الإدريسي يكتب: هل انتصرت المقاومة في معركة طوفان الأقصى؟
صبيحة يوم 18 رجب الفرد 1446هـ/ 19 يناير 2025م، يدخل اتفاق وقف إطلاق النار(وقف العدوان) بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني حيز التنفيذ بعد جولة استثنائية من جولات الصراع بين الشعب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي ومعاركه العديدة، منذ وعد بلفور المشؤوم سنة 1917م إلى اليوم، فهل انتصرت المقاومة في هذه المعركة وهذه الجولة؟ وهل حققت العملية المباركة والكبرى لطوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023 أهدافها؟ أم أن الكيان الصهيوني المدعوم من القوى العالمية حقق أهدافه التي طالما تشدق بها مجرم الحَرب نتنياهو وقادة كيان الشر المطلق؟
في البداية لا بد من التذكير أن الصراع مع الكيان الصهيوني ليس وليد معركة طوفان الأقصى بل هو ممتد لأكثر من قرن من الزمان، منذ الاستعمار البريطاني لأرض الشام وفلسطين، ولن يتوقف مع هذا الاتفاق، وإنما هو صراع مستمر بين الحق والباطل بين العدل والظلم بين الخير والشر إلى أن تتحقق الحرية للشعب الفلسطيني وإقامة دولته الحرة وعاصمتها القدس الشريف، ودون ذلك تضحيات وأثمان باهظة، في هذا العدوان حوالي50 ألف شهيد و150 ألف جريح و2 مليون مهجر.
بعد صمود أسطوري للمقاومة الفلسطينية وحاضنتها الشعبية وجبهات الدعم والإسناد في كل من لبنان والعراق وإيران واليمن، بالإضافة إلى حراك الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم الذي لم يتوقف عن التظاهر والإدانة لجرائم الإبادة الجماعية والتهجير القسري والحصار والتجويع والتعذيب استمر ل470 يوما، والذي يعتبر أكبر إسناد ودعم لقضية معاصرة، فلم تخل ساحة أو ميدان من عواصم العالم أو مدن بعض الدول العربية من تظاهرة أو وقفة أو مسيرة، فمثلا في المغرب تم تنظيم أكثر من 10 آلاف فعالية طيلة هذه المدة.
يأتي هذا الاتفاق الذي أكد أن المقاومة انتصرت في هذه المعركة وهذه الجولة، ولا شك أن الشعار الذي رفعته المقاومة لمعركة طوفان الأقصى “تحرير الأسرى و تطهير المسرى” سيبقى محفزا وباعثا على الإعداد والجاهزية استعدادا لجولات أخرى، وهذه أهم ملامح الانتصار ومظاهر الظفر، وهي سبعة تخليدا للسابع من أكتوبر :
1 – قبل طوفان الأقصى 7 أكتوبر2023م، كانت القضية الفلسطينية تحتضر على جميع المستويات السياسية والدبلوماسية والحقوقية، وكان قطار التطبيع يسير بسرعة جنونية في المنطقة العربية، وهنا نستحضر خطاب مجرم الحرب نتنياهو في 22 شتنبر 2023 في الدورة 78 للأمم المتحدة حيث قال :”إن جهود صنع السلام لم تنجح في الماضي، لأنها قامت على فكرة خاطئة وهي أن الدول العربية لن تطبع علاقاتها مع إسرائيل إذا لم يتم أولا إبرام اتفاق سلام مع الفلسطينيين”، بمعنى أن القضية الفلسطينية لا مكان لها في مستقبل الأيام، وأضحت ملفا ثقيلا على بعض القادة العرب يجب التخلص منها بأي وجه كان، فإذا بالطوفان يوقف قطار التطبيع، ويعيد القضية الفلسطينية إلى الصدارة في المحافل الدولية والإقليمية، وأضحت النقطة الأولى والمركزية في جميع الأجندات والفعاليات.
2 – إسقاط السردية الصهيونية التي بنتها على أسطورة المظلومية ومعاداة السامية، بل وتم حشر الكيان الصهيوني في زاوية ضيقة وملاحقته بتهم جرائم الحرب ومتابعة قادته السياسيين والعسكريين، وأضحى مجرم الحرب نتنياهو مهددا بالاعتقال في أكثر من 130 دولة بعد إدانته من محكمة الجنايات الدولية بعد الدعوة التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا وساندتها فيها بعض الدول الأخرى؛ بل وأسقط العدو الصهيوني بوحشيته كل الشعارات الكاذبة التي رفعتها الأنظمة الغربية الداعية إلى حقوق الإنسان والقيم الإنسانية، وأثبتت الجرائم المتوحشة للكيان الصهيوني أن العالم الغربي يكيل بمكيالين أو أكثر.
3 – التفوق الاستخباري والأمني لكتائب عز الدين القسام من خلال المفاجأة الكبرى التي كانت صبيحة 7أكتوبر 2023، ذلك أن عملية طوفان الأقصى تفوقت استخباراتيا على الموساد والشاباك والاستخبارات الأمريكية والبريطانية، فبإعلان المجاهد محمد الضيف قائد هيأة الأركان في جيش القسام تكون حماس قد قامت بأكبر عملية خداع وتمويه في تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني، أضف إلى ذلك خطاب الطمأنة الذي بثه القائد المشتبك الشهيد يحيى السنوار قبيل المعركة، وأن حماس الآن متفرغة للتدبير المدني لقطاع غزة، ولا ترغب في شن حرب جديدة مع الكيان الصهيوني، ينضاف إلى ذلك القدرة الهائلة ” لوحدة الظل” في القسام على الاحتفاظ بهذا العَدد الكبير من الأسرى الصهاينة طيلة 471 يوما وزيادة.
4 – التفوق الأخلاقي والقيمي، والذي بدا واضحا من خلال حُسن معاملة الأسرى من طرف “وحدة الظل” في كتائب القسام وباقي فصائل المقاومة، وظهر الجيش الإسرائيلي الذي يدعي بأنه الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، بوجه بشع متوحش متعطش للدماء والدمار، فلم يلتزم بأخلاقيات القتال من خلال استهدافه للمساجد والمدارس والكنائس والمستشفيات والمَباني، وقتل الأطفال والنساء والشيوخ واعتقال المرضى وتعذيبهم، والتنكيل بهم واغتصابهم وإهمالهم طبيا. وبناء عليه أصبح هذا الكيان المتوحش منبوذا أخلاقيا وإنسانيا وقيميا، وستبقى تلك المشاهد التي نقلتها القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي وصمة عار على جبين الإنسانية، ومثلبة في تاريخ هذا الكيان الذي وضع رجله الأولى في تابوت نهايته.
5 – تفوق إرادات الحياة والحرية والحق للشعب الفلسطيني على إرادات الظلم والعدوان، وصمود الشعب الفلسطيني وتشبثه بأرضه رغم الدمار والخراب، والتهجير والإرهاب، في مقابل ذلك نجد أن حوالي مليون إسرائيلي غادورا وهاجروا أرض الميعاد قافلين إلى دولهم التي جاؤوا منها، بعد أن تبين لهم أن الأرض الموعودة بالأمن والرفاهية ليست لهم وإنما هي لأهلها ولأصحابها.
6 – لم يحقق العدوان أيا من أهدافه التي أعلنها طيلة أيام الحرب وهي : هزيمة حماس عسكريا وسياسيا، استرجاع الأسرى بالقوة العسكرية، إعادة احتلال غزة وتهجير ساكنتها، ولكن بعد مرور خمسة عشر شهرا لم يجد نتنياهو بدا من أن يتفاوض مع حماس، وأن ينتظر ردود حماس حول بنود الصفقة وتبادل الأسرى وقف إطلاق النَّار، بل إن الوفد المفاوض عن الكيان الصهيوني طلب اللقاء المباشر مع الوفد التفاوضي للمقاومة فرفضت حماس هذا المطلب لاعتبارات لا يتسع المجال لها الآن، وتم تدبير المفاوضات عبر الوسطاء من قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية.
7 – التفوق الاستراتيجي: إن معركة طوفان الأقصى حطمت الاستراتيجية الإسرائيلية في إدارتها للحروب والتي كانت تقوم على حسم أي حرب مع العرب في أقصر فترة ممكنة، وهذا ما حدث في حرب عام 1948 والعدوان الثلاثي سنة 1956 وحرب عام 1967 وحرب عام 1973 إلى اجتياح لبنان سنة 1982 م. أما حرب عام 2006 ضد حزب الله فامتدت إلى شهر كامل، أو معارك: الفرقان والعصف المأكول وسيف القدس وحد السيفو.. وبالتالي أبانت أن العدو الصهيوني لم يستطع حسم المعركة رغم خطوط الإمداد المفتوحة (أسلحة، أمدت الولايات المتحدة الأمريكية الكيان ب 50 ألف طن من المتفجرات- أغذية- أدوية-مرتزقة..) والحصار الخانق المضروب على غزة والمقاومة فيها.
إن معركة “طوفان الأقصى” غيرت وجه العالم على المستوى القريب، وتداعيات الطوفان ستغير العالم على المستوى المتوسط والبعيد.
وأنا أختم كلمات هذا المقال أتابع على قناة الجزيرة العملية الأولى لتسيلم ثلاث أسيرات في ساحة السرايا بمدينة غزة وسط هتافات من طرف الفلسطينيين الذين حضورا بكثافة للمقاومة بشعاراتهم: “حيوا الكتائب كتائب عز الدين” و “حط السيف قبالة السيف نحن رجال محمد الضيف” بعض ظهور نخبة القسام بزيهم الأخضر وسلاحهم الموحد فوق السيارات التي تحمل الأسيرات.
إذا لم يكن العدو الصهيوني قد انتصر، فإن المقاومة قد انتصرت.