تطورات القضية الوطنية – نورالدين قربال

لقد قدم المغرب مجهودا كبيرا على مستوى تدبير ورئاسة المجلس الدولي لحقوق الإنسان، كذلك على مستوى مجلس السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي. لكن لماذا تعتر اجتهاد المغرب على مستوى نفس المجلس في أبريل 2025؟ مع فتح المجال لخصوم وحدتنا الترابية للحصول بعضوية داخل هذا المجلس الإفريقي خلال الدورة العادية الرابعة والعشرين للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي؟ مع الإشارة أن هذا النظام الجزائري يقوم بخروقات حقوقية داخل مخيمات تندوف، لدرجة أنه يبطش ويعذب ويقتل كل من سولت له نفسه الرجوع إلى بلده المغرب، ناهيك عن ممارسة الإرهاب في دول الساحل و”حادثة درون مالي” ليست علينا ببعيد مما جعل دول الساحل تقطع علاقتها مع هذا النظام العنيد الذي يعيش عزلة عالمية.
هذا الاجتهاد الذي أفضى إلى هذه النتيجة يضاف إلى ما وقع كذلك خلال منصب نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي.لكن سنرى ما ذا سيقوم به النظام الجزائري؟ إن هذا النظام عندما تتاح له فرصة فإنه يقوم بالتشويش داخل القارة لأنه دائما يسبح في الماء العكر مما يعرقل التنمية بإفريقيا. فهل النظام الجزائري قادر على المساهمة في الوقاية من النزاعات وتسويتها، ودعم جهود التنمية، والاستقرار في القارة كما يدعي النظام أثناء حملته المشؤومة؟ هل هو قادر على القيام بما قامت به المملكة المغربية على المستوى الإقليمي والقاري والدولي على المستوى الحقوقي؟
للإشارة يحاول هذا النظام الجزائري العنيد أن يشوش على وحدتنا الترابية وعلى القضية الفلسطينية من خلال المباحثات التي أجراها مع دولة سلوفاكية، وقوبلت الدبلوماسية الجزائرية بجواب من قبل الدولة الأوربية أنها مع الحل السياسي الأممي. هذا يدل على أن هذا النظام لا يتابع ما تحققه القضية الوطنية من إنجازات خاصة اللقاء التاريخي بالولايات المتحدة بين الدولتين المغربية والأمريكية حيث تم التأكيد على سيادة المغرب على صحرائه، وأعطت مهلة للنظام الجزائري من أجل دفع جبهة البوليساريو للتفاوض مع المغرب على كيفية تنزيل مشروع الحكم الذاتي، باعتبار أن الاستفتاء شطب عليه من قبل خريطة الطريق الأممية، ونفس الأمر بالنسبة لتقرير المصير.
كما سبق أن كرر”فالسوم” باستحالة قيام دولة وهمية بالمناطق الجنوبية كون جبهة البوليساريو تنصلت من اتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة منذ 1991، فإن مهمة المينورسو ستتغير من الإشراف على وقف إطلاق النار والاستفتاء إلى الإشراف على مهمة وحيدة متابعة تنزيل مشروع الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية. إذا تعذر ذلك سيتم إبعاد المينورسو بتوقيف ميزانيته خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ثم اعتبار جبهة البوليساريو منظمة إرهابية يحظر التعامل معها. هذا ما بدأ المغرب يحضر له سياسيا ودبلوماسيا وثقافيا من خلال بحوث أكاديمية تؤصل لهذا الاختيار والترافع عليه إقليميا ودوليا وتوحدت رؤى أمريكا وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا على هذه الخطوات.
من المؤشرات الدافعة إلى تصنيف الجبهة ضمن الجماعات الإرهابية بالوكالة ما كانت تقدمه للنظام المخلوع بسوريا، وما زالت مجموعة منهم في السجون السورية، كما يتوسل النظام الجزائري للنظام الحالي بعدم الكشف عنهم، كما استغلت إيران بإيعاز من الجزائر تدريب أطفال أبرياء لتقديمهم ضحايا في مشاريع إرهابية. والتشويش على منطقة الساحل التي أعلنت انضمامها إلى المبادرة الأطلسية التي تجمع حوالي 23 دولة إفريقية. سيكون الميناء الأطلسي محطة استراتيجية للتبادل التجاري بين هذه البلدان بالتعاون مع دول عالمية في إطار شراكات رابح. رابح كما يؤكد دوما جلالة الملك.
بعد هذه الإطلالة هل استجابت إحاطة مبعوث الأمين العام للصحراء المغربية السيد ستافان دي ميستورا لهذه التطورات في إطار مشاورات مجلس الأمن يوم 14 أبريل 2025؟ هذا ما سنراه من خلال قراءة في متن الإحاطة:
1.”التوصل إلى حل عادل ودائم ومتفق عليه للنزاع”. لكن ذيل هذه الجملة للأسف بتقرير المصير مستعملا كلمة شعب بدل ساكنة الصحراء المواطنين المغاربة الذين يشكلون 85 في المئة، وآخرون محتجزون في مخيمات تندوف من قبل النظام الجزائري.
2.”تهدئة التوترات في المنطقة والمساعدة في التوصل إلى نتيجة متفق عليها بشأن الصحراء المغربية”. لكن حال لسانه ومظهره السيميائي لا يوحي بذلك.
3.”تأكيد واضح لإعلان الرئيس ترامب عام 2020، أعاد الوزير الأمريكي تأكيد التزام حكومته بمبادرة الحكم الذاتي الجاد. وإصرار الرئيس الأمريكي على ضرورة أن يكون الحل متوافقا عليه بشكل متبادل. وستعمل الولايات المتحدة بنشاط على تسهيله.” لكن من خلال سردية المبعوث الأممي لا نخال ذلك.
4.”استقبلت السلطات الجزائرية وزير الخارجية الفرنسي ستيفان بارو في 6 أبريل لم يشر مباشرة إلى ملف الصحراء”. لكن لماذا لم يتحدث عن الزيارة التاريخية لرئيس الدولة الفرنسي واللقاء التاريخي بينه وبين جلالة الملك والاعتراف الواضح بمغربية الصحراء وسيادته على ترابه، والخطاب التاريخي للرئيس الفرنسي بالبرلمان المغربي، ناهيك عن اتفاقيات مشتركة تهم مشاريع داخل الوطن بما فيها المناطق الجنوبية.
5.”المشاركة الدبلوماسية في المنطقة من قبل عضوين دائمين في هذا المجلس تعد مؤشرا على الاهتمام المتجدد بالفرص، لكن أيضا تظهر المخاطر القائمة”. وهذا الاستدراك من قبله لا يتناغم مع الكلام الأول، مما يشوش على الحقيقة. معقبا على عدم تحسن العلاقة بين المغرب والجزائر. ويعتبر هذا شرطا ضروريا لتفادي خطر نشوب صراع إقليمي، تسعى الأمم المتحدة ومجلس الأمن إلى تسهيل حل سياسي لقضية الصحراء المغربية. والحقيقية التي يعرفها الجميع أن النظام الجزائري يدعي أنه لا علاقة له بالصحراء كما أكد على ذلك الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين سنة 1974. لكن بعد المسيرة تغير توجه الجزائر لأنه يستغل البوليساريو من أجل بناء كيان وهمي من خلاله تطل على المحيط الأطلسي وتستغل خيرات المغرب كما تقوم به الآن في الصحراء الشرقية. فكيف غابت عن المبعوث الشخصي للأمين العام هذه الحقائق؟
6.”خلال زيارة الوزير بوريطة الأخيرة إلى الولايات المتحدة تلقى السيد ميستورا من هذه الأخيرة ثلاث رسائل أساسية والتي من الواجب تحليلها”. فما يخدم الحقيقة يخضعه للتحليل وما يشوش على الحقيقة يعرضه بدون تحفظ. فما هو موقفه من الرسائل الأمريكية؟ “يجب أن يكون الحكم الذاتي جادا”، لذلك طلب توضيحات إضافية حول هذا المشروع. موظفا حكما ذاتيا حقيقيا عن طريق توضيح الصلاحيات. نذكر السيد ميستورا أن القرار الأممي الذي من المفروض أن يستحضره هو وصف مشروع الحكم الذاتي بالجدية والمصداقية والواقعية. والمغرب عندما يطرح التفاوض حول مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية فهو يسعى للتقدم بالمسلسل السياسي في إطار الشرعية الدولية. إذن لا يمكن طرح المزيد من التوضيحات والمغرب يدعو إلى التطوير والتحيين في ظل السيادة المغربية. فما على السيد ميستورا إلاإقناع النظام الجزائري للعودة إلى الموائد المستديرة. ناهيك عن اعتراف أكثر من 110 دولة عالمية أغلبها أعضاءبالأمم المتحدة بأحقية ومشروعية الحكم الذاتي.
7.”تطرح أمريكا حلا مقبولا للطرفين”، لكن “الخبير” الأممي يضيف الآلية الموثوقة لتقرير المصير” ويبدو لي أن الرجل الأممي يطرح الجمع بين نقيضين وطرحين أولهما متقدم طرح منذ 2007 من قبل المغرب وآخر أكل الدهر عليه وشرب لأنه من الطروحات التي كانت سائدة في الحرب الباردة وبعد سقوط خط برلين والاتحاد السوفياتي تغير كل شيء إذن المعركة معركة وعي بالدورات الحضارية التي تتحكم في التطورات العالمية. لقد حدد تقرير المصيربطريقة راقية بعد فتوى محكمة لاهاي في السبعينات وتنظيم مسيرة خضراء التي مكنت المغرب من إتمام وحدته الترابية واليوم تشكل ساكنة المناطق الجنوبية 85 في المئة والباقي محتجزون في المخيمات من قبل النظام الجزائري.
8.”يسجل الانخراط في تسهيل التوصل إلى حل متفق عليه، كما جاء في الطرح الأمريكي”، لكن يستدرك “بأن هناك إحساسا بالإلحاح، إذا أردنا أن نسهم في تهدئة الوضع في المنطقة وفي وقت نفسه السعي لحل قضية الصحراء المغربية”. هذا التعقيب يؤكد على أن السيد المبعوث للأسف ليس محايدا وإنما يتحدث باسم الطرف الآخر بأساليب ناعمة. السؤال من تنصل من اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعت تحت إشراف الأمم المتحدة سنة 1991؟ هل تابع السيد المبعوث ما قاله رئيس البعثة الأممية “المينورسو” في حق الجبهة السيد ألكسندر إيفانكو؟
يختم السيد ميستورا بالنقاط التالية:
- التحديات الكبيرة على الأرض والصعوبات المالية.
- دعم المجلس ضروري لدعم المرحل الأولية لأي حل سياسي ممكن.
- الاحتياجات الإنسانية المستمرة “للاجئين” في منطقة تندوف.
- تأمين تمويل جديد.
- اليأس والنفاذ والصبر بالمخيمات.
- المشاركة الكاملة والفاعلة للنساء الصحراويات والمساهمة في تحديد مستقبل “شعبهن”.
- -إطلاق خريطة طريق جديدة نحو حل نهائي لنزاع الصحراء المغربية.
- -جلسة أكتوبر 2025 فرصة حاسمة لهذا المجلس.
- الإصرار على تسهيل هذا المسار بموافقة الأمين العام لا يزال قائما.
من خلال هذه النقاط التي ختم بها السيد ميستورا إحاطته نؤكد على ما يلي:
إن ساكنة المخيمات تعرف احتجاجات يقودها المجتمع المدني من أجل عودتهم إلى وطنهم، لكن تقابل هذه الاحتجاجات بالقمع والقهر من قبل النظام العسكري الجزائري وعصابته بالوكالة الخونة من الجبهة، فهم محتجزون وليسوا لاجئين لا يسمح بإحصائهم ويعاملون معاملة لاإنسانية. أما الدعم المالي المخصص لهم سرق وحول إلى أبناك عالمية، والدليل التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية عالمية خاصة من قبل الدول والمنظمات الداعمة. لذلك لخص وضعية المخيمات باليأس والنفاذ.
كما دعا إلى إطلاق خريطة طريق جديدة، وأظن حسب تقديري أن يكون السيد ميستورا محايدا وكأنه ناطق رسمي باسم الطرف الآخر وهذا ليس عليه ببعيد عندما طرح مشكلا كبيرا على مستوى الكواليس في أكتوبر 2024. أما كلمة شعب فهو يرددها كثيرا والحقيقة أنهم مواطنون مغاربة إخوان لنا في الدم والعقيدة احتجزوا من قبل النظام الجزائري. لأنه يعادي المغرب. رغم أن هذا الأخير يدعو دائما إلى إعادة العلاقة الطبيعية بين البلدين. نؤكد أخيرا ما قاله جلالة الملك محمد السادس حفظه الله بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين للمسيرة الخضراء، “إن مغربية الصحراء حقيقة ثابتة لا نقاش فيها، بحكم التاريخ والشرعية، وبإرادة قوية لأبنائها، واعتراف دولي واسع”.