ذة مليكة شهيبي تكتب : فرحة العودة

فرحة العودة، لن يفهمها ولن يذوق طعمها إلا من عانى التهجير والترحيل.. إنها لحظة تمثل بداية جديدة ككل مرة، وتحمل في طياتها مشاعر مختلطة بين الفرح والدموع، بين الأمل والذكريات. كثيراً ما يترافق هذا الفرح عند أهل  غزة بإصرار كبير على الحياة، على الاستمرار، على إعادة الاعمار..

وأنت ترى الغزاويين الذين هُجِّروا وهم يتوافدون على أنقاض بيوتهم وكلّهم أمل وألم، أمل في بناء صرح جديد من الكرامة والوجود الإنساني المصرّ على البقاء، وألم من الذكريات التي حفرها الصهاينة في ذاكرة الصغير والكبير.. لكن ما لا يعرفه هؤلاء القتلة أن تلك الآلام مُلهمة للآمال ولإعادة البناء من جديد.. بناء الإنسان والعمران.

نحن نتألم ونحن نرى على الشاشات الصغيرة حجم الدمار والهمجية التي مارسها الاحتلال الغادرعلى هذه البقعة المباركة، فكيف لعمري هي أحاسيس أهل الدار وهم يتجولون بين الأنقاض، وقد نسى أغلبهم موقع سكناه لهول الدمار الذي أخفى معالم البلدة.

هي دروس يلقنها نساء وأطفال ورجال غزاويونللعالم، دروس في معنى الارتباط بالوطن والارتباط بالأرض وليس بزينتها وبناياتها وناطحات سحابها، رائحة التراب المدمر أغلى عندهم من الهروب لبلدان أخرى، أعطوا للعالم دروسافي معنى حب الأرض وفي ماهية الوطن التي ضاعت حلاوة معناها وتشوه تمثلها، علمونا كيف يمكن لحب الأرض أن يمنع من رفع الراية البيضاء للمغتصب رغم حجم الآلام والتنكيل والتيتيم والأسر.

دروس لقنوها للإنسانية في القدرة الاستثنائية على الصمود في ظل أسوأ الظروف، وفي المرونةالمذهلة على التكيف مع الصدمات النفسية المتكررة إثر الدمار والتدمير.

ونحن نرى صبيحة بداية توقيف إطلاق النار، آلاف من الشباب يتوافدون على شمال غزة في اتجاه منازلهم، وكأنه لم يُقتل منهم أحد ولم يَنقص من عددهم عدد، وكأن الأمهات تقدم ابناً بيد للاستشهاد في سبيل الأرض وتنجب ابناً آخر ينبث من الأرض ويعيش لأجلها ويحيى لاسترجاع كرامتها.

فعلا إنه شعب ينبض بالحياة وسط أمة كادت أن يتوقف نبض قلبها.. لو لم يكن من حكمة إلهية لما يقع في غزة غير إحياء قلوب الشعوب الذابلة، لكفتنا من حكمة.. وما يخفيه الله عنا من أسرار سيجليها في حينها وستجدنا نقول: إن الله يعلم ما لا تعلمون.. إنها أسرار في جواب رب العزة للملائكة حين سألوه: “أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال إني أعلم ما لا تعلمون”.

وإن كنا لا زلنا نعيش ضمن توقعات الملائكة، إلا أن ما يخفيه رب العزة يبقى من أسرار هذه الحياة التي لا يعلم كنهها وخباياها إلا هو.

فسبحان الله الذي جعل فرحة شعب تَعبر الحدود وتكسر القيود لتلامس ّ قلوب شعوبالعالم، شعوب لا يجمعهم دين ولا ثقافة غير إنسانية الانسان.

أدام الله فرحتكم أيها الشعب الأبي وإلى فرحة التحرير بإذن الله. 

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى