د الصمدي: مشروع قانون 59.24 فيه تراكم وكان على الحكومة إخراجه في بداية الولاية

مشروع القانون الخاص بالتعليم العالي لا يقلص صلاحيات الجامعة والمجانية مكفولة

أثار مشروع القانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي جدلا واسعا، ورفض عدد من الأساتذة والطلبة، بعدما صادق عليه مجلس الحكومة يوم 28 غشت الماضي، قدمه وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عز الدين الميداوي.

ويأتي مشروع هذا القانون تطبيقا لمقتضيات القانون-الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، ولاسيما المادة 17 منه، لتعزيز الدور الفعال للتعليم العالي والبحث العلمي في تحقيق الأولويات التنموية، وإسهامه المحوري في تكوين الرأسمال البشري المؤهل لمواكبة السياسات والبرامج والأوراش المهيكلة للمملكة.

كما يهدف مشروع هذا القانون إلى تحديد توجهات السياسة العمومية المتعلقة بالتعليم العالي والبحث العلمي، وكذا تنظيمه العام، ولاسيما القواعد المتعلقة بهيكلته، ونظام حكامته، والقواعد العامة لهندسته البيداغوجية واللغوية، وآليات مواكبته وتتبعه وتقييمه.

وفتح مشروع القانون نقاشا موسعا داخل الأوساط الجامعية والنقابية، لا من حيث توقيت عرضه على المجلس الحكومي ولا من حيث مضامينه ومقتضياته.

السياق العام لمشروع القانون

وسلط الدكتور خالد الصمدي الخبير التربوي والوزير السابق الضوء في حديث لموقع “الإصلاح” على ثلاث معطيات متعلقة بالسياق العام لمشروع القانون؛ أولها أن القانون الإطار المتعلق بالتعليم العالي مر على إنجازه 25 سنة من خلال القانون 01.00 الذي صدر سنة 2000، ونحن اليوم في سنة 2025، استجدت عدد من الأمور في الجامعة سواء على الصعيد الوطني أو الصعيد الدولي في مجال التعليم العالي والبحث العلمي ومع ذلك لم يواكبها هذا القانون.

أما المعطى الثاني فهو أن القانون ليس بجديد ليطرح للتداول، فقد سبق أن اشتغل عليه لحسن الداودي والأستاذة جميلة المصلي، واشتغل عليه شخصيا لما كان في الوزارة، واشتغل عليه اعويشة الذي جاء بعده وتم إحالته على المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وأبدى رأيه بشأنه، لذلك لا يمكننا أن نقول أن هذا القانون أعد على عجل وبسرعة وخرج في نهاية الصيف حسب ما يروج في مواقع التواصل الاجتماعي.

وبالنسبة للمعطى الثالث، الذي اعتبره  الصمدي إيجابيا هو أن هذا المشروع أخذ بعين الاعتبار هذا التراكم  تراكم الجهود والمشاورات التي كانت مع مجالس الجامعات والنقابات خلال المرحلة الأولى من 2011 إلى الآن.

وتأسف كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي من أن هذا القانون لم يخرج إلى حيز الوجود بعد أن كان جاهزا خلال 2018 بسبب اعتراض الأمانة العامة للحكومة، التي قالت أنه لا يمكن أن يخرج القانون الإطار للتعليم العالي قبل صدور القانون الإطار لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي 51.17 الذي خرج سنة 2019، وهو ما جعل هذا القانون يتأجل إلى نهاية الولاية الحكومية السابقة.

ويرى الصمدي أنه كان من المفروض أن تفتح الحكومة الحالية  هذا الملف في السنة الأولى لولايتها، وأن يشتغل السيد عبد اللطيف ميراوي وزيرا للتعليم العالي بمتابعة الملفات الكبرى للإصلاح وعلى هذا القانون وتخريجه، لأنه القانون المؤطر للبحث العلمي والتعليم العالي، لكن  دخلت المنظومة في عهده في أزمة من قبيل أزمة كلية الطب ونظام “الباشلار” وإلغاء وتوقيف عدد من المؤسسات الجامعية، و ذهب الوزير للاشتغال في ملفات للأسف خلقت أزمات، مما أخر هذا الملف إلى الآن أي إلى تعيين وزير جديد.

وحذر الأكاديمي والتربوي من سوء حظ هذا المشروع؛ الذي جاء في آخر سنة من عمر الولاية الحكومية، وهذا التوقيت غير مناسب لأن مجلس النواب سيكون مشغولا بقوانين الانتخابات، مبديا تخوفه من ألا يعطى الأهمية الكافية لهذا القانون الذي ليس بالسهل ومهم جدا، وفيه عدد من المقتضيات المهمة بالنسبة للمنظومة.

مجلس الأمناء واستقلالية الجامعة

وعن مضامين مشروع القانون، أبرز الدكتور خالد الصمدي تضمينه هيئة جديدة أسماها بمجلس الأمناء، لافتا إلى أنه مجلس معمول به في الجامعات العالمية وخاصة في الجامعات الأنجلوساكسونية التي تعتمد على النظام الإنجليزي، ونجد هذه المؤسسة في مجالس الجامعات الخليجية والإنجليزية وتسمى بمجلس الأمناء.

وأوضح الوزير السابق أن مجلس الأمناء دوره ليس تقريريا بل دوره رسم الاستراتيجيات العامة للجامعة والتي ينبغي دراستها في مجلس الجامعة والمصادقة عليها قبل دخولها حيز التنفيذ أي أن دوره تخطيط استراتيجي عام، وتدخل فيه مكونات الجامعة بالإضافة إلى مجموعة من المؤسسات والهيئات العمومية وهناك القطاع الخاص في إطار الشراكة والتعاون لأن الأمر يرتبط برسم استراتيجية للجامعة داخل محيطها.

ويرى الصمدي كمدبر سابق للقطاع خبر المجال، أنه رغم وجود هذا المجلس فتبقى استقلالية الجامعة العمومية المغربية بعيد المنال وتتطلب مجهودا كبيرا على المستويات المالية والإدارية والبيداغوجية بالإضافة طبعا إلى الإطار القانوني. مشيرا إلى أن صدور هذا القانون لا يقلص من صلاحيات الجامعة، بالعكس من ذلك فهو يفتح مجموعة من الفرص للجامعة كي تكون لها موارد ذاتية وتدبير بيداغوجي مستقل.

واستحضر رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية التخوف الموجود عند الفاعلين من مشروع هذا القانون، لأن هذا قد يمس بمجانية التعليم على سبيل المثال في التعليم العالي، ويمكن أن يمس استقلالية الجامعة على المستوى المالي.

ودعا الصمدي الوزارة المعنية في هذا الظرف الحساس أن تنصت إلى الفاعلين وتأخذ بعين الاعتبار تخوفاتهم ولا تتسرع في إخراج هذا القانون باستعمال الأغلبية العددية في البرلمان، لأن هذا القانون ليس سهلا، وبالتالي ينبغي أن يعمق فيه النقاش مع الفاعلين وخاصة النقابات، وفي نفس الوقت القانون الذي سيحكم المنظومة لمدة عشر سنوات قادمة لا ينبغي أن يكون فيه تسرع.

وأكد أستاذ التعليم العالي أن هذه الملاحظات على مشروع القانون كلها ملاحظات مبررة وينبغي أن تؤخذ بعين الاعتبار والاشتغال على القانون بوتيرة دقيقة ومكثفة،  مضيفا “حتى إذا تمكننا من إخراجه في هذه الولاية الحكومية نخرجه، وإذا لم نتمكن لا يمكن أن نخرج قانونا مبتورا أو فيه نوع من التسرع الذي لا يجيب على الأسئلة الحقيقية التي يطرحها الأساتذة الجامعيون”.

مجانية التعليم مكفولة للطلبة

وعن قضية مجانية التعليم، أوضح الصمدي أن مشروع القانون أعطى للجامعات فتح تكوينات بالأداء ليس لفائدة الطلبة، بل الأداء لفئة الموظفين الذين تفتح لهم تكوينات في التوقيت المكيف يعني بعد السادسة مساء أو في العطل أو في نهاية الأسبوع لمن يريد من الموظفين.

وأضاف المتحدث “هذه التكوينات يفتحها الأساتذة لمن يريد كذلك وليست إجبارية وليست مفروضة لا على الأساتذة الذين سيدرسون ولا على الموظفين الذي سيتفيدون من هذه التكوينات.

وشدد الصمدي في هذا الإطار، على أنه لا يوجد خلط بين مجانية التعليم الجامعي التي هي مكفولة بموجب القانون لفائدة الطلبة وهذه التكوينات الجامعية التي ستفتح كعرض بيداغوجي اختياري للجامعة لفائدة الأجراء والموظفين، وهذا هو الخلط انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، وسبق الوزارة أن أوضحت هذا الموضوع في الخرجة الإعلامية لكاتبها العام وبالتالي لم يبقى أي إشكال على مستوى المجانية.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى