ذ يتيم يكتب: خسائر الشعب الفلسطيني وخسائر الكيان الصهيوني …وانتصار فكرة المقاومة

منذ 7 أكتوبر 2023، يشن الكيان الصهيوني -بدعم عسكري أميركي- حربا مدمرة على غزة أسفرت عن أكثر من 155 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل في غزة ومجاعة متفاقمة.

غير أن الاحتلال الصهيوني قد تلقى هو الأخر خسائر فادحة في الأرواح والجرحى والمعطوبين خاصة في الأيام الأخيرة في غزة .. ويزداد وقع تلك بالنظر لحرصهم على الحياة مصداقا لقوله تعالى :” ولتجدنهم أحرص الناس على حياة “.

وتوجه الكيان الصهيوني إلى القبول باتفاق ينهي الحرب على عزة، يؤكد أنها كانت حربا مكلفة جدا عليه مما اقتضى تدخلا وضغطا أمريكيين لعقد اتفاق لوقفها، فضلا عن الضغط الذي يمثله ملف الرهائن الذين يوجدون في قبضة حماس منذ عملية طوفان الأقصى، والضربات الموجعة التي تلقاها الجيش الصهيوني بعد تورطه بالدخول لغزة يثبت ذلك.

وها هو اليوم يسارع الخطى لمغادرتها وتوقيع نحو 200 جندي إسرائيلي على رسالة بأنهم سيتوقفون عن القتال إذا لم تؤمن الحكومة وقف إطلاق النار يدل على أن ” غزو ” غزة لم يكن فسحة ‘ وعلى تبخر ” “خطة الحنرالات “: وهو تصديق لقوله تعالى : “إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لايرجون “

أثمان مكلفة للفلسطينين في غزة

صحيح أن الأثمان التي دفعها الشعب الفلسطيني أثمان مكلفة، وأن الدمار الذي حل بغزة يفوق أي تصور، و لا يوازيه إلا الدمار الذي خلفه التتار في بغداد. ولكن هل يوجد شعب في التاريخ استطاع التصدي للمستعمر وتحرير الوطن بدون كلفة؟

تجارب المقاومة الفيتامية والمقاومة الفرنسية نفسها، والمقاومتان الشيشانية والبوسنية وقبل دلك المقاومة الجنوب افرقية ضد نظام الفصل العنصري، والمقاومة المغربية والمقاومة الجزائرية والأفغانية ضد الإستعمار، وغيرها من المقاومات كانت دوما مكلفة للشعوب لكنها كانت مكلفة للمحتل أيضا. فطريق التحرير والعزة والكرامة ليس مملوءا بالورود بل يسقى بدماء الشهداء كما تعلمنا دروس القرآن والسنة ودروس التاريخ

وفي القصص القرآني ومنها قصة أصحاب الأخدود، أبيد المؤمنون حرقا وقتل الغلام الدي كان يتردد على الراهب ولا يؤمن بسحر الساحر، لكن الناس أمنوا في نهاية المطاف برب الغلام .. لقد أتي بالأفواج من المؤمنين وألقى بهم في الأخاديد التي اشتعلت نارا ؛ وأتي بامرأة مؤمنة تحمل رضيعها بأن تلقي بنفسها في النار، وترددت فأنطق الله الغلام قائلا :” يا أماه لا تخافي فإنك على الحق “.

وختم القرآن وهو يورد هذه القصة ويسجلها كنص قرآني مقدس؛ يتعبد المسلمون بتلاوته في الصلاة وفي القيام وفي الورد الراتب في قوله تعالى :” وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد. إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق. إن بطش ربك للشديد إنه هو يبدئ ويعيد .وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد “.

ثم ذكر بعد ذلك حديث الجنود فرعون وثمود ” هل أتلك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدئ ويعيد وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد. بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ “.

معطيات في الخسائر الصهيونية

تفيد بعض المعطيات الإحصائية أن 9745 جنديا ومن أفراد قوات الأمن قتلوا في «اشتباكات متنوعة وهجمات المقاومة»، تشمل أفراد قوات الأمن الذين قتلوا أثناء العمليات العسكرية في العدوان الأخير على غزة. وبالرجوع لتاريخ الصراع بين الكيان الصهيوني في المنطقة يورد موقع ويكيبيديا عددا من المعطيات بين عامي 1948 و1997، إذ قُتل 20,093 جنديا إسرائيليا، وأصيب 75,000 إسرائيلي، واعتبر ما يقرب من 100,000 إسرائيلي من قدامى المحاربين من ذوي الإعاقة.

في يوم الذكرى سنة 2010، أحيا الكيان الصهيوني ذكرى 22,684 جنديا صهيونيا و قبل قيام الدولة منذ عام 1860 ، و3،971 مدني، تشمل القائمة التذكارية، بالإضافة إلى أعضاء الجيش الإسرائيلي المتوفين، أعضاء سقطوا في جهاز الأمن الشاباك، وجهاز الاستخبارات الموساد، و‌شرطة الكيان، و‌شرطة الحدود، و‌مصلحة السجون ، وقوات الأمن الأخرى، و‌اللواء اليهودي و‌الفيلق اليهودي (الذين خدما إلى جانب القوات البريطانية في الحرب العالمية الثانية و‌الحرب العالمية الأولى على التوالي).

معطيات حول العدوان الصهيوني الحالي

حسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أظهرت بيانات الجيش الصهييوني أن 5 آلاف و87 جنديا أصيبوا في الحرب منذ 7 أكتوبر 2023، من بينهم 758 في حالة خطرة. ووفقا لمعطيات شعبة التأهيل في وزارة الدفاع، تجاوز العدد الإجمالي للمصابين من قوات الأمن، بما في ذلك ضباط الشرطة ومقاتلو الشاباك وجنود الاحتياط، 10 آلاف مصاب، مع توقع ارتفاع العدد إلى 14 ألف مصاب بحلول نهاية العام.

ويعاني أغلب الجنود الصهاينة من إصابات في الساق نتيجة للرصاص، أو حروق وندبات نتيجة الانفجارات، أو مشاكل نفسية. وبحسب الصحيفة ذاتها، تؤثر إصابات الحرب على قدرات الجنود الجسدية والعقلية، وكذلك على حياتهم اليومية ورغبتهم في التكيف والعودة إلى الحياة الطبيعية، فضلا عن الخسائر في جنوب لبنان من جنود وقوات احتياط وضباط من وحدات متخصصة.  وقد تزايدت الخسائر في غزة حيث كشف الجيش الصهيوني عن مقتل 891 ضابطا وجنديا منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر، وهو الرقم الأعلى منذ حرب 6 أكتوبر 73 .

وأشارت “يديعوت أحرونوت إلى أنه خلال السنوات الـ10 السابقة للحرب قُتل 152 ضابطا وجنديا إسرائيليا بما في ذلك قتلى “عملية الجرف الصامد صيف 2014” (العدوان الإسرائيلي على غزة 2014). علما إلى أن الجيش الصهيوني لا يفصح عن حجم الخسائر الحقيقية، وأنها أكبر من هذه الأرقام.

وحيث أن الكيان الصهيوني يألم هو الآخر كما يألم الفلسطينيون.
وحيث أن صورة الكيان في الحضيض، وقادته ملاحقين بتهم تتعلق بارتكاب الإبادة وجرائم حرب لم تستن المشافي والمدارس والأطباء والممرضين والممرضات
وحيث أن خسائر الكيان الصهيوني خسائر معتبرة ، ومنها خسارته لصورته ك ” كيان متحضر ” في ” وسط همجي” كما يزعمون ..
وحيث أن حربه المدمرة على غزة هي في طريقها لقلب الصورة إلى نقيضها لدى جانب معتبر من الرأي العام العالمي، وأنه يضع في حرج كبير الأوساط المتصهينة في الغرب وفي المنطقة العربية .
وحيث أن قبوله للصفقة الأخيرة يعني فشلا ذريعا في القضاء على الشعب الفلسطيني ومقاومته.
فإن ألم الكيان الصهيوني لا يقل عن ألم الفلسطينيين مع فارق كبير؛ أن المقاومين الفلسطينيين متطلعون للشهادة مقبلون غير مدبرين .. وأن الصهاينة أحرص الناس على حياة أية حياة.

إن ذلك كله يؤكد أن إرادة المقاومة هي التي تنتصر ليس بالمعنى الميداني العسكري فقط، ولكن بمعنى الصمود والوقوف في وجه العدوان أيضا رغم حجم التضحيات، وأن النظر في التجارب التاريخية يظهر أن إرادة المقاومة تنتصر دوما على إرادة الاحتلال ولو بعد حين، و أن المطلوب من الشعب المحتله أرضه المنتهكة مقدساته وحرماته، أن يصمد ويقاوم بكل ما لديه من قوة … وأن النصر يكون دائما للمقاومة سواء كان نصرا ميدانيا على العدو أو كان بمعنى الصمود وعدم الانكسار،وأن سنن التاريخ تبين أن العافية لحركات المقاومة ولو بعد حين ، وأن إشعاع المقاومة وأثرها الفكري والأخلاقي والقيمي قد يكون أكبر من أثرها العسكري على أهمية دوره.

كل ذلك يؤكد انتصار حركة المقاومة بالمعني الفكري والأخلاقي والقيمي ، وهزيمة الاحتلال فكريا وأخلاقيا ونفسيا وميدانيا. إن صمود المقاومة وعدم خضوعها لإرادة المحتل هو جوهر النصر. كما تدل على ذلك مثلا قصة أصحاب الأخذوذ التي نتعبد الله بتلاوتها في الصلوات والتي من دروسها ما قاله الغلام في مناظرته للملك الظالم ” إنَّك لسْتَ بقَاتِلِي حتَّى تفْعلَ مَا آمُركَ بِهِ. قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ: تجْمَعُ النَّاس في صَعيدٍ واحدٍ، وتصلُبُني عَلَى جذْعٍ، ثُمَّ خُذ سهْماً مِنْ كنَانتِي، ثُمَّ ضعِ السَّهْمِ في كَبدِ القَوْسِ ثُمَّ قُل: بسْمِ اللَّهِ ربِّ الغُلاَمِ ثُمَّ ارمِنِي، فإنَّكَ إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتنِي.
فجَمَع النَّاس في صَعيدٍ واحِدٍ، وصلَبَهُ عَلَى جذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سهْماً منْ كنَانَتِهِ، ثُمَّ وضَعَ السَّهمَ في كبِدِ القَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِسْم اللَّهِ رَبِّ الغُلامِ، ثُمَّ رمَاهُ فَوقَعَ السَّهمُ في صُدْغِهِ، فَوضَعَ يدَهُ في صُدْغِهِ فمَاتَ. فقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الغُلاَمِ، فَأُتِىَ المَلكُ فَقِيلُ لَهُ: أَرَأَيْت مَا كُنْت تحْذَر قَدْ وَاللَّه نَزَلَ بِك حَذرُكَ. قدْ آمنَ النَّاسُ.
فأَمَرَ بِالأخدُودِ بأفْوَاهِ السِّكك فخُدَّتَ وَأضْرِمَ فِيها النيرانُ وقالَ: مَنْ لَمْ يرْجَعْ عنْ دينِهِ فأقْحمُوهُ فِيهَا أوْ قيلَ لَهُ: اقْتَحمْ، ففعَلُوا حتَّى جَاءتِ امرَأَةٌ ومعَهَا صَبِيٌّ لهَا، فَتقَاعَسَت أنْ تَقعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الغُلاَمُ: يَا أمَّاهْ اصبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الحَقِّ (روَاهُ مُسْلَمٌ.)
وما عرفه العالم من أحداث وتطورات ومن انكشاف لحقيقة الكيان الهصيوني وحلفائه فيه مؤشرات دالة على انتصار فكرة المقاومة وانكشاف لكل حلفاء الكيان الصهيوني مما يتعين استثماره والبناء عليه وبالله التوفيق.

أخبار / مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى