مقاصد الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وطبيعته
عرفت الأقطار الإسلامية ظاهرة الاحتفال بالمولد النبوي مند القدم، حيث اختلف الدارسون في بداية الاحتفال بين من يربطها بالدولة الفاطمية الشيعية كما جاء عند ابن كثير والقلقشندي والمقريزي في خططه، وهو الذي أثبته فقهاء المالكية كالفاكهاني وابن الحاج المالكي..، ومن يرجعها إلى عهد الدولة العباسية وقبلها بكثير، كما اختلفت الأسباب بين من يربطها بفكر التشيع والانتصار لآل البيت، ومن يربطها بأشكال المقاومة للفكر المسيحي وروافده، بدءاً بأبي العباس العزفي السبتي المتوفى سنة 633ه/1236م صاحب كتاب الدر المنظم في مولد النبي المعظم وقد امتدت ظاهرة الاحتفال وأخذت طابعا رسميا في العديد من المحطات التاريخية وفي العديد من الدول الإسلامية، واختلف في شرعية هذا الاحتفال وطبيعته، وكتب في ذلك العديد من الدراسات والبحوث والمقالات، ورغبة في تسليط الضوء على هذه المناسبة يأتي هذا المقال لبيان مقاصد الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم وطبيعته.
أولا: مقاصد الاحتفال بالمولد النبوي:
1 – الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم وتحقيق قيمة المحبة:
إن الاهتمام بهذه المناسبة مدخل للتعرف والتعريف برسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت انشغل الناس بأحداث ومشاغل كثيرة صرفتهم عن معرفة الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو ما يفرض تَحَيّنُ الفرص والمناسبات للتعريف بالنبي عليه الصلاة والسلام والتذكير به وبسيرته، حتي يبقى حيا في قلوب الناس ومشاعرهم، ويتحقق مقصد المحبة له عليه الصلاة والسلام، خاصة وأن محبته من أصول الإسلام، إذ لا يكتمل إيمان المرء إلا بمحبته ، لقوله صلى الله عليه وسلم ” لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” رواه البخاري ومسلم
ومن مقتضيات المحبة تعظيمه صلى الله عليه وسلم، والاحتفال مدخل ووسيلة لتحقيق ذلك، وقد أكد ابن تيمية هذا المقصد في اقتضاء الصراط المستقيم حيث قال ” فتعظيم المولد قد يفعله بعض الناس ويكون لهم فيه أجر عظيم، لحسن قصدهم وتعظيمهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم”
ويؤكد مقصد الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم قوله تعالى ” قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا” يونس الآية 58). فقد جاء في «الدر المنثور» للإمام السيوطي وفي غيره منقولا عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قوله: ” فضل الله العلم ورحمته محمد” ويثبت هذه الصفة له صلى الله عليه وسلم قوله تعالى “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” الأنبياء 107 وقوله صلى الله عليه وسلم ” يا أيها الناس إنما أنا رحمة مهداة” أخرجه الحاكم في “المستدرك، وقوله صلى الله عليه وسلم أنا نبي الرحمة ” مسلم.
بل كان الفرح بمولده سببا في تخفيف العذاب عن أبي لهب كما جاء في فتح الباري فيما ذكر السهيلي أن العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلا العذاب، يخفف عني كل يوم اثنين، قال: وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الاثنين، وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها”
2 – الفرح برسالة الإسلام والتذكير بقيمها وأحكامها:
فتحين الفرص للتذكير بالنبي صلى الله عليه وسلم، ليس مقصود في حد ذاته بل لما يمثله النبي عليه الصلاة والسلام، فهو رسول صاحب رسالة سماوية تتضمن قيما وأحكاما وقواعد ومنهج يوجه الإنسان للسير على هدي الله، والاستقامة على طريقه، رسالة هي مصدر السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة، ومصدر الهداية من ضلال الشقاء في الدنيا والآخرة، فكانت بذلك مصدر الفرح والسرر، فهي كما قال الإمام بن قيم الجوزية في كتابه إعلام الموقعين” الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها” ، ومن كانت كذلك فالفرح بها واجب، وبمن كان سببا في وصولها إلينا مطلوب.
3 – تربية النشئ على محبة النبي صلى الله عليه وسلم:
جاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه أنه قال: كنا نعلم أبناءنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السور من القرآن” فإذا أردنا تربية الأبناء على حب رسول الله مطلوب تعريفهم بسيرته صلى الله عليه وسلم، واستغال الفرص لتذكيرهم بهذه السيرة العطرة، وما تتضمنه من قيم وأحكام وأخلاق راقية، ومنهج في العيش والتعامل مع الناس والحيوان والجماد، ولعل الأطفال يفرحون ويبحثون عن المناسبات التي تسعدهم وتكون محطة للفرح واللعب، وهي مناسبة لربطهم بسيرته عليه الصلاة والسلام وتعريفهم به صلى الله عليه وسلم، وبكمال خلقه ورحمته وصبره وعطائه للدعوة، وحبه لأمته وخوفه عليها.
ثانيا: طبيعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم:
إن الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم تعظيم له وترسيخ لمحبته التي هي من أصول الإسلام، ومدخل للفرح بهذه الرسالة، رسالة الخير والصلاح والسعادة للناس في الدنيا والآخرة، ومنطلق لربط النشء برسول الإسلام وسيرته ورسالته، وهو ما يقتضي اختيار الطرق الأنسب للاحتفاء والاحتفال به صلى الله عليه وسلم، والتي تقطع مع العادات التي أحدثتها السنينُ وتتعارض مع العديد من قيم الإسلام وأخلاقه، من رقص وانتهاك لعقائد الإسلام وأحكامه، وهذا لا يعني القطع مع جميع العادات التي لم تكن في عهده صلى الله عليه وسلم، بحجة ترك الصحابة والتابعين لهان لأن ” الترك ليس بحجة في شرعنا كما قال عبد الله ابن الصديق، فهو لا يقتضي منعا ولا إيجابا، وهو كما قال الإمام الصنعاني ليس بدليل لأنه لا دليل في الترك على حكم معين.
إن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم، والاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام يفرض اختيار انسب الوسائل والطرق المحققة للغاية والمقصد من الاحتفال، من تدريس وقراءة لسيرته صلى الله عليه وسلم، وعقد للمحطات والملتقيات التعريفية بحياته وصفاته عليه الصلاة والسلام، والعمل على الاقتداء به، وإحياء سننه وإتباعها، ودعوة الناس إليها والتبشير بها، خاصة ونحن نعيش لحظة تاريخية تعددت فيها الاجتهادات، وتباينت فيها الاتجاهات، وكثر فيها التمسح بالرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، ما يفرض تضافر الجهود والاجتهاد في التعريف به وبسيرته، وتحين جميع الفرص والمناسبات التي تمكن من ذلك وتساعد على التأسي به عليه الصلاة والسلام إتباعا له، وطاعة لله، قال الله تعالى ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” الأحزاب الآية 21.
محمد البراهمي