تضارب المصالح.. شبهات متواترة ومطالب بتقصي الحقائق

أصبح موضوع تضارب المصالح قضية حاضرة بقوة في الساحة المغربية خلال السنوات الأخيرة، وتحول إلى مسألة لتقاذف الاتهامات تحت قبة البرلمان، في ظل غياب قانون يجرم تنازع المصالح.
وكان المغرب صادق على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد سنة 2007 والاتفاقية العربية لمكافحة الفساد سنة 2010 واتفاقية الاتحاد الأفريقي لمنع الفساد ومكافحته عام 2022 وكلها تنص على سن تدابير قانونية من أجل مكافحة الفساد ومن ضمنها قانون منع تنازع المصالح وقانون منع الإثراء غير المشروع.
غياب قوانين المكافحة
وما فتئت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها تشير إلى غياب قوانين لمحاربة الفساد، مصدرة تقارير موضوعاتية تتعلق بالإثراء غير المشروع، وتنازع المصالح، ومنظومة التصريح الإجباري بالممتلكات، والتبليغ عن الفساد، مبينة من خلالها أهمية تعزيز الترسانة القانونية لردع الفساد.
وعلى إثر مطالبها تعهدت الحكومة بمواصلة العمل مع مختلف الشركاء بإعداد الصيغة النهائية لمشروع قانون تنازع المصالح، في عرض لوزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة أمام لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان والحريات بمجلس النواب أكتوبر المنصرم.
وتجدد النقاش حول موضوع تنازع المصالح بعد ما أثار عبد الله بووانو رئيس المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بمجلس النواب شبهات حول صفقة أدوية وقعها وزير لفائدة وزير أخر من حكومة أخنوش، موضحا أن الأمر يشكل تضارب مصالح واضح داخل الحكومة.
وكشف بووانو خلال مناقشة الجزء الأول من مشروع القانون المالي برسم سنة 2026 يوم الخميس 13 نونبر 2025 بجلسة عمومية أن وزير الصحة أبرم صفقة جديدة حول دواء معين لصالح شركة وزير في الحكومة تشتغل في المواد الصيدلية من أجل استراده من الصين علما أن هناك شركة مغربية تنتجه.
ويكشف بووانو عن تفاصيل مثيرة منها أن الدواء الذي وصل إلى المستشفيات مغربية وصل بلغة صينية غير مفهومة، وقد تم سحبه بعد ذلك، مشيرا أيضا إلى إحدى المصحات، تقتني دواء خاصا بمرض السرطان بثمن يتراوح بين 600 و800 درهم، لتقوم بفوترته ليصل ثمنه إلى 4000 درهم.
لجنة تقصي الحقائق
ونتيجة تلك الشبهات وأخرى مرتبطة بصفقات تفاوضية لوزارة الصحة، طالب مصطفى الإبراهيمي النائب البرلماني عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية بإحداث لجنة تقصي الحقائق في موضوع تضارب المصالح بشأن صفقات الأدوية.
ودعا الإبراهيمي، الأغلبية الحكومية بمجلس النواب إلى امتلاك الشجاعة السياسية، والانخراط في دعم لجنة تقصي الحقائق حول هذا الموضوع ولابأس بالنسبة له أن تترأسها الأغلبية، بشرط كشف حقيقة وملابسات صفقات الأدوية، مطالبا بمحاسبة من تورط في تضارب المصالح.
غير أن المتتبعين يستبعدون إحداث لجنة لجنة تقصي الحقائق في موضوع تضارب المصالح بشأن صفقات الأدوية مشيرين إلى عدم إحداث لجنة تقصي الحقائق في موضوع استيراد الماشية والاكتفاء بمهمة استطلاعية في الموضوع، إلى جانب عدم وجود قانون يمنع تضارب المصالح.
غياب بيئة مؤسساتية رادعة
كما يشير المتتبعون إلى وجود مؤشرات تبين عدم وجود إرادة لمكافحة الفساد منها تحجيم دور المجتمع المدني في الولوج إلى القضاء في قضايا الفساد، سواء عبر التبليغ أو عبر الحق في الانتصاب كطرف مدني بمناسبة إقرار قانون المسطرة الجنائية، إضافة إلى عدم عقد أي لقاء للجنة الوطنية لمكافحة الفساد.
ونتيجة كل ما سبق، نبهت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها من عراقيل أعاقت بناء بيئة مؤسساتية رادعة للفساد، موضحة أن التقييم المرحلي للاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد أبرزت منجزات بقيت محدودة ومجزأة قطاعيا ولم تحدث الأثر المطلوب على المواطن.
ويقترح عرض للهيئة بعنوان “الوقاية من الفساد ومكافحته: رافعة أساسية من أجل تنمية متينة، مدمجة ومستدامة” اتخاذ إجراءات متعددة بحيث أن كل تقدم في درجات الشفافية والمساءلة وسيادة القانون ينعكس إيجابا على مناخ الأعمال وجاذبية الاستثمار.




