في ذكرى رحيل أخ كريم بعد عقد كامل
د. أوس رمّال يكتب: في ذكرى وفاة الأخ عبد الجليل الجاسني رحمه الله

في مثل هذا اليوم، الرابع والعشرين من غشت، رحل عن دنيانا الفانية أخٌ عزيز، ورفيق دربٍ صادق، وجنديٌّ من جند الدعوة الصابرين المخلصين، الأخ عبد الجليل الجاسني، رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح الجنان.
عرفته عن قرب، أيامًا وسنين، جمعتنا فيها ميادين العمل الدعوي والتربوي، واختبرنا خلالها صدق النوايا وصفاء السرائر وثبات العزائم.
كنتُ يومها مدير التنظيم العامّ للحركة، وكان رحمه الله عضوًا معي في المديرية؛ مسؤولًا تربويًا يتفانى في أداء مهامه، لا يشتكي ولا يتذمّر، يحمل همّ البناء الإيماني والتربوي للأفراد كما لو كان همّه الشخصي، بل أكثر.
ولا أنسى تلك اللحظات التي كنّا نلتقي فيها في المخيّمات والمعتكفات سواء في سيدي بونعايم أو في أوشتام أو غيرها، في محاضن التربية وميادين التزكية، حيث تُترجَم القيم في السلوك اليومي والمخالطة المتواصلة.
وكم من مرة افتقدته فيها بين الخيام، أو بين الصفوف، أو أثناء فترات الراحة، فإذا بي أجده منزويًا بهدوء؛ قد فتح مُصحفه الذي لم يكن يفارقه، وأطلق بصره في كلمات الله يتلوها بخشوع، كأنّه في معتكف ربّاني لا في نشاط دعوي فحسب.
لم يكن كثير الكلام، لكنه كان شديد الفعل، ولم يكن يطلب المواقع، لكنه كان دائم الحضور منضبطا للوقت،
هادئ الطبع، رقيق القلب، نقيّ السريرة، مستقرّ الخطى.
مثل هؤلاء الرجال يُفقدون بصمت، لكنّ أثرهم لا يزول، وبذورهم لا تموت.
يمضون بأجسادهم، لكنّ سيرتهم تبقى تذكّرنا بأن في الناس بقايا من طينة الخير والنقاء، لا تغيرهم الأيام ولا تغرّهم المناصب والمسؤوليات.
وفي ذكرى وفاته، لا نملك إلا أن نتوقّف لحظة وفاء، لحظة تذكّر وعرفان، نسترجع فيها خصاله، وندعو له بما يرجوه كلّ مؤمن يرجو وجه الله:
اللهمّ يا أرحم الراحمين، اجزه عن دعوته وعن إخوانه خير الجزاء،
اللهمّ تقبّله في الصالحين، وارفع مقامه في عليين،
اللهمّ افسح له في قبره مدّ بصره، واجعل القرآن له أنيسًا وجليسًا،
اللهمّ نقّه من الذنوب والخطايا كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدّنس،
اللهمّ اجمعنا به في مستقرّ رحمتك، في جنّات النّعيم، غير خزايا ولا مفتونين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
رحم الله الأخ عبد الجليل الجاسني، وجعل قبره روضة من رياض الجنة.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.