بنخلدون يستعرض الأبعاد الجيوسياسية وفرص وتحديات القرار الأممي 2797

قال المهندس محسن بنخلدون إن مبدأ التوحيد الذي تحمله الحركة في اسمها ليس مجرد شعار بل هو رؤية حضارية تقوم على جمع شتات الأمة لا تفريقها، ومقاومتها لمشاريع الانفصال والتقسيم هي استمرار لمقاومة مشروع سايكس بيكو الذي أراد تمزيق الأمة إلى كيانات هشة يسهل إخضاعها.
جاء ذلك خلال مداخلة قدمها بمائدة مستديرة نظمتها حركة التوحيد والإصلاح مساء أمس السبت بمقرها المركزي بالرباط في موضوع: ”قضية الصحراء المغربية في ضوء قرار مجلس الأمن الدولي: الأبعاد والآفاق المستقبلية”.
وأضاف عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح “إن الدفاع عن الوحدة الترابية في المغرب هو في جوهره؛ ليس فقط موقفا وطنيا وسياسيا وأخلاقيا، بل هو جزء من الممانعة الحضارية ضد كل مخطط تفكيكي يستهدف الأمة في هويتها ومصيرها، لذلك يأتي القرار الأممي 2797 كتتويج لمسار طويل من الصبر الإستراتيجي للمغرب لأكثر من نصف قرن”.
وأكد بنخلدون أن المقترح المغربي بعد القرار الأممي لم يعد رأيا وطنيا فحسب بل أصبح هو الموقف الدولي الوحيد المعتمد كأساس للتسوية السياسية وهذا إنجاز وتحول مهم أغلق الباب نهائيا أمام أي حديث عن استفتاء أو تقرير مصير بمعناه الإنفصالي، وضبط سقف تحت السيادة المغربية، وهو ما يؤكد أن الأمم المتحدة لم تعد تنظر إلى الملف كقضية نزاع ترابي بل ملف استقرار إقليمي له امتداداته الأمنية والاقتصادية والسياسية.
البعد الجيوسياسي للقرار الأممي
واستعرض المهندس بنخلدون أربع عناصر محددة متداخلة ومترابطة فيما بينها للقرار الأممي الأخير أولها العنصر الجغرافي من خلال الموقع الإستراتيجي للمغرب بين أوربا وإفريقيا ودوره استقراره في استدامة سلاسل النقل والتبادل التجاري بين الشمال والجنوب، وواجهته الأطلسية الواسعة التي تفتح له أفاقا اقتصادية وأمنية وتشكل مجالا ذا أهمية قصوى كمنفذ بحري يشكل دعامة أساسية في المبادلات التجارية إضافة إلى الثروة السمكية التي يزخر بها.
ومن بين الأبعاد، طرح المتدخل العنصر الأمني، باعتبار المنطقة المحيطة بالمغرب تعيش توترا مستمرا من الساحل الإفريقي إلى الجنوب الجزائري وارتباط جبهة البوليساريو بشبكات تهريب الأسلحة والمخدرات والهجرة غير النظامية، لذلك كان دعم المجتمع الدولي للمقاربة المغربية هو رهان على الأمن الإقليمي ومكافحة التهديدات العابرة للحدود.
وفيما يخص البعد الاقتصادي، أشار بنخلدون إلى أن الصحراء المغربية تتوفر على إمكانيات اقتصادية واعدة في الطاقات المتجددة والمعادن النادرة والمعادن المستعملة مما يؤكد أن المغرب مقبل على مرحلة اقتصادية جديدة تضعه في قلب التحولات الطاقية العالمية، لذلك فإن استقرار المغرب شرط أساسي لاستقرار مصالح القوى الكبرى وخاصة أوربا والولايات المتحدة الأمريكية.

وأضاف بنخلدون أن “البعد السياسي مهم جدا فقد استطاع المغرب أن يعيد تموقعه داخل القارة الإفريقية من خلال دبلوماسية ذكية ومبادرات تنموية حقيقية فقد انتقل من مرحلة الغياب إلى مرحلة القيادة من خلال شراكات ملموسة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والأبناك والتعليم وغيرها من المجالات التي استثمر فيها المغرب في القارة الإفريقية، ودوره في أنبوب الغاز بين نيجيريا وأوربا جعل منه محورا استراتيجيا في أمن الطاقة الإفريقي والأوربي معا، زيادة على اهتمام الولايات المتحدة بمصادر المعادن النادرة وهي أساسية في صناعة الشرائح شبه مواصلات الضرورة للأجهزة الذكية والذكاء الاصطناعي عموما.
ولفت القيادي في الحركة إلى أن المغرب أصبح في هذا العصر الجديد لاعبا مركزيا لأنه يجمع بين الطاقات المتجددة والمعادن الاستراتيجية في بيئة سياسية مستقرة وشراكة موثوقة مع القوى الكبرى، مشيرا إلى أنه من خلال هذه المعطيات يمكن أن نفهم الموقف الأمريكي الداعم للقرار الأممي الأخير وللمقاربة المغربية.
ويرى بنخلدون أن القرار 2797 لا يمثل فقط اعترافا بجهود المغرب بل ترقية لموقعه إلى مصاف اللاعبين الكبار في المنطقة، ولكي يحافظ المغرب على هذا الموقع فإن نموذجه الداخلي يجب أن يواكب هذا الطموح من قبيل ترسيخ دولة الحق والقانون وتفعيل الجهوية المتقدمة التي سبق وأن بدأ فيها، وتمكين الساكنة المحلية من صلاحيات حقيقية في إطار الحكم الذاتي.
وشدد على أن نجاح هذا النموذج لن يكون فقط في صالح أقاليمنا الجنوبية بل سيكون نموذجا ملهما لباقي جهات المملكة في تعميق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، معتبرا أن القرار الأممي هو بداية مرحلة جديدة في قضية الصحراء المغربية، عنوانها الواقعية السياسة والاعتراف الدولي وتثمين استقرار المغرب، منبها إلى أن مسؤوليتنا كمجتمع مدني وكفاعلين فكريين وإصلاحيين هي أن نحمي هذا المكسب بمزيد من الوعي والوحدة والعمل الجاد على تثبيت مقومات الاستمرار والتنمية والكرامة في وطننا العزيز.
الفرص والتحديات
استشهد بنخلدون بالخطاب الملكي الأخير بعد صدور هذا القرار الأممي الأخير انطلاقا من أن المغرب انتقل من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير ومن معركة الدفاع عن الشرعية إلى معركة البناء الداخلي، وبالتالي أصبح واضحا أن هناك ما قبل هذا التاريخ وما بعده فعلا، وأننا دخلنا مرحلة الحسم في طريق الحل النهائي لقضية الصحراء المغربية في إطار مبادرة الحكم الذاتي كحل وحيد واقعي وقابل للتطبيق، مما يفتح أمام المغرب فرصا جديدة ويضعه أمام تحديات كبرى تستدعي وعيا عميقا ورؤية استراتيجية متبصرة.
ويرى عضو المكتب التنفيذي للحركة أن الفرص التاريخية لمبادرة الحكم الذاتي تتمثل في الانتقال من مرحلة الدفاع إلى مرحلة البناء، وتحول الأقاليم الجنوبية إلى قطب اقتصادي واستراتيجي، وتوسيع قاعدة التحالفات الدولية، وتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، بالإضافة إلى بناء مغرب الجهوية المتقدمة والاندماج المغاربي.
وعن التحديات المصاحبة لهذا القرار، يرى المتحدث أن أول تحد يواجهه المغرب هو تحيين مبادرة الحكم الذاتي وإخراجها في صيغة دستورية ومؤسساتية دقيقة، إضافة إلى إدارة لحظة النجاح دون استعلاء سياسي، ووجود التحدي الإنساني والاجتماعي المرتبط بعودة المغاربة من مخيمات تندوف والتحدي الأمني والعسكري عبر برامج تأهيلية ونزع السلاح وإعادة الإدماج على غرار التجارب الدولية الناجحة.
ومن بين أبرز التحديات يضيف بنخلدون، التحدي السياسي الداخلي، داعيا إلى التوفيق بين هذين المكونين الذي هو مفتاح نجاح التجربة لأن الإقصاء لأي طرف سيضعف التوازن الداخلي ويقوض مشروع المصالحة الوطنية، وكذلك التحدي الاقتصادي والبنيوي عبر الانتقال من اقتصاد الريع السياسي إلى اقتصاد الكفاءة والتنمية المستدامة، وتحدي العدالة المجالية والتوازن التنموي، والتحدي الثقافي.
وأشار إلى أن القرار الأممي أطلق مرحلة جديدة عنوانها الواقعية والمسؤولية وفتح أمام المغرب أفقا رحبا لنموذج متفرد في تدبير الحكم المحلي ضمن وحدة الدولة، والمغرب أمام فرصة تاريخية لصناعة نموذج ديمقراطي وتنموي حقيقي في أقاليمه الجنوبية شرط أن يتحول هذا الحكم الذاتي إلى مشروع وطني جامع لا إلى تجربة معزولة.




