللفرق الرياضية، وللجمعيات المدنية التي جعلت من الرياضة جسرًا بين الشعوب لا وسيلة للترفّع. إن إسبانيا اليوم تبرهن أن أوروبا ليست كتلة واحدة من الصمت أو الانحياز، وأن الضمير الإنساني لا يزال قادرًا على مواجهة الظلم مهما اشتدّ.

شكراً لكِ يا إسبانيا…
لأنكِ قلتِ للعالم إن غزة ليست وحدها.
شكراً لبيلباو…
لأنك حولتِ المستطيل الأخضر إلى راية، والملعب إلى رسالة، والجماهير إلى صوت فلسطين.

ولأهل غزة نقول: لستم وحدكم؛ فهناك في أقصى الشمال من يلبس ألوانكم، ويهتف لأجلكم، ويذكّر العالم بأن المأساة لا يجب أن تصبح عادة.

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى