عبد الله الفاسي يفكّك شفرة الدّعم الأمريكي للكيان المحتلّ في ثلاث حلقات
الحلقة الأولى: كيف حوّل ترامب الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي إلى صفقة تجارية

المقدمة: تحالف المصالح… لا المبادئ
منذ اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض، أظهر دونالد ترامب تحيزًا غير مسبوق لإسرائيل، متجاوزًا كل الخطوط الحمراء في السياسة الأمريكية التقليدية. فالدعم لم يكن مجرد انحياز أيديولوجي؛ بل “صفقة مربحة” لتعزيز مصالحه الشخصية واستثماراته؛ خاصة بعد تورط عائلته في صفقات عقارية بمليارات الدولارات بمشاركة أطراف صهيونية.
ومنذ تسلمه منصبه مجددًا في يناير 2025، أظهر دونالد ترامب دعمًا غير محدود للكيان، لكن هذه المرة في سياق تبدّل العالم من حوله نحو الصراع والاضطراب. هذا التحول ليس وليد موقف أيديولوجي، بل انعكاس لتحالف مصالح تجارية وسياسية، يمتد إلى مشاريع إعادة تطوير وأخرى دبلوماسية جديدة، كلها متشابكة مع مصالح شخصية وعائلية.
ولذلك فهو لا يكتفي بالتغاضي عن جرائم الحرب، بل يشجّع توسّع الكيان في الأراضي الفلسطينية، تمهيدًا لتحقيق حلم “إسرائيل العظمى الاقتصادية”، ما يعزز أرباح شركاته وعائلته.
1. ترامب والكيان المحتل: من “صفقة القرن” إلى الإدارة المباشرة.
أ. صفقة القرن
في 2020، أعلن ترامب عما أسماه “صفقة القرن” باعتبارها خطة سلام، وقال: “الصفقة ستجلب الازدهار للفلسطينيين والإسرائيليين.. وأصدقائي في العقارات!”
لكن الوثائق أظهرت أنها تسوية استثمارية بغطاء دبلوماسي: في اجتماع بين جاريد كوشنر ومستثمرين إسرائيليين (وفق ما أعلنت عنه صحيفة هآرتس 2021). وهو اجتماع سري نظمته Trump Organization في الضفة لتطوير أراضٍ سياحية بالتعاون مع مستثمرين إسرائيليين وإنشاء مدن سياحية في الضفة الغربية بمشاركة Trump Organization.
وفي تقرير “ذا نيو يوركر”: تأكيد على حصول ترامب على قروض بمليارات الدولارات من بنوك إسرائيلية لإنقاذ مشاريعه المفلسة.
ب. دعم التوسع الإسرائيلي: “إسرائيل العظمى تعني أرباحًا أعظم”
تتالت تصريحات ترامب عن حق إسرائيل في التوسع حتى خارج حدودها التقليدية. بالإضافة إلى مشاركته في مشاريع استثمارية واسعة، مثل مشروع “نيوم” السعودي، حيث حصلت شركة كوشنر على مليارات الدولارات.
وحتّى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس؛ كان من أهدافه الأساسية رفع قيمة العقارات الإسرائيلية التي يستثمر فيها شركاء مقربون منه.
كما أنّ الاعتراف بالجولان السوري كأرض إسرائيلية، جاء بعد ضغوط من شلدون أديلسون، الذي دفع “ركيزة تمويلية قدرها 100 مليون دولار” من أجل عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وتمرير معاهدات ضم الضفة، ما جعله لاعبًا مباشرًا في صناعة القرار.
الأغرب من ذلك، اقتراح ترامب في فبراير 2025 أن “الولايات المتحدة تتولّى إدارة قطاع غزة” بالكامل، في طموح لإعادة تطويره بمليارات الدولارات، ويتضمن إخلاء قسري لحوالي مليوني فلسطيني تُخرجه من طور السلام إلى مشروع شبه استعماري.

2. قرارات تصطدم بالشرعية الدولية
من نقل السفارة، إلى الاعتراف بالجولان… هذه كلها خطوات تتكرر. واليوم، توسع الضم مستوطنات الضفة، بينما يُنفّذ ترامب خططًا لاستيطان متسارع وتحويل غزة إلى “ريفييرا”. رسميًا، قرارهُ ضم غزة إلى النظام الأمريكي – وإن كان “اختياريًا” – فإنّه لا يزال مرفوضًا دوليًا.
3. أدوات جديدة للدعم: السلاح والإدارة
في فبراير 2025، أعتمد ترامب مبيعات أسلحة إسرائيلية جديدة بقيمة أكثر من 2.5 مليار دولار تشمل قنابل MK-84، BLU-117، وطائرات مسيرة Predator.
لم يتوقف عند ذلك، بل أعلن مشروع دفاع فضائي وطني باسم “القبة الذهبية”، مستوحى من النظام الإسرائيلي الشهير، بتكلفة أولية 25 مليار دولار وقد تصل إلى تريليونات على مدى عشرين عامًا.
.4. التوازن الداخلي: بين التصريحات الفجة والنتائج العملية.
مؤخرًا هاجم ترامب إسرائيل وإيران علنًا بشأن “خرق وقف إطلاق النار”، مع توجيه انتقادات حادة للطرفين في مواقف نادرة ABC News
أما خارجيًا، فقد عبّر في يونيو 2025 عن أمله في اتفاق سلام بين إسرائيل وإيران، وأضاف: “قد أدعمه… حسب الظروف” Reuters
خاتمة: الاحتلال تجارة استراتيجية مدعومة بالسيادة
إنّ سياسات ترامب تجاه الكيان في فترته الثانية لا تزال قائمة على نهج “الصفقة الكبرى”، لكن التحوّل الأبرز هو أنّه تطوّر من مجرد تحفيز استثمار إلى إدارة جغرافيا فلسطينية مباشرة، مع توسيع دعم السلاح والمشاريع الدفاعية.
هكذا يصبح الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي ملفا استثماريا وتصعيديا من الطراز الجديد، وتُستبدل السياسة بالصفقة، وإن تزيّنت بخطاب “السلام”.