دة المصلي: ارتفاع أرقام الطلاق في المغرب يسائل مؤسسات الوساطة والصلح في المجتمع

سجّل التقرير السنوي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية برسم سنة 2024 ارتفاعا طفيفا في قضايا الطلاق المسجلة سنة 2024 مقارنة مع سنة 2023 بنسبة بلغت 0.5%.

ورصد التقرير الذي صدر في شهر أكتوبر الجاري، تراجعا في قضايا الطلاق الرائجة بنسبة 5.7%، وتراجعا في قضايا الطلاق المحكومة بنسبة 4.2% خلال سنة 2024 مقارنة مع سنة 2023، بينما لازالت قضايا الطلاق المسجلة في ارتفاع طفيف.

وقالت الدكتورة جميلة المصلي الأكاديمية ووزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة السابقة، إننا أمام تحولات كبرى يشهدها المجتمع المغربي، وهي تحولات تؤكدها العديد من التقارير سواء على مستوى المندوبية السامية للتخطيط وآخرها التقرير المتعلق “بالمرأة في أرقام” لسنة 2024، خاصة إذا ما تم ربطه بالمعطيات الديمغرافية التي أُعلن عنها بعد نتيجة الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024.

وأضافت المصلي في تصريح لموقع “الإصلاح” تعليقا على التقرير ” الأرقام الصادرة في التقرير، تحتاج الى تحليل وأن تأخذ بالجدية اللازمة، إذ تشير إلى تحولات عميقة يشهدها المجتمع المغربي على المستوى الديمغرافي، وعلى المستوى القيمي، وعلى المستوى الاجتماعي، وتظهر أكثر عندما نرى مستوى انفصال الأزواج في المغرب والذي يعطي فعلا أرقام مقلقة سنة بعد أخرى، وخاصة في السنتين الأخيرتين بعد جائحة كورونا إن على مستوى الطلاق أو على مستوى التطليق”.

وأوضحت المتحدثة أن التقرير الذي بين أيدينا؛ يؤكد أن إجمالي الأحكام التي تصدر بشكل يومي عن مختلف محاكم المملكة أزيد من 400 خلال سنة 2024، إذ تم تسجيل 40214 قضية طلاق بزيادة من 0.5% مقارنة مع 2023، بمعنى المعدل يصل إلى أكثر من 110 قضايا طلاق في اليوم، دون الحديث طبعا عن حالات التطليق طبعا.

واعتبرت  المصلي أن هذه الأرقام هي مجرد مؤشرات تحتاج لرصد وتحليل من أجل استشراف المستقبل، لا بد أن تتحول إلى محط اهتمام من طرف السياسات العمومية، والسياسات الاجتماعية عموما في المغرب وخاصة الموجهة للأسرة والسياسات المرتبطة بها، بالإضافة إلى برامج ومناهج التعليم، وكدا برامج الإعلام.

ودعت إلى تدخل كثير من الفاعلين وفي مقدمتهم المؤسسات الوطنية المهتمة وذات الاختصاص، كالجامعات المغربية ومراكز البحث، سواء الجامعات العمومية أو الجامعات التي تشتغل في إطار الشراكات، ومن زاوية البحث العلمي الرصين الهادئ الذي يقف على الأرقام ويواكبها بالتحليل العميق لمعرفة الأسباب التي تؤدي إلى هذه التحولات .

وأشارت الوزيرة السابقة  إلى أهمية فاعل رئيسي لا يقل أهمية وهو الفاعل المدني، أو ما نسميه بالمجتمع المدني، من خلال الجمعيات المهنية المتخصصة الجادة خاصة، وأن المعركة اليوم هي في الحقيقة معركة بناء وعي جماعي، وبناء الوعي هو مسؤولية جماعية داخل هذا الوطن العزيز، أي بناء الوعي بأهمية هذه الوحدة الجماعية.

وزادت أن تطور نسب الطلاق الاتفاقي المسجلة سنة 2024 مقارنة مع سنة 2023، ليست مجرد أرقام لكنها تعبر عن أدوار اجتماعية للأسرة، التي كانت تقوم بها كمؤسسة اجتماعية وحضارية وأصبح يٌفقد ويغيب.

و تؤكد الدكتورة المصلي المتحدثة على ضرورة أخذ هذه الأرقام بالجدية اللازمة من طرف المؤسسات الفاعلة مؤسسات البحث العلمي، والمؤسسات الوطنية التي تقوم بوضع السياسات وتتبُعها وتقييمها، منبهة إلى أن هذه الأرقام تهدد مؤسسة الأسرة خاصة وأننا نتكلم عن 100681 قضية سنة 2024، والقضايا الرائجة في المحاكم 134683، جرى الحكم في 109000، بنسبة 101% من نسبة المحكوم المسجل، و81% من نسبة المحكوم من الرائج، أي ما يمثل قرابة 300 حكم في اليوم، وهي بالتالي أرقام كبيرة وكبيرة جدا.

وقدمت المتحدثة مقارنة فيما يتعلق بطلاق الشقاق الذي سجل الحصة الأكبر ما بين قضايا التطليق المسجلة برسم سنتين 2023 و2024، حيث تجاوزت نسبته 96% خلال سنة 2023 و97% خلال سنة 2024، فيما سجلت قضايا التطليق للغيبة والتطليق للعيب والتطليق لإخلال الزوج بشرط من شروط العقد، والتطليق بسبب الإيلاء والهجر، والتطليق للضرر، والتطليق لعدم الإنفاق نسبا جد ضعيفة، وبالتالي تشكل نسب التطليق للشقاق  تقريبا ثلاثة أضعاف قضايا التطليق، وهو الأمر الذي اعتبره المجلس مؤشر على أن بعض الأزواج يفضلون مسطرة التطليق على مسطرة الطلاق في إنهاء علاقتهم الزوجية.

وتضيف المصلي أنه في ظل هذه التحولات وارتفاع هذه النسب سنة بعد أخرى، خاصة إذا ما قارناها بنسب الزواج، يظهر أن الخلية الأساسية في المجتمع، والوحدة الحضارية للمجتمع التي نعول عليها كثيرا في المجتمع المغربي في التنشئة الاجتماعية تتعرض لخلل كبير يمس كينونتها ووجودها، وهو مؤشر خطير أمام أهمية الأسرة والأدوار الوظيفية والتنموية التي تقوم بها في التنشئة، والحماية، والمحافظة على النسيج الاجتماعي، وفي الاستقرار الأسري، وفي التنمية المجتمعية ككل.

وكشفت المتحدثة أن المجتمعات التي حافظت على الأسرة ككيان اجتماعي إبان جائحة كورونا، هي المجتمعات التي استطاعت أن تتجاوز أزمة الإغلاق بشكل أخف من المجتمعات الأخرى باعتبارها صمام الأمان، فحين أغلقت الجامعات والمدارس والإدارات والمطارات والتجارة، وتوقف كل شيء، بقي في فترة الحجر الصحي باب الأسرة مفتوحا في وجه بني الإنسان.

وفيما يتعلق بدور المجتمع المدني، أكدت المصلي أن هذه الأرقام تسائل مؤسسات الوساطة والصلح في المجتمع، مشيرة إلى وجود تجارب على المستوى الوطني والدولي أكدت أنه كلما كانت هناك إجراءات ومساطر ومبادرات للصلح في مثل هذه الحلات، وقبل الوصول إلى مرحلة المحكمة والتقاضي النهائي، تكون هناك نتائج.

وأكدت الوزيرة السابقة أن هناك تجارب في هذا الشأن تمت على مستوى مجموعة من الجمعيات على الصعيد الوطني، من بينها منتدى الزهراء للمرأة المغربية في مراكز الإرشاد الأسري، وتم اعتمادها أيضا في الدول العربية وعلى مستوى مناطق أخرى.

ودعت  إلى تفعيل مؤسسات الوساطة الأسرية للإسهام في التقليل من هذه الأرقام المقلقة، وقال كلما نزعنا إلى الصلح يتم الوصول إلى إيجاد حل بين الزوجين، منوهة إلى أشكال مبدعة ومهمة جدا في التواصل في تاريخنا المغربي ومن التراث المغربي، وأن عملية مأسسة الصلح داخل الأسرة ضرورية لتفادي النزاع والتوتر.

موقع الإصلاح

أخبار / مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى